التطورات في أفغانستان والأعين على باكستان

التطورات في أفغانستان والأعين على باكستان

يُنظر إلى باكستان على أنها صاحبة النفوذ الكبير لدى حركة طالبان الأفغانية ويمكن أن تساهم في التأثير على الحركة الإسلامية مقارنة بعلاقاتها المتوترة مع حكومة كابول التي اتهمتها بمساعدة المتمردين في معركتهم الأخيرة، لكن أكثر ما تخشاه إسلام آباد هو تضرر مصالحها الاقتصادية في المناطق الغربية المحاذية لأفغانستان.

واشنطن – وجه التطور العسكري المتسارع في الجارة الغربية لباكستان الأنظار إلى إسلام آباد ودورها في تحريك خيوط اللعبة الأفغانية من وراء علاقاتها الوطيدة مع حركة طالبان المتشددة، وإمكانية لعبها دورا بارزا في تعزيز نفوذها بصورة أكبر في البلد الذي يشهد نزاعا طويلا ويتهدده شبح إقامة إمارة إسلامية من جديد.

وسلطت عمليات سيطرة طالبان على مناطق واسعة من البلاد، خاصة في المناطق الشرقية المحاذية لباكستان، الضوء على الدور الذي تلعبه إسلام آباد في الأزمة الراهنة، حيث اتهمتها حكومة كابول بتقديم المساعدة للمتمردين وإيوائهم وتسهيل انتقالهم إلى الأراضي الأفغانية.

وتسعى باكستان من خلال تعزيز نفوذها أثناء التعامل مع تهديدات النشاط العسكري في أراضيها لضمان وحماية أمن المشاريع الحيوية اقتصاديا في ظل الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.

في السابع والعشرين من يوليو الماضي أكدت الأمم المتحدة أن جماعة “تحريك طالبان باكستان” الإرهابية التي تتخذ من الأراضي الباكستانية مقرا لها حافظت على علاقات مع حركة طالبان الأفغانية.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، يوجد حاليا ما يقرب من ستة آلاف من أعضاء الجماعة في المنطقة الشرقية على الحدود مع باكستان، حيث كانوا يقدمون الدعم العسكري بنشاط كبير لهجوم طالبان ضد الحكومة الأفغانية.

عمران خان: باكستان ليست مسؤولة عن ممارسات طالبان في أفغانستان

وكانت إسلام آباد تعتمد تاريخيا على علاقتها الجيدة مع طالبان الأفغانية لإبقاء مقاتلي حركة طالبان باكستان تحت السيطرة.

ومع التطورات الأمنية والعسكرية المتدهورة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على مناطق واسعة من البلاد منذ بدء هجومها في مايو الماضي، يرجح أن تعمل باكستان على تركيز مهمتها على منع العنف في مقاطعاتها الغربية الذي يشكل تهديدا خطيرا للاستثمارات الصينية المرتبطة بالممر الاقتصادي.

ويتوقع خبراء مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية أن تعمل باكستان على الحفاظ على دورها كوسيط رئيسي بين طالبان وكابول لتأمين نفوذها على الحكومة الأفغانية المقبلة، مع الحد من مدى علاقاتها مع طالبان في نفس الوقت لتجنب التدقيق الدولي.

ومنذ بدء هجوم طالبان بعد الإعلان عن الانسحاب الأميركي في الرابع عشر من أبريل الماضي، تضاعف عدد المناطق التي تسيطر عليها في أفغانستان ثلاث مرات من 73 إلى 221 منطقة. كما تسيطر الحركة المتشددة الآن على المعابر الحدودية الاستراتيجية، وبدأت في فرض رسوم باهظة على التجار وعمليات نقل البضائع.

وتشير تقديرات المسؤولين الأميركيين ومراكز بحثية في الولايات المتحدة إلى احتمال سقوط الحكومة الأفغانية خلال الأشهر الستة المقبلة، في ظل الضعف الشديد الذي تعانيه على كافة المستويات والتقدم السريع لطالبان.

يرى خبراء مركز “ستراتفور” أن باكستان ستعمل عبر تحركاتها المستقبلية في أفغانستان على توجيه علاقاتها مع طالبان في ظل العلاقات المتوترة مع الحكومة الأفغانية. كما ستمكن العلاقات الوثيقة مع طالبان ونفوذها الواسع إسلام آباد من البقاء لاعبا رئيسيا طوال الفترة الانتقالية في أفغانستان بغض النظر عن الشكل الذي سيتخذه.

وتعد باكستان داعما دبلوماسيا تاريخيا لحركة طالبان حيث وفرت ملاذات لقادة الجماعة وعائلاتهم، لكن بينما يمنح هذا الوضع إسلام آباد بعض النفوذ مع طالبان إلا أن مقداره يبقى مجهولا.

ولم تثن حركة طالبان الأفغانية نظيرتها الباكستانية عن مهاجمة قوات الحكومة الباكستانية على الرغم من مطالب إسلام آباد في هذا السياق. ومع ذلك تتمتع باكستان بفرصة أفضل للتأثير على طالبان مقارنة بالحكومة الأفغانية التي لا تزال متشككة من دور باكستان كوسيط مما قد يزيد من الصعوبات والتوترات في أي مفاوضات سلام بين الأفغان.

وكانت باكستان قد دعمت حكومة طالبان في أعقاب الانسحاب السوفييتي والحرب الأهلية بعد 1992. وفي أوائل التسعينات وفرت إسلام آباد المأوى لمجلس قيادة الحركة الذي لا يزال مقره في باكستان. كما لا تزال عائلات العديد من قادة طالبان ومقاتليها تعيش في المحافظات الغربية لباكستان.

وقبل أيام قليلة تحدث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن أن بلاده ليست مسؤولة عن ممارسات طالبان في أفغانستان، لكنه أكد أنها لن تتخذ أية خطوة بحق عائلات أعضاء طالبان المقيمين داخل باكستان.

وقال “لسنا مسؤولين عن ممارسات طالبان في أفغانستان. باكستان ليست ناطقة باسم طالبان”، وذلك في ضوء الاتهامات الموجهة لبلاده بتقديمها مساعدات للحركة المتشددة بعد تحقيقها مكاسب عسكرية كبيرة.

ولعبت باكستان دورا مهما في إقناع حركة طالبان بالمشاركة في المحادثات مع الحكومة الأفغانية في العام 2020. واعترفت الولايات المتحدة بدور إسلام آباد في العملية. واستنكر العديد من المسؤولين الأفغان علنا الدور الباكستاني في تعزيز قدرات طالبان من خلال توفير الأموال والأسلحة والملاذ الآمن لمقاتليها وقادتها.

وفي الرابع عشر من يوليو الماضي سيطر مقاتلو طالبان في أفغانستان على معبر سبين بولداك الحدودي مع باكستان. وزعم مسؤولون أفغان أن القوات الباكستانية هددت بإطلاق صواريخ على القوات الأفغانية إذا حاولت استعادة المعبر الرئيسي، وهو ما نفته وزارة الخارجية الباكستانية منذ ذلك الحين.

وفي خطاب ألقاه في السابع عشر من يوليو الماضي أدان الرئيس الأفغاني أشرف غني باكستان لإيوائها إرهابيين. وقال إن أكثر من عشرة آلاف مقاتل من طالبان دخلوا أفغانستان من باكستان بعد أن بدأت الولايات المتحدة في سحب قواتها.

وخاضت أفغانستان وباكستان نزاعات طويلة حول إدارة حدودهما المشتركة التي يبلغ طولها 2430 كيلومترا والمعروفة باسم خط ديورند، والتي تمتد عبر معقل قبيلة البشتون من بيشاور إلى كابول.

تطور الصراع

مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية: باكستان ستركز على تعزيز نفوذها الإقليمي ومنع انتشار العنف عبر طالبان

يقول مركز “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية والأمنية إن “استراتيجية باكستان ستبقى مركزة على تعزيز النفوذ الإقليمي ومنع انتشار العنف من خلال الاستفادة من نفوذها مع طالبان”.

ويشير مركز الدراسات الأميركي إلى أن هناك ثلاث طرق رئيسية يمكن أن يتطور الصراع بها في ضوء استمرار مقاتلي طالبان في تحقيق مكاسب وسط انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.

ويعد سيناريو الحرب الأهلية الشاملة أول السيناريوهات التي قد يدفع إليها الصراع الحالي، حيث يتوقع خبراء المركز الأميركي أن تدفع مكاسب طالبان أفغانستان إلى صراع أهلي أكبر، حيث تقاتل مجموعات عرقية مختلفة وميليشيات محلية من أجل الأراضي المحلية، بينما تسارع الحكومة الأفغانية للدفاع عن عواصم ومدن المقاطعات.

ويفترض أن يؤدي هذا الوضع إلى اشتباكات كبيرة في شمال أفغانستان حيث يدافع الطاجيك والأوزبك عن مناطقهم. وفي هذا السيناريو سيشكل الوضع الأمني المتقلب في الشمال تهديدا مباشرا أكثر لجيران أفغانستان في شمال آسيا الوسطى مقارنة بباكستان. وبالتالي من المرجح أن تسمح إسلام آباد للقتال في أفغانستان بالاستمرار دون تدخل ودعم طالبان مع استمرار زيادة الأمن على طول حدودها الغربية لمنع أي مسلحين محتملين من دخول باكستان.

ويرجح مركز “ستراتفور” أن تسمح باكستان باستمرار القتال في حال حاصرت طالبان عواصم المقاطعات وانتظرت سقوط الحكومة الأفغانية، حيث تدعي الحركة حاليا أنها تسيطر على 85 في المئة من الأراضي الأفغانية بعد هجومها الناجح.

لكن في حال سعت حركة طالبان إلى إقامة حكم منفرد فستكون باكستان مقيدة في مدى دعمها الضمني لحركة طالبان بسبب تهديد العزلة الدولية، حيث يتوقع في هذه الحالة أن تواجه إسلام آباد ضغوطا إضافية من الولايات المتحدة لقطع جميع العلاقات مع طالبان وتفكيك الملاذات داخل باكستان. كما من شأن الصعود اللاحق للجماعات المتطرفة المسلحة داخل باكستان أن يخلق أزمة أمنية كبيرة ستحتاج إسلام آباد بعد ذلك إلى تركيز الموارد عليها لاحتوائها.

أما بالنسبة إلى الحل السياسي ما بعد الأزمة الحالية فقد تؤدي النتيجة غير المرجحة إلى توصل طالبان والحكومة الأفغانية إلى اتفاق لتقاسم السلطة، حيث ستسعى إسلام آباد للعمل مع الحكومة المشكلة حديثا للسيطرة على نمو الجماعات الإرهابية في المناطق الحدودية وبالتالي الحد من التهديد الأمني على المدى القريب.

ويرى خبراء مركز “ستراتفور” في هذه الحالة أن فرص البقاء الطويل لحكومة أفغانية بقيادة طالبان ضئيلة، بناءً على سابقة تاريخية. ولكن في حال تمكنت مثل هذه الحكومة من الاحتفاظ بالمصداقية والسيطرة على البلاد لفترة طويلة، يمكن لباكستان تسهيل علاقة اقتصادية بين الصين وأفغانستان أيضا، مما يزيد من إمكانات النمو الاقتصادي في المنطقة الأوسع.

يتوقع أن تتعامل باكستان مع الصراع المطول في أفغانستان وهو السيناريو الأكثر ترجيحا عن طريق التركيز على تخفيف أو احتواء عودة طالبان الباكستانية مما يشكل خطرا أمنيا على المشاريع الصينية في ظل الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني الاستراتيجي.

وعمل مقاتلو طالبان الباكستانية مؤخرا على إعادة تجميع صفوفهم على طول المناطق الحدودية في أفغانستان بتشجيع من المكاسب الأخيرة لطالبان الأفغانية.

ويقول خبراء مركز “ستراتفور” للدراسات الأمنية إن الجماعة تستعد لتكثيف أنشطتها في المراكز الحضرية الباكستانية حيث كان لدى هؤلاء المسلحين شبكات قوية في الماضي، وذلك بعد الاندماج الأخير للعديد من الجماعات المنشقة بما في ذلك الجماعات التابعة للقاعدة.

ويرى هؤلاء الخبراء أن إعادة تكثيف الأنشطة من قبل طالبان الباكستانية يشكل تهديدا خطيرا للاستثمارات الصينية والمواطنين في باكستان، حيث يرى كل من المتمردين الانفصاليين والإرهابيين الإسلاميين الصين على أنها متحالفة مع دولة باكستانية يحتقرونها.

ولا تمكن المبالغة في أهمية الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني بالنسبة إلى إسلام آباد، حيث سيسهل توسيع الممر تطوير البنية التحتية في باكستان، وخاصة لنقل الطاقة من الشرق الأوسط.

وإلى جانب التوافق الاستراتيجي مع الهند تعد الصين أيضا الشريك الدفاعي والاقتصادي الأكثر أهمية لباكستان. وبالتالي فإن خسارة المشاريع الصينية أو الاستثمارات المستقبلية من شأنها أن تضر بشكل كبير باقتصاد باكستان وتنميتها على المدى الطويل.

وجددت حركة طالبان باكستان مؤخرا التزامها بنضال طويل الأمد ضد الدولة الباكستانية وتحاول توسيع قاعدة دعمها لتشمل مجموعات عرقية البشتون والبلوش الساخطين.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في السابع والعشرين من يوليو، تعهدت خمس مجموعات منشقة رسميا بالولاء لحركة طالبان باكستان في يوليو وأغسطس 2020 بموجب مبادرة دفعها الرئيس الجديد للحركة، والذي ورد أنه نجح أيضا في كسب دعم الجماعات المرتبطة بالقاعدة وحركة طالبان البنجابية.

وفي أبريل الماضي فجّرت حركة طالبان باكستان قنبلة في فندق فخم في كويتا استهدفت السفير الصيني. وفي الآونة الأخيرة أدى انفجار في حافلة إلى مقتل تسعة عمال صينيين يعملون في محطة للطاقة الكهرومائية في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني.

ويرى مركز “ستراتفور” أنه يمكن أن يستفيد المتمردون البلوش في الغرب أيضا من التقلبات عبر المناطق الحدودية لإعادة تجميع صفوفهم وتنظيمها ضد الحكومة الباكستانية، مما يزيد من زعزعة استقرار أمن المنطقة واقتصادها.

العرب