صمدت خلال جائحة كورونا.. هل صناعة النفط الأميركية أكبر من الفشل؟

صمدت خلال جائحة كورونا.. هل صناعة النفط الأميركية أكبر من الفشل؟

تقوم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بخطوات واسعة في التقليل من اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري لاحتياجاتها من الطاقة، وتتضمن خطة الحكومة الفدرالية لما بعد الجائحة تمويل مشاريع الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بمئات المليارات من الدولارات. في المقابل، قد يكون التخلص من النفط والغاز أصعب مما يعتقد البعض.

وقالت الكاتبة إيرينا سلاف في تقريرها الذي نشره موقع “أويل برايس” (Oil price) الأميركي إنه في تقرير صدر مؤخرا بتكليف من معهد البترول الأميركي وصفت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PricewaterhouseCoopers) صناعة النفط والغاز بأنها مهمة للولايات المتحدة من حيث التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في شكل التوظيف ودخل العمل والقيمة المضافة.

على سبيل المثال، وظفت صناعة النفط والغاز 11.3 مليون أميركي عام 2019 بشكل مباشر وغير مباشر، وبالإضافة إلى ذلك بلغ دخل العمل من هذه الوظائف -الذي تعرفه شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” بأنه الأجور والرواتب والمزايا وكذلك دخل المالكين- نحو 893 مليار دولار للعام نفسه.

وبلغت القيمة المضافة لصناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة عام 2019 حوالي 1.688 تريليون دولار، بعبارة أخرى، ساهمت هذه الصناعة بحوالي 1.688 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي الوطني.

ولاحظت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” أن كل وظيفة مباشرة في صناعة النفط والغاز تدعم 3.5 وظيفة أخرى في الصناعات الأخرى، وذلك باحتساب فقط ما تسمى الروابط الخلفية كما أشار مؤلفو التقرير.

وتشير الروابط الخلفية إلى تلك الروابط مع موردي الصناعة، أما الروابط الأمامية -التي لم يتم تضمينها في حساب تأثير النفط والغاز على الاقتصاد الأميركي- فتشير إلى تلك الروابط مع المستهلكين في الصناعة.

إنتاج النفط والغاز يحتاج إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بعمليات المزارع الشمسية (غيتي)
وذكرت الكاتبة أن وباء كوفيد-19 تسبب خلال العام الماضي في إحداث دمار في صناعة النفط والغاز، لكنه لم يقض عليها حيث إنها تعد أكبر من أن تُدمر إذا صح التعبير، وخلال هذه السنة بدأت بالتعافي حتى أن الإنتاج ينمو باستمرار وإن كان بحذر، ومع ذلك، تتصور خطط التحول نحو الاقتصاد الأخضر دورا أصغر بكثير للنفط والغاز للاقتصاد الأميركي، ولسائل أن يسأل: ما الذي سيحل مكانهما؟

سيكون الجواب الواضح “الطاقة المتجددة”، ومع ذلك يختلف بناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية اختلافا كبيرا عن إنتاج النفط والغاز، ولنتحدث عن التوظيف لأنه سيكون أبسط مثال، حيث يقع حفر آبار النفط ومراقبتها وصيانتها، وبمجرد بنائها تحتاج مزارع الطاقة الشمسية إلى صيانة ومراقبة أقل بكثير من بئر النفط، ويعتبر امتصاص الألواح حرارة الشمس وتحولها إلى كهرباء من أفضل الأشياء في مجال الطاقة الشمسية.

وفي غضون ذلك، يحتاج النفط والغاز إلى شخص يراقبهما يتدفقان من الأرض بشكل صحيح.

ما يعنيه ذلك هو أن إنتاج النفط والغاز يحتاج إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بعمليات المزارع الشمسية، وهو ما يشير بدوره إلى أن إنتاجهما من شأنه أن يخلق وظائف أكثر مما يمكن أن يوفره إنشاء المزارع الشمسية على أساس دائم، وسيجعل ذلك النفط والغاز -من جهة- صناعة غير اقتصادية، ومن جهة أخرى يخلق ذلك فرص عمل، وهو ما يعد مفيدا للاقتصاد.

ولكن، ماذا عن 1.688 تريليون دولار التي تم توليدها من إنتاج النفط والغاز والنقل والتخزين والممتلكات لصالح اقتصاد الولايات المتحدة؟

تقول شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” إن 1.4 تريليون دولار من هذا المبلغ الإجمالي جاء من العمليات المباشرة وغير المباشرة.

وأضافت أن الاستثمارات الرأسمالية من قبل الصناعة تبلغ 245.4 مليار دولار أخرى، ويمثل المبلغ الإجمالي 7.9% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة عام 2019.

وفي ما يلي بعض الصناعات التي أثر فيها النفط والغاز بشكل غير مباشر في ما يتعلق بتوليد الناتج المحلي الإجمالي، فقد كان قطاع الخدمات الأكثر تأثرا إلى حد بعيد يليه التمويل والتأمين والعقارات والإيجارات والتأجير، وإضافة إلى ذلك تأثرت تجارة الجملة والتجزئة بشكل كبير بالنفط والغاز، فضلا عن التصنيع والنقل والتخزين والمعلومات، وإن كان بدرجة أقل.

وبلغ إجمالي التأثير غير المباشر للنفط والغاز على هذه الصناعات 924.3 مليار دولار من حيث الآثار التشغيلية والاستثمارية الرأسمالية.

يمكن أن تصل العمالة المباشرة وغير المباشرة في قطاع الطاقة المتجددة إلى 24.4 مليون شخص عام 2030 (شترستوك)
أما في ما يخص تأثير مصادر الطاقة المتجددة على خلق فرص العمل والناتج المحلي الإجمالي فيقدر تقرير صدر عام 2016 عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه “بالنظر إلى الطبيعة الموزعة وكثافة العمالة للطاقة المتجددة يمكن أن تصل العمالة المباشرة وغير المباشرة في قطاع الطاقة المتجددة إلى 24.4 مليون شخص عام 2030 حول العالم”.

وأضافت الكاتبة أن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة قدرت أن “مضاعفة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي تزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2030 بنسبة تصل إلى 1.1%، أي ما يعادل 1.3 تريليون دولار أميركي”، وذلك مقارنة بحوالي 1.688 تريليون دولار من المساهمات في الناتج المحلي الإجمالي من النفط والغاز في الولايات المتحدة وحدها عام 2019.

وفي تقرير صدر العام الماضي تقدر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن العدد الإجمالي لوظائف قطاع الطاقة على مستوى العالم سيرتفع إلى حوالي 100 مليون، في إطار سيناريو التحول الطاقي الذي وصفته الوكالة بأنه طموح، ولكنه واقعي ومن شأنه أن يسمح للعالم بتحقيق هدفه المتمثل في الحد من الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، ويقارب ذلك حوالي ضعف عدد الموظفين في مجال الطاقة عام 2017 والبالغ 58 مليون موظف.

وأوضحت الكاتبة أنه في ما يتعلق بوظائف الطاقة المتجددة تعد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة شحيحة في التفاصيل، حيث تشير إلى الطاقة المتجددة وكفاءتها باعتبارها بعض طرق العمل في السيناريو الخاص بها، وفي الوقت نفسه تتوقع الوكالة انخفاضا بنسبة 40% في وظائف الوقود الأحفوري بأميركا الشمالية وأوروبا.

وتذكر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة آثار تحول الطاقة على الناتج المحلي الإجمالي أيضا، مشيرة إلى أنها ستكون إيجابية على الأغلب، لكنها ستعتمد على الاختلافات في “نقطة البداية الاجتماعية والاقتصادية”، وبالنسبة لأميركا الشمالية ترى الوكالة مكاسب الناتج المحلي الإجمالي من التحول لتصل إلى 659 دولارا للفرد سنويا.

وختمت الكاتبة بأنه من منظور الوكالة الدولية للطاقة المتجددة يفوق ذلك أي فوائد اقتصادية يمكن أن توفرها صناعة النفط والغاز في أي بلد لأنها موجودة جنبا إلى جنب مع الانبعاثات، ومع ذلك، تشير بيانات الحكومة الأميركية المذكورة في تقرير شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” إلى أنه قد يكون من الصعب التخلي عن مساهمات النفط والغاز بغض النظر عن الانبعاثات.

المصدر : مواقع إلكترونية