من خلال قيام إيران بإعادة نشر قواتها العسكرية وتلك التي تعمل بالوكالة عنها، وتعزيز الحملات السياسية لبشار الأسد، واللجوء إلى تكتيكات التخويف المحلية المختلفة، تعمل إيران بشكل متزايد على فرض السيطرة الكاملة على دير الزور. فطهران لن تتخلى طواعية عن طموحاتها لبسط سيطرتها العسكرية والسياسية الكاملة في شمال شرق سوريا.
إنّ الوجود المليشيوي الإيراني في البادية السورية ليس جديداً، موضحاً أنه “في العام 2017، انطلقت المليشيات الإيرانية المتعدد الجنسيات” عراقية وباكستانية وأفغانية مع قوات النظام، وتحت غطاء ناري من الطيران الروسي، من منطقة تدمر باتجاه محافظة دير الزور، فاستطاعت انتزاع المحافظة من تنظيم داعش، وسيطرت على المدن الرئيسية الثلاث فيها وهي دير الزور والميادين والبوكمال، على الضفة الغربية لنهر الفرات”. فقد أولت إيران المنطقة اهتماماً كبيراً منذ ذلك الحين، والطرق الواصلة إلى محافظة دير الزور من وسط سورية”، أنّ السيطرة الإيرانية على طريق دير الزور – تدمر “تعني عملياً افتتاح الطريق البري الذي يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
في تموز/ يوليو الفائت، تعرّض محيط قاعدة حقل العمر النفطي التابعة للجيش الأمريكي لهجوم صاروخي جديد في ريف دير الزور شرقي سوريا، هو السابع من نوعه خلال أقل من أسبوعين، في إطار نمط أوسع نطاقاً من التصعيد ضد الوجود الأمريكي في هذه المحافظة السورية الحدودية الشرقية المهمة من الناحية الجيوستراتيجية. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاستفزازات ليست سوى مثال صغير على كيفية قيام خصم الولايات المتحدة الأمريكية -إيران – بتوسيع نفوذها المحلي بهدف تحويل المنطقة إلى مستعمرة عسكرية. وعلى الرغم من الحكمة التقليدية بأنه يمكن الضغط على موسكو للتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا وكبح طموحات طهران في تلك البلاد، إلّا أن التطورات الأخيرة في دير الزور ترسم صورة مختلفة.
وقد يكون أبرز هدف حققته إيران في دير الزور هو سيطرتها على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، الأمر الذي مكّن نظام طهران من تحقيق الحلم الذي اوده منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وهو إقامة ممر بري يوصلها إلى البحر الأبيض المتوسط ولبنان عبر سوريا والعراق.
ولسنوات طويلة، شكلت مطامع طهران في هذا شأن مخاوف إقليمية، إذ إن هذا أحد أهم الاهتمامات الإقليمية، إذ تخشى كثير من الدول العربية وإسرائيل أن تشدد إيران سيطرتها على الطرق البرية الممتدة من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط، وتسيطر بالتالي على عقدة نقل بري مهمة.
وفي نفس السياق تعتبر محاولات إيران لإيجاد ذلك الطريق خطرا على مصالح العديد من الدول الغريبة والمجتمعات الديمقراطية، إذ إن وصول إيران إلى شواطئ البحر المتوسط سيجعلها تشكل تهديدا لمصالح أوروبا والغرب بشكل عام.
فإيران سعت إلى زيادة نفوذها الاجتماعي والثقافي في شرق سوريا بعد أن عززت وجودها العسكري عبر تقديم خدمات اقتصادية واجتماعية امتازت بالكثرة من حيث الكم، ولكن جودتها كانت سيئة جدا في الكثير من الأحيان.
يعتمد جزء كبير من استراتيجية طهران في دير الزور على نشر نسختها من الإسلام الشيعي الإثني عشري بين القبائل المهيمنة في المنطقة. ويشمل ذلك تكتيكات مثل التسلل إلى النسيج الاجتماعي السني إلى حد كبير واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة من خلال تقديم المساعدة المالية لعائلات المجندين في الميليشيات إذا كانوا على استعداد لتغيير معتقداتهم.
وسرقة الأملاك الخاصة المهجورة لكي يستخدمها المقاتلون الأجانب كملجأ من الضربات الجوية. ومنذ نيسان/أبريل، تمت مصادرة حوالي 75 من هذه الأملاك في البوكمال والميادين وحدهما. على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن ميليشيا “لواء الفاطميون” سرقت 15 ملكاً في الميادين وأقامت ما لا يقل عن 10 مستودعات للأسلحة في قرية عياش شمال عاصمة المحافظة. وبالمثل، قامت ميليشيا “لواء أبو الفضل العباس” بإخفاء أعداد كبيرة من الأسلحة بين الأنقاض الأثرية وفي الأنفاق بالقرب من الميادين لتجنب الضربات الجوية. وتشتري إيران أيضاً مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة بأسعار منخفضة للغاية، مستفيدةً من الحاجة الملحة للسكان المحليين إلى الأموال النقدية.
ولتحقيق هذا الممر وتأمينه، يلزم لإيران سيطرة كاملة على المدن الواقعة على طريقه، وهو ما يفسر سبب نشاط ميليشيات التابعة لها في العراق للسيطرة على مدينة نينوى القريبة من الحدود مع سوريا، خاصة بلدات تل عفر والقيروان والبعاج التابعة لها، لكونها تتماس حدوديا مع مدينتي البوكمال والميادين في محافظة دير الزور في سوريا، ومساعيها للسيطرة على بقية المدن الموصلة حتى اللاذقية، وكل ذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب.
وأهمية إنجاز هذا الممر الطويل لإيران، هو ربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان بعمود فقري واحد تحكم طهران قبضتها عليه، لتسهيل نقل المؤن والعتاد العسكري والاقتصادي الإيراني بين البلدان الأربعة بعيدا عن مراقبة وتحكم الخصوم المنافسين لها، وإيجاد منفذ على البحر الأبيض المتوسط عبر اللاذقية، وتقوية الميليشيات التابعة لها في هذه البلاد عبر تسليمها هذه المدن، وتعزيز وجود إيران البشري والاقتصادي في هذه البلاد ما يسهل تبعيتها لها في المستقبل بتكلفة أقل من الحروب التقليدية. مما يعني أن ليس لديها نية بالخروج.
وحدة الدراسات الإيرانية