عندما يكون الوقت مناسباً، تستخدم إيران سياسة الغموض إلى أقصى حد. في نهاية الأسبوع الماضي، اتُّهم حرس الثورة الإيراني بهجوم على سفينة “ميرسر ستريت” أمام شواطئ عُمان بواسطة طائرات المسيرة الانتحارية، وقتل فيه مواطن بريطاني وآخر روماني.
أعلن المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، أن بلاده غير مسؤولة عن مهاجمة السفينة، التي هي بملكية جزئية لشركة تعود لرجل الأعمال الإسرائيلي، أيال عوفر.
رداً على ذلك، قال رئيس الحكومة، نفتالي بينيت: “تحاول إيران، بشكل جبان، التهرب من المسؤولية عن الحادثة. هي تنفي ذلك. وأقول هنا بشكل مؤكد إن إيران هي التي نفذت الهجوم. وثمة دلائل استخبارية على ذلك”. ومعلومات أجهزة المخابرات، في إسرائيل والغرب، تشير إلى أن الأمر يتعلق بعملية لسلاح الجو التابع لحرس الثورة الإيراني.
قائد سلاح الجو في حرس الثورة الإيراني، أمير علي حاجي زادة، تسلم من قيادة إيران ما يشبه الشيك المفتوح للمهاجمة بالطائرات المسيرة في حالة حدوث عملية إسرائيلية. كان الهجوم رداً على هجوم نسب لإسرائيل قبل أسبوعين في سوريا. حدثت ثلاث هجمات في سوريا خلال فترة أسبوع، أصيب في إحداها ضابط في قوة القدس التابعة لحرس الثورة الإيراني قرب مدينة حمص.
كان هذا كافياً لحاجي زاده لتنفيذ هجوم بالطائرات المسيرة، رداً على ذلك. وكان المبرر للعملية الإيرانية وليس هجوم السايبر، الذي نسب لإسرائيل، والذي شوش حركة القطارات في إيران الشهر الماضي. شخصيات رفيعة في حرس الثورة ذات حساسية للخسارة في صفوفها، وفي الحرب بسوريا. فقد حددوا ثمناً، مثلما فعل حسن نصر الله في الحالات التي يصاب فيها أشخاص من حزب الله في الهجمات على القواعد الإيرانية في سوريا.
حسب أقوال بينيت: “سلوك إيران الأزعر خطير ليس على إسرائيل فقط، بل يمس بمصالح عالمية، مثل حرية الملاحة والتجارة الدولية”. تشير أقواله هذه إلى سلم أولويات إسرائيل في الفترة القريبة القادمة. تريد إسرائيل استغلال هجوم إيران ومقتل المواطنين الأوروبيين لشن حملة دبلوماسية ضد إيران. وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية، أمس، أنها تعتبر إيران المسؤولة عن الهجوم “على الأرجح”. وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً مشابهاً. في الوقت نفسه، كانت هناك مكالمة هاتفية بين رئيس الأركان افيف كوخافي، ونظيره البريطاني، تم فيها عرض معلومات استخبارية إسرائيلية.
التوقيت الذي حدثت فيه هذه الأمور مهم. سيؤدي الرئيس الجديد لإيران، إبراهيم رئيسي، اليمين هذا الأسبوع، ومن التوقع أن يؤثر على طبيعة إدارة المفاوضات مع الدول العظمى حول الاتفاق النووي الجديد. واحتمالية التوقيع على هذا الاتفاق غير واضحة تماماً. تريد إسرائيل أن تعرض إيران كعقبة أمام المجتمع الدولي، وفي هذه المرة ضُبطت إيران وهي تنفذ العمل. هذا لا يعني أن عملية عسكرية رداً على خطوة إيران قد تم إهمالها. في السابق، مرت أسابيع أحياناً إلى أن ردت إسرائيل على عمليات نفذت ضدها. ويمكن التخمين بأن تكون هناك عملية على الصعيدين، السياسي والعسكري في هذه المرة أيضاً. وقد يجد بينيت، الذي يلاحقه نتنياهو باستمرار، صعوبة في اجتياز الاستفزاز الإيراني بدون أي رد.
الحرارة ترتفع مرة أخرى
ساحة إيران ليست الوحيدة التي سجلت فيها درجة حرارة برقم قياسي في ذروة موجة الحرارة الحالية. اليوم ستناقش المحكمة العليا طلب الإذن بالاستئناف الذي قدمته أربع عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في شرقي القدس ضد أوامر الإخلاء من بيوتها لصالح جمعية مستوطنين. المواجهات في الشيخ جراح، إلى جانب أحداث الحرم، أدت إلى زيادة التوتر في المنطقة في أيار الماضي، وأدت إلى عملية “حارس الأسوار” ضد حماس في قطاع غزة.
إن تأجيل النقاش في القضية، والقرارات المتخذة لتقييد مسيرة الأعلام في القدس، ساعدت قليلاً في تهدئة النفوس في المدينة. ولكن التوتر ازداد مرة أخرى الآن، على الأقل في منطقة الشيخ جراح. فقد جرت هناك مظاهرات مؤخراً قبل استئناف جلسات المحكمة العليا. كما ساهم الجيش بالضفة الغربية في تأجيج اللهب. ففي الأسبوع الماضي، قتل أربعة فلسطينيين في أحداث مختلفة في الضفة، جميعهم من المدنيين غير المسلحين، من بينهم فتى وطفل. يعترف جهاز الأمن، استناداً إلى تحقيقات أولية، بأن هناك علامات تساؤل قاسية تطرح في جميع هذه الأحداث حول سلوك القوات على الأرض وحول تبرير استخدام النار الحي. التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عاد وتعزز بعد التوتر الذي رافق فترة العملية في القطاع، وبرزت جهود السلطة للسيطرة على ما يحدث على الأرض.
نبعت عمليات السلطة لسببين: الخوف من التهديد الذي تتعرض له من قبل حماس، الذي يتمثل بأن شعبية حماس زادت على خلفية صمودها أمام إسرائيل في غزة؛ ومحاولة إظهار حسن النية تجاه إدارة بايدن على أمل أن يتجند لضخ الأموال إلى رام الله واستئناف المفاوضات بينها وبين إسرائيل. أحد مصادر قلق الفلسطينيين هو القلق الاقتصادي. فإسرائيل عادت إلى خصم الأموال التي تحولها للسلطة رداً على المساعدات المالية التي تحولها السلطة لعائلات المخربين الذين قتلوا والسجناء الأمنيين المسجونين في إسرائيل.
وتزداد الصعوبات لسبب بيروقراطي. الحكومة ملزمة بالعمل بشكل قانوني عقب تشريع صادقت عليه الكنيست في فترة نتنياهو. حساب الخصم يتم حسب تقرير تنشره وزارة الدفاع عن حجم الأموال التي تحولها السلطة للسجناء وعائلات المخربين. ولكن في العام 2019 لم يتم نشر التقرير. ومؤخراً، تم نشر تقرير إجمالي عن السنتين الأخيرتين، وهكذا فإن المبلغ الذي تم خصمه في هذه السنة كان مضاعفاً. وبالتالي، ينتج أن إسرائيل تخصم على الفلسطينيين حوالي 100 مليون شيكل شهرياً، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية السلطة 1.5 مليار شيكل في الشهر. وهذا يسهم في صعوبات السلطة الاقتصادية، التي ستضطر في القريب إلى تقليص رواتب الموظفين العامين، ومن بينهم من يعملون في الأجهزة الأمنية الذين يعتمد عليهم التنسيق الأمني اليومي مع إسرائيل.
القدس العربي