في 27 تموز/يوليو، شنّت قوات بشار الأسد هجوماً كبيراً شمل قتالاً من شارع إلى شارع وقصفاً مدفعياً داخل درعا البلد جنوب عاصمة المحافظة. وحتى الآن، أبلغ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” عن وقوع ما لا يقل عن ثمانية ضحايا مدنيين ونزوح ما يصل إلى 24000 شخص على أثر الهجوم. وتوضح تصرفات القوات المحلية التابعة لروسيا وإيران الكثير عن النوايا الحقيقية لكل دولة في المنطقة، وقد تكون النتيجة الأكثر إلحاحاً هي المزيد من التطهير العرقي.
شهد الأسبوع الماضي احتدام التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين النظام السوري وفصائل المعارضة في درعا البلد جنوب عاصمة المحافظة. وفي 27 تموز/يوليو، شنّت قوات بشار الأسد هجوماً كبيراً شمل قتالاً من شارع إلى شارع وقصفاً مدفعياً داخل المدينة. وسرعان ما شنت قوات المعارضة هجوماً مضاداً، وأفادت بعض التقارير أنها سيطرت على تسعة حواجز تفتيش خاضعة لسيطرة النظام واعتقلت العشرات من عناصر الجيش السوري.
وحتى الآن، أبلغ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” عن وقوع ما لا يقل عن ثمانية ضحايا مدنيين ونزوح ما يصل إلى 24000 شخص على أثر الهجوم – وهي الحملة الأكثر كثافة التي شهدتها درعا منذ توقيع الفصائل المتمردة على “اتفاقات المصالحة” مع النظام بوساطة روسية في منتصف عام 2018.
وما زال القتال مستمراً حتى كتابة هذه السطور، معرّضاً حياة المدنيين للخطر، وهم الذين يعيشيون تحت حصار فعلي من الأسد وداعميه الروس منذ شهور ويتعرضون حالياً لاعتداءات مباشرة. وأفادت مصادر محلية أن عدد الضحايا المدنيين وصل منذ أواخر نيسان/أبريل إلى 250 ضحية. وفي حين تزعم موسكو أنها تحاول التوسط لوقف إطلاق النار، إلّا أن هذه الجهود انهارت في وقت سابق من هذا الأسبوع، وتم استئناف القصف. ومن غير المرجح للغاية أن يقوم الأسد بتنفيذ مثل هذه الحملة المكثفة بالقرب من الحدود الإسرائيلية والأردنية دون موافقة موسكو.
ولطالما كانت سيطرة الأسد على درعا ضعيفة، لكن التوترات كانت عالية بشكل خاص منذ أيار/مايو، عندما رفض العديد من سكان المنطقة المشاركة في الانتخابات المزوّرة لإعادة انتخاب الأسد ونظّموا احتجاجات بدلاً من ذلك. وحاولت دمشق، بمساعدة إيران وروسيا، إعادة ترسيخ سيطرتها هناك بحجة محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الرغم من أن التنظيم الجهادي لم يتبنَّ أي هجوم في محافظة درعا منذ أيار/مايو أو في منطقة درعا البلد منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ويمارس المفاوضون منذ فترة الضغوط على فصائل المعارضة المحلية لحملها على الانتقال إلى إدلب، وتسليم أسلحتها، والقبول بوجود أكبر للنظام في المدينة، لكن جهودهم باءت بالفشل. فعلى سبيل المثال، واصلت “جبهة ثوار سوريا” القتال دفاعاً عن المدنيين في درعا، وتصدّت لوحدات الجيش والميليشيات المدعومة من إيران لدرجة دفعت النظام إلى إرسال فرق مدرعة إلى المدينة وتقييد حرية تنقل السكان. وحتى هذا الاستعراض للقوة فشل في انتزاع أي تنازلات من المعارضة، لذلك غيّر النظام تكتيكاته في الأسبوع الماضي وشن هجوماً واسع النطاق.
وقد جمع القتال كوكبةً من القوات الموالية للأسد، بما فيها فرق من الجيش السوري، وميليشيات مدعومة من إيران (التي تسيطر على ما يقرب من عشرين موقعاً عسكرياً في المحافظة)، وعناصر شبه عسكرية تتلقى توجيهاتها من روسيا. وكان للفرقتين الرابعة والتاسعة من الجيش دورٌ كبير في الحملة، حيث استخدمت قذائف الهاون والدبابات والأسلحة الصغيرة لمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. ومع ذلك، بينما كانت قوات النظام في صميم الهجوم حتى الآن، كانت القوات المتحالفة مع إيران تتحرك بهدوء في المنطقة منذ أسابيع. وفي الشهر الماضي، تم إحضار “اللواء 313″ (وهو ميليشيا تابعة لـ «الحرس الثوري الإيراني») و”كتائب رضوان” (وحدة من «حزب الله») إلى المنطقة لتقوية محاولة الأسد الفاشلة لنزع سلاح المعارضة. ويشرف «الحرس الثوري» على أنشطة هؤلاء الوكلاء المتنوعين.
وفي غضون ذلك، لعب “اللواء الثامن” الروسي الذي تم “التصالح” معه – المكوَّن إلى حد كبير من متمردين سابقين في «الجيش السوري الحر» – دوراً بارزاً في التفاوض نيابة عن درعا قبل الانفجار الأخير. ويسلّط وجوده الضوء على الأهداف المعقدة والمتضاربة أحياناً التي تدفع موسكو إلى اللعب بين أطراف مختلفة من النزاع من أجل إبقاء دمشق وطهران تحت السيطرة وحماية مصالحها الخاصة.
ومن منظور إستراتيجي أوسع، كانت درعا تقف في طريق مساعي النظام لترسيخ سيطرته على الأراضي منذ عام 2011. كما أن الكثير من السكان المحليين يعتبرون الأسد مجرد “أمير حرب” ويرفضون الخضوع له منذ عقد من الزمن. وعلى الرغم من أن روسيا تواصل نهجها في إدارة الأزمة من خلال كيانات مثل “اللواء الثامن”، إلا أن الترتيبات المؤقتة التي توسطت فيها ليست مستدامة. فالهدف النهائي للكرملين هو فرض سيطرته الفعلية على القسم الأكبر من سوريا، أولاً من خلال قوات الأسد البرية، ولاحقاً من خلال صناديق إعادة الإعمار الدولية. لذلك ستدعم العناصر الروسية حملة القمع الذي يشنها النظام في درعا طالما أنها تسهّل بلوغ هذا الهدف. ومن جانبه، ينتهج الأسد استراتيجيته المعتادة للسيطرة من خلال التطهير العرقي. وتبدو هذه النتيجة الأكثر ترجيحاً ما لم يتم تلبية المطالب المحلية بالحماية الدولية.
وعند التفكير في ما يجب فعله إزاء هذا الوضع، على واشنطن النظر في عدة عوامل ملحة. وأحد هذه العوامل هو التحوّل الأخير في السلوك الروسي تجاه الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، والتي يمكن أن تصبح مشكلةً أكبر إذا امتدت إلى مناطق حدودية استراتيجية كدرعا. وفي تموز/يوليو، على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن موسكو ساعدت قوات الأسد في اعتراض ضربات صاروخية إسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في محافظتَي حلب وحمص.
وثمة عامل رئيسي آخر هو أن موسكو تسمح على ما يبدو باستمرار هجوم الأسد على الرغم من أنها تدّعي التوسط في النزاع. وبالإضافة إلى ازدياد الاحتمالات بترتُّب عواقب وخيمة على سلامة المدنيين المحليين، فإن هذا النهج قد يشجع «الحرس الثوري الإيراني» و «حزب الله» والميليشيات الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة على تنفيذ أعمال جديدة تشكل تهديداً لإسرائيل (على سبيل المثال، على طول حدود الجولان القريبة). وهذا بدوره قد يهدد المصلحة الأمريكية الكبرى في الاستقرار الإقليمي.
ووفقاً لذلك، بينما تُنهي إدارة بايدن مراجعتها المستمرة لسياستها تجاه سوريا، عليها إعادة النظر في مسألة دعم المتمردين في الجنوب. فدرعا هي مهد انتفاضة عام 2011، وعناصر المعارضة هناك لا يملكون نفس تاريخ التطرف الجهادي الذي شوهد في الشمال. ينبغي على واشنطن أيضاً التنسيق مع الأردن بشأن الاستجابات المناسبة للنازحين داخلياً واللاجئين. ولعل الأهم من ذلك، أن هذه التطورات تثبت ما يفترض أن يكون المسؤولون الأمريكيون وشركاؤهم في الخارج قد أدركوه بالفعل وهو: أن أي محاولة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد هي قصيرة النظر.
عُلا الرفاعي
معهد واشنطن