كان من الممكن أن يتسبب مقتل اثنين من أفراد طاقم ناقلة المنتجات النفطية “ميرسر ستريت” في خليج عُمان إثر اصطدام طائرة إيرانية بدون طيار بهيكل السفينة الأعلى، في حالةً من الهلع في الأسواق. إلّا أن التذبذب الأخير في أسعار النفط يعود إلى تأثير جائحة كورونا على اقتصاد الصين، وليس إلى الضربة الإيرانية الواضحة على ناقلة النفط الإسرائيلية.
كم من الأخبار السيئة اللازمة لكي يتغيّر سعر النفط؟ وأي نوع من الأخبار؟ لقد انخفض السعر في التعاملات المبكرة في آسيا في الثاني من آب/أغسطس، لكن هذا الاتجاه لم يكن بسبب القلق من اعتداءٍ ألقيت مسؤوليته على إيران بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي في نهاية الأسبوع الماضي؛ فقد كان من شأن ذلك أن يدفع إلى ارتفاع الأسعار. إلّا أن السبب كان هو تجدّد المخاوف المرتبطة بجائحة كورونا بشأن صحة الاقتصاد الصيني.
وفي الماضي، كان من الممكن أن يتسبب مقتل اثنين من أفراد طاقم “ميرسر ستريت” – ناقلة منتجات نفطية وجزء من الإمبراطورية التجارية لملياردير إسرائيلي – في 29 تموز/يوليو في حالةً من الهلع في الأسواق. فقد قُتل الرجلان إثر اصطدام طائرة إيرانية بدون طيار بهيكل السفينة الأعلى في خليج عُمان على بعد أكثر من 300 ميل من الساحل الإيراني. ونفى المسؤولون الإيرانيون أي صلة بالحادث، وهو ادعاء لا يقنع أحداً. نحن بانتظار ما سيقولونه عندما يتم انتشال أجزاء من الحطام، مختومة على الأرجح بعبارة “صُنع في إيران”، كما حدث في الماضي. وقد أفادت آخر التقارير أن السفينة كانت متوجهة إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة دون مساعدة خارجية بل برفقة [سفن من] البحرية الأمريكية.
وفي حين لم تؤد الحادثة إلى اضطراب أسواق الطاقة، إلا أن العالم الدبلوماسي يتخبط في موجات كلامية، ولكن من دون [اتخاذ] أي خطوات عملية بعد. وفي الأول من آب/أغسطس قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن واشنطن “واثقة من أن إيران هي التي نفّذت الهجوم”، مضيفاً أن مثل هذه الأعمال “تهدد حرية الملاحة عبر هذا الممر المائي المهم، فضلاً عن الملاحة والتجارة الدولية، وحياة أولئك على متن السفن أنفسهم”.
إلّا أن رد نظيره البريطاني دومينيك راب كان أسرع منه – فأحد القتلى هو حارس أمن بريطاني- حيث قال الوزير إن الاعتداء “كان متعمداً ومستهدفاً ويشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي”. وتابع: “على إيران أن توقف مثل هذه الهجمات. … والمملكة المتحدة تعمل مع شركائنا الدوليين حول رد منسق على هذا الهجوم غير المقبول”.
ومن غير المستغرب أن إسرائيل كانت أول مَن طالب بردٍّ دولي. وحتى رومانيا تدخّلت، فالشخص الآخر الذي لقي حتفه هو من رومانيا.
والأمر المحرج للعمل الدبلوماسي هو أن الحادث كان على ما يبدو جزءاً من “حرب الظل” المتصاعدة بين إيران وإسرائيل. ففي العام الماضي أو نحو ذلك وقعت انفجارات غامضة دمرت سفناً إيرانية قبالة السواحل السورية وفي البحر الأحمر بينما تحاول إسرائيل تقويض حلفاء إيران، وهو جزء من تصميمها على عدم السماح لطهران بتطوير سلاح نووي. وحالياً بدأت إيران في الرد على ذلك. وبينما تريد الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى معالجة مشكلة برنامج إيران النووي ونفوذها المزعزع للاستقرار بالسُّبل الدبلوماسية، إلّا أن إسرائيل لا ترى أن الوقت متاح لذلك أو تعتبر النهج المتعدد الأوجه مبرراً و/أو ضرورياً.
وفي الثاني من آب/أغسطس، تم استدعاء السفير الإيراني في لندن إلى وزارة الخارجية البريطانية لتوبيخه، على الرغم من أن تأثير ذلك قد يكون ضئيلاً عندما يقدم تقاريره إلى طهران. وبصرف النظر عن الغطرسة الإيرانية الثورية المستمرة بشأن النفوذ الذي كان مهيمناً يوماً ما، تمر طهران هذا الأسبوع بمرحلة انتقالية، حيث يجري استبدال الرئيس حسن روحاني، الذي يُفترض أنه معتدل نسبياً، بابراهيم رئيسي المتشدد والأقرب إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الهجوم قد يؤدي إلى إعادة حساب الخيارات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد إيران. فإذا تمكنت طائرة بدون طيار أو سلاح مشابه من ضرب ناقلة نفط، فقد تتمكن أيضاً من ضرب حاملة طائرات. وقبل أسبوع واحد فقط، كانت حاملة الطائرات البريطانية الجديدة، “إتش إم إس كوين إليزابيث”، قد عبرت المياه نفسها متوجهةً شرقاً لترفع الراية في المياه القريبة من الصين. ولا تزال حاملة الطائرات “يو إس إس رونالد ريغان” ومجموعتها الضاربة في المنطقة، على الرغم من التركيز على تعاملها مع تقدم حركة “طالبان” في أفغانستان؛ وقد تتخذ الناقلة خيار إخفاء نفسها في المحيط المفتوح، لكن ذلك يجعلها أقل فعالية.
وتشمل نقطة الضعف المحتملة أيضاً فترة الانقطاع عن العمل لدى القوات البحرية لكلتَي الدولتين. فمنطقة الهجوم تقع على مقربة من ميناء “الدقم” العماني حيث تملك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مرافق على الميناء قادرة على التعامل مع حاملات الطائرات والغواصات النووية. وقد تكون عُمان مضيفاً حساساً أيضاً؛ وفي أعقاب الهجوم الأخير أعلنت بوضوح أن الحادث لم يقع في مياهها الإقليمية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، قد تجد واشنطن ولندن نفسيهما مقيّدتين بسبب إحجام حلفائهما الخليجيين العرب عن مواجهة إيران. ففتور إدارة بايدن تجاه استخدام القوة سبق أن دفع دولاً كالسعودية والإمارات إلى العمل مع طهران عبر القنوات الدبلوماسية. وعلى الأرجح، إن التوازن الذي ترسيه تلك الدول بين الخوف من إيران، وعلاقاتها الجديدة مع إسرائيل، والتعامل مع جارتها الأكبر عبر مياه الخليج سيكون بلا فائدة.
وسيؤدي إنكار ضلوع إيران [في الحادث] إلى تحفيز مثل هذه النتيجة. كما أنه اعتراف بأن طهران بحاجة إلى تصدير النفط على غرار جيرانها. وفي حين ستبقى أنظار سوق النفط شاخصة نحو منطقة الخليج، إلا أن شاغلها الرئيسي هو تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي.
سايمون هندرسون
معهد اشنطن