إشارة الاستغناء عن الغنوشي تنطلق من الدوحة

إشارة الاستغناء عن الغنوشي تنطلق من الدوحة

تونس – أرسلت قطر إشارات تنبئ بحدوث تغيير في موقفها مما يجري في تونس بعد الخامس والعشرين من يوليو، وتبدو هذه الإشارات في غير صالح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بتحميله مسؤولية الفشل في حماية تجربة حكم الإسلاميين، وهو ما عكسه مقال عن الأخطاء العشرة التي ارتكبتها حركة النهضة كتبه الأكاديمي عزمي بشارة المعروف بكونه إحدى الأذرع الإعلامية للدوحة.

ويقول مراقبون إن آخر ما يريده الغنوشي الآن هو أن يرى أقرب حلفائه من خارج تونس وهم يوجهون إليه لوما مريرا، بعد أن تم تقديم تجربته على أنها التجربة المثالية للزعيم الإسلامي من خارج هالة التجربة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان.

وكان واضحا أن عزمي بشارة لم ينتقد في المقال الذي نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك أداء النهضة خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد والتي تقضي بتجميد البرلمان وحل الحكومة، وإنما انتقدها على ضعف أدائها خلال السنوات العشر الماضية، في تقييم يخفي تحميلها مسؤولية فشل تجربة حكم الإسلاميين الذي راهنت عليه الدوحة ودعمته.

فتحي العيادي: هذا ليس وقت مراجعات النهضة والاعتراف بالأخطاء، فهذا أمر سهل

ووجّه بشارة إلى حركة النهضة سلسلة من الاتهامات من بينها أنها “تمسكت بالسلطة بأي ثمن (…) حتى حين كان الطريق الوحيد هو بناء تحالفات انتهازية”، وأن تعدد تحالفاتها جعلها تبدو “جزءا من نظام حزبي فاسد لا تهمه المبادئ والقيم بقدر ما تهمه السلطة ومنافعها”، وأنها ساومت “على العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد”.

ولم ينس عراب السياسة الإعلامية القطرية أن يوجه نقده إلى الغنوشي بسبب تمسكه برئاسة البرلمان، في اعتراف قطري متأخر بأن رئيس حركة النهضة مثّل عامل توتير في البرلمان لتمسكه برئاسته.

وقال بشارة في إحدى النقاط العشر “ظهرت النهضة وكأنها تمثل صورة الأحزاب المتردية كلها حين أصرت على رئاسة البرلمان، والإصرار على أن يكون رئيس الحركة (وليس غيره) هو رئيس البرلمان، وقيادة ائتلاف يدعم حكومة معطلة. ولو كانت في المعارضة لكانت في وضع أسلم بكثير، ولو بقي رئيس الحركة خارج هذه المعمعة لكان أفضل له وللحركة”.

واعتبرت أوساط تونسية أن مقال بشارة يأتي في وقت دقيق بالنسبة إلى الغنوشي وحركة النهضة، وأنه يوجه رسالة واضحة مفادها استعداد الدوحة للتعاطي بإيجابية مع المرحلة الجديدة في تونس التي يقودها الرئيس قيس سعيد، وأن القطريين ليسوا على استعداد للوقوف في وجه تغيير شعبي يحصل على دعم إقليمي ودولي.

وكانت قطر قد اكتفت بإصدار بيان وحيد منذ الخامس والعشرين من يوليو عبرت فيه عن أملها في أن “تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون”. ولم يشر البيان من قريب أو بعيد إلى وضع حركة النهضة أو رئيسها في المرحلة القادمة.

وقال مصدر سياسي تونسي مطلع لـ”العرب” إن الجمع بين “معلقة” عزمي بشارة والبيان القطري -الذي يبدو محايدا بشكل ملحوظ- يعكس فكرة أن إشارات استغناء النهضة عن الغنوشي أُطلقت من الدوحة بغض النظر عن قدرة الحركة على البقاء كحزب سياسي متماسك بعد استبعاد زعيمها.

وأشار هذا المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن اسمه- إلى أن ما كتبه عزمي يعد كذلك بمثابة إشارة داعمة للتيار الغاضب على الغنوشي داخل حركة النهضة، متوقعا أن تتم الاستجابة لذلك بشكل منظم وعلى أكثر من واجهة، وأن يتم الجمع بين دعوات صادرة عن عناصر بارزة إلى إقالة الغنوشي من قيادة الحركة، واستقالات وانسحابات من المكتب التنفيذي ومجلس الشورى، وإخراج الخلافات الداخلية إلى العلن ومناقشتها على مواقع التواصل.

وما كان لافتا هو مشاركة ما كتبه عزمي بشارة على صفحات أنصار حركة النهضة والاحتفاء به باعتباره معبرا عن وجهة نظر التيار الغالب داخل الحركة، ما حدا بالناطق الرسمي باسم حركة النهضة فتحي العيادي إلى القول إن “السؤال الحقيقي اليوم لا يتعلق فقط بالنهضة والمراجعات التي يجب أن تقوم بها والاعتراف بالأخطاء التي قامت بها. فهذا أمر سهل وسيجد أقلاما كثيرة تجيب عنه”.

وقوبل هذا التصريح بردود فعل وتعاليق غاضبة تحمّل حركة النهضة مسؤولية الوضع الصعب الذي آلت إليه البلاد.

وقالت الأوساط السياسية إن فرصة الإطاحة بالغنوشي باتت ملائمة سواء بالنسبة إلى أصدقائه أو من جهة خصومه، مشيرة إلى أن قياديين في النهضة يروجون فكرة أن الغنوشي سيعمد إلى تقديم استقالته حالما يعود نشاط البرلمان، وذلك في مسعى منهم لإذابة الجليد بين الحركة ومقربين من محيط الرئيس سعيد.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن النهضة تريد أن تقايض وضعا جديدا تحافظ فيه على بعض مكاسبها في المرحلة القادمة مقابل تخلي الغنوشي عن رئاسة البرلمان وكذلك عن دوره السابق في التحكم بالعلاقات مع الأحزاب والعلاقات الخارجية للحركة، وهو مسار يبدو أن القطريين يدعمونه.

ولاحظ نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تعمد المشرفين على إدارة الصفحة الرسمية للغنوشي تعطيل خاصية التعليق على منشوراته لوقف هجوم التونسيين الغاضب على صفحات رئيس البرلمان وتحميله مسؤولية الأزمات التي تعيشها البلاد.

ومنذ جلسة مجلس الشورى السابقة وما تبعها من غضب عليه، توقف الغنوشي عن الظهور وأوقف تصريحاته للإعلام، وهو ما قد يكون جزءا من تعهدات داخلية وخارجية من رئيس حركة النهضة للتوقف عن إثارة الأزمات.

ويعتقد المراقبون أن الأزمة الأخيرة كشفت للغنوشي ومحيطه أنه شخصية ثانوية في المشهد التونسي عكس ما سعى لترويجه في السنوات الماضية، حيث لم تتواصل معه أي شخصية دولية ذات وزن خلال التحركات الأخيرة. كما لم يحصل على أي دعم من رؤساء البرلمانات الأجنبية.

العرب