بوادر خلاف بين الحكومة العراقية والحشد الشعبي بشأن دعوة سوريا لقمّة بغداد الإقليمية

بوادر خلاف بين الحكومة العراقية والحشد الشعبي بشأن دعوة سوريا لقمّة بغداد الإقليمية

قيام الحشد الشعبي بدعوة سوريا لحضور القمة الإقليمية المقرّر عقدها قريبا في بغداد من دون تنسيق مع الخارجية العراقية وضدّ رغبتها يشكّل أوّل عثرة في طريق المناسبة الكبرى التي تعلّق عليها دبلوماسية الرئيسين برهم صالح ومصطفى الكاظمي آمالا كبيرة لتحقيق إنجاز غير مسبوق في عراق ما بعد سنة 2003، إذ لا يبدو واضحا كيف ستتمكّن الحكومة من إنجاح قمّة تتدخّل الميليشيات في تحديد من يحضرها.

بغداد – طفت إلى السطح بوادر خلاف بين الحكومة العراقية والحشد الشعبي المصنّف بشكل صوري هيئة رسمية ضمن مؤسسات الدولة العراقية، بشأن دعوة سوريا لحضور القمّة الإقليمية التي تحتضنها بغداد نهاية الشهر الجاري وتأمل حكومة مصطفى الكاظمي أن تجعل منها إنجازا دبلوماسيا يحسب في رصيدها كخطوة كبيرة باتجاه إعادة العراق إلى سالف مكانته بين دول الإقليم والعالم.

وتغاضت الحكومة العراقية عن دعوة سوريا إلى القمّة نظرا لعدم اعتراف قوى مدعوة إليها من بينها فرنسا بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكنّ هيئة الحشد الشعبي بادرت بتوجيه الدعوة التي حملها إلى دمشق رئيس الهيئة فالح الفياض.

ونفت الحكومة العراقية الاثنين توجيهها دعوة رسمية إلى الأسد لحضور القمة وتبرّأت من أي دعوة قد تكون وجّهت إليه.

واستبعدت مصادر عراقية أن يكون توجيه تلك الدعوة ناتجا عن مجرّد سوء تفاهم أو ضعف في التنسيق بين الحشد والخارجية العراقية، مؤكّدة أنها تمتّ على أساس التحالف الثلاثي القائم بين سوريا وميليشيات الحشد وإيران، ومتوقّعة أنّ الأخيرة على علم مسبق بخطوة الفياض وقد تكون وراء توجيه الدعوة بهدف إحراج حكومة الكاظمي.

واعتبرت ذات المصادر أن ظهور عقدة دعوة الأسد بشكل مبكر يزرع الشكوك في قدرة الحكومة العراقية على إنجاح القمّة في غياب إجماع داخلي على من يحضرها، متوقّعة أن يقوم الحشد في قادم الأيام بتصعيد ضغوطه من منطلق عدم موافقته على حضور قوى إقليمية يصنّفها عدوّة له في مقابل غياب حليفته دمشق.

ولفتت إلى أنّ الحشد لا يمتلك ترف التسليم باستبعاد سوريا من القمّة لأنّ ذلك يعني بالنسبة إليه التسليم بانخراط العراق في عزل نظام بشار الأسد.

وأصدرت وزارة الخارجية بيانا علّقت فيه على ما أوردته وسائل إعلام عربية بشأن تسليم الفياض دعوة للأسد لحضور القمة وذلك خلال لقاء جمعهما الأحد في العاصمة السورية دمشق.

وقالت الوزارة في البيان “تداولت بعض وسائل الإعلام أنباء عن تقديم الحكومة العراقية دعوة للحكومة السورية للمشاركة في اجتماع القمة لدول الجوار والمزمع عقده في نهاية الشهر الجاري في بغداد”.

وأضافت أنها “غير معنية بهذه الدعوة وأن الدعوات الرسمية ترسل برسالة رسمية وباسم رئيس مجلس الوزراء العراقي ولا يحق لأي طرف آخر أن يقدم الدعوة باسمها”.

الحكومة العراقية تنفي توجيهها دعوة رسمية إلى الأسد

ومن الجانب السوري قالت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” إنّ الرئيس الأسد تلقّى رسالة من رئيس الوزراء العراقي تتعلق بمؤتمر دول جوار العراق المزمع عقده ببغداد أواخر أغسطس الجاري.

وذكرت الوكالة أن الرسالة التي نقلها الفياض تطرقت أيضا لأهمية التنسيق السوري – العراقي حول المؤتمر والمواضيع المطروحة على جدول أعماله.

وأضافت أنه تم خلال اللقاء “مناقشة الإجراءات المتخذة لتعزيز التعاون الثنائي المشترك في جميع المجالات وخصوصا في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وضبط أمن الحدود”.

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية وجّه العراق دعوات رسمية لزعماء دول إقليمية بينها تركيا وإيران والسعودية لحضور القمة. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسبوع خلال اتصال هاتفي مع الكاظمي أنه سيشارك في القمة الإقليمية ببغداد.

ويعد العراق ساحة تنافس رئيسية لبعض دول المنطقة وعلى رأسها السعودية وإيران، وانعكس التوتر بين البلدين على مدى الأعوام الماضية سلبا على العراق.

وتسعى حكومة الكاظمي لتقريب وجهات النظر الإقليمية خاصة بشأن القضايا المتعلقة بالعراق والنأي به عن النزاعات في المنطقة وتركيز الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية.

كما ترغب بغداد في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار وفتح أبوابها لدخول الشركات الاستثمارية وخاصة لإقامة مشاريع في المناطق المتضررة من الحرب ضد داعش.

قبول الحشد الشعبي باستبعاد سوريا من قمة بغداد يعني تسليمه بانخراط العراق في عزل نظام بشار الأسد

وعكست فكرة تنظيم هذه المناسبة الكبرى السقف العالي لطموحات الدبلوماسية العراقية الجديدة التي يعمل على إرسائها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وتهدف بحسب تصريحات رسمية متواترة إلى استعادة المكانة الإقليمية والدولية للعراق الذي يشهد منذ ثمانية عشر عاما تراجعات ثابتة على مختلف الأصعدة وفي جميع المجالات.

وأكّد الرئيس العراقي لدى استقباله الاثنين سفير روسيا لدى بغداد على “حاجة المنطقة إلى تفاهمات وحوارات بناءة لتخفيف الاختلالات والتوترات التي تكتنفها”.

وقال إنّ “العراق ينطلق نحو سياسة خارجية تستند على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، حيث أن أمن العراق وسيادته مرتكز لأمن وسلام المنطقة”، بحسب بيان للرئاسة العراقية.

لكن مساعي الكاظمي وصالح تبدو بحسب متابعين للشأن العراقي منفصلة عن واقع الدولة العراقية وما تشهده من ضعف يشمل قدرتها في التحكّم بقرارها وضمان استقلالها عن التأثيرات الخارجية.

ومع استمرار عملية توجيه الدعوات إلى دول المنطقة لحضور المؤتمر، بدأت الأسئلة تتواتر بشأن قدرة بغداد الفعلية على جمع بلدان متناقضة التوجّهات والمصالح وبعضها مشترك في التنافس الحادّ على النفوذ في العراق مثل تركيا وإيران، والبعض الآخر في حالة قطيعة مع أطراف مدعوة للمؤتر مثلما هي حال السعودية وإيران، بينما سوريا ونظامها الحاكم في حالة قطيعة مع المجتمع الدولي. كما تشمل التساؤلات طبيعة القرارات والمخرجات التي سيتمخّض عنها المؤتمر، ومدى إمكانية تنفيذها بشكل عملي.

ومن المنتظر أن يشتمل جدول أعمال مؤتمر دول الجوار الإقليمي للعراق “مناقشة التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها دول المنطقة”.

ومن طموحات دبلوماسية صالح – الكاظمي التقريب بين الغريمتين الكبريين في الإقليم السعودية وإيران والتوسّط لإنهاء القطيعة بينهما.

العرب