يقول صديقي الطيب أوري إن الجيش الإسرائيلي يستعد دوماً للحرب الأخيرة التي انتهت لتوّها. ولكن الجيش ليس وحده من يخطئ في هذا الأمر، بل نحن كلنا. نتحدث عن عالم جديد وقوانين لعب جديدة، نرى مسلسلات تتحدث عن المستقبل المتملص المرتقب، وكل هذا نفعله دون أن ننتبه بأن المستقبل بات هنا منذ زمن بعيد، وأن إسرائيل دولة تعيش الآن في الحرب القادمة.
مثلما في كل حرب، حجم دولة اليهود على الكفة. خريطة المصالح واضحة، واللاعبون في الملعب الآن، والأمر الوحيد الغريب في الصورة هو اللاعب الذي يتعرض للهجوم الذي يجلس على أيديه هو نفسه وعيناه مغمضتان.
يجري أحمد الطيبي كمائن إلى الأماكن المقدسة في أرواحنا. ومثل كل شيء يفعله، يستثمر في ذلك تفكيراً ويحصد نجاحات. قبل سنة ونصف، خرج الطيبي من منزل رئيس الدولة، وقبل أن يدخل إلى سيارته، رفع شارة النصر أمام وسائل الإعلام نحو عائلات ثكلى كانت تتظاهر في الخارج. قبل أسبوعين، في وضع إهانة مخطط له جيداً، أنزل من المنصة ايتمار بن غبير، الذي رفض أن يدعوه “سيدي”. وتوجه الطيبي أول أمس إلى جندي جولاني في الخليل، وعندما دفعه إلى الوراء صرخ: “أيها الوقح، من أنت؟!”.
الطيبي هو الريش الذي في ذيل السهم، ذاك الريش الذي يوجه طيرانه. رأس السهم هو مخربون مجرمون، أبطال عمليات الفتك في 2021، ممن يتجولون في هذه اللحظات أحراراً وسعداء، وكلنا نعرف أن سيبقون هكذا.
هذا المقال أقصر من أن يحتوي مئات الأمثلة، ولكن كل من له عينان في رأسه يرى أن البلاد تشتعل. تشتعل الغابات بنار حقيقية، لن نعرف بالطبع من أشعلها، وتشتعل الشوارع بنار التمرد، التمرد ضد دولة اليهود.
كلنا نتحدث عن مشكلة قدرة الحكم، ولكن الوحيدين الذين فعلوا شيئاً في هذا الشأن هم عرب إسرائيل. فهموا وبسرعة، أن لا رب بيت للبيت اليهودي. بحكمتهم، فهموا أن اليهود سيفعلون كل شيء في العالم لئلا يقاتلوا بعد اليوم؛ سيغمضون عيونهم ويسدون آذانهم، سيستعبدون للتيار الإلكتروني الذي يسكب في آذانهم من أستوديوهات الدعاية.
دولة إسرائيل تدار بلا شرطة. من لا يتفق معي فليراجع ذاكرته متى التقى مؤخراً بعمل لفرض النظام المدني. هذا الجهاز مشغول بقياس بزات جديدة، وبتطوير تطبيقات إلكترونية مفيدة، وبرفع شكاوى مغفلة ضد ضباطه. فضلاً عن هذا – لا شيء. ما كنت لأتهم أعداء الدولة بأنهم اختاروا إشعال أوار النزاع الآن.
لن تحصلوا على المعلومات. فدولة إسرائيل تعيش في الكذب، وقنوات الدعاية تقاتل للإبقاء على الخدعة المذهلة التي لفقوها هم أنفسهم، للادعاء بسلامة دولة هي عملياً في فوضى معربدة. سيجلس المواطن الإسرائيلي كل مساء ليأكل أكاذيبهم، أما المعلومات الحقيقية الوحيدة التي يفترض أن تهمه فلن يطلع عليها أبداً.
نحن اليوم نفوت الحرب الجارية اليوم في شوارع المدن. وينبغي الاعتراف بالواقع لتغيير الميل وتسميته باسمه، ونبدي الاستعداد للعودة إلى القتال بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. انظر إلى الشارع الإسرائيلي بخوف شديد، وأفهم بأننا بعيدون جداً عن هذا وذاك.
بقلم: ارنون ايتيال
نقلا عن القدس العربي