يحمل كل رئيس أميركي على ظهره فضيحة ما. وسريعاً، قد تصبح “أفغانستان غايت” لصيقة عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد ثمانية أشهر تقريباً فقط من توليه الرئاسة رسمياً. فعلى الرغم من نوايا الإدارة الأميركية “الحميدة”، إذا ما اعتبر قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بعد 20 عاماً، هو عين الصواب، واستكمالاً لقرار اتخذته الإدارة السابقة، التي كانت ترغب حتى في استضافة حركة “طالبان” في منتجع كامب ديفيد، فإن صور ومشاهد الفوضى (والموت) التي تتوالى من مطار كابول الدولي، حيث أرسلت الولايات المتحدة 6 آلاف جندي لإجلاء رعايا ودبلوماسيين ومواطنين أفغان، شكلّت لطخة سوداء لانسحابٍ كان يراد له أن يكون مشرفاً.
وبينما لم يجرؤ أي رئيس أميركي سابق منذ بدء الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001 على اتخاذ قرار الانسحاب وتنفيذه كاملاً، يقف بايدن اليوم، في قفص الاتهام، ليس لالتزامه بقرار سلفه فحسب، بل لعدم تأمينه انسحاباً يحفظ ماء الوجه للجنود الأميركيين، ولحلفاء بلاده الذين شاركوا في الحرب، وعدم إعداد إدارته خطة لمواجهة السيناريو الذي حصل فعلاً على الأرض: دخول “طالبان” كابول من دون اتفاق (مع واشنطن والحكومة الأفغانية)، هروب الرئيس الأفغاني أشرف غني، وفشل القوات الأفغانية في حماية البلاد وصدّ “طالبان”. وتتهم إدارة بايدن اليوم بالتقاعس عن حماية مصالح الولايات المتحدة وأفغانستان، فيما كانت مواجهة مثل هذا السيناريو، ستعني البقاء أو تنفيذ ضربات جوية، من شأنها حتى تدمير العاصمة الأفغانية، ليبقى السؤال حول “كبش الفداء” الذي سيقدمه البيت الأبيض لطيّ هذه الصفحة بأقل الأضرار الممكنة.
أكد قادة الكونغرس الديمقراطيون عزمهم الدعوة لجلسات استماع حول أحداث أفغانستان
وإذا ما وضعت انتقادات الحزب الجمهوري لبايدن جانباً، على الرغم من اختلاف قادته في ما بينهم حول ضرورة الانسحاب، فإن حجم حملة الانتقادات وتحميل المسؤولية التي يتعرض لها الرئيس الأميركي، من داخل الحزب الديمقراطي نفسه، تؤكد الورطة التي تحاصره، والتي لم ينفع معها خطابه يوم الإثنين الماضي، للدفاع عن قراره بالانسحاب من أفغانستان، وإلقاء اللوم على الحكومة الأفغانية. هذه الورطة، يعكسها أيضاً انخفاض نسبة التأييد الشعبي لبايدن إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، على الرغم من أن الرأي العام الأميركي كان بأكثريته مؤيداً للانسحاب. وفيما تنتظر الولايات المتحدة انتخابات نصفية للكونغرس خريف 2022، قد تلعب فيها القضية الأفغانية دوراً كبيراً، يحاول الديمقراطيون امتصاص الفضيحة، بالتأكيد على المحاسبة، حيث أكدت وجوه الحزب في الكونغرس أنها ستمضي في استجواب الإدارة حول أسباب التدهور الذي حصل في الأيام الأخيرة.
رصد
أفغانستان تتحول إلى مادة انتخابية في ألمانيا: اتهامات بالفشل الذريع
وأظهر استطلاع لوكالة رويترز/ إبسوس، نشرت نتائجه أمس الأربعاء، تراجع التأييد لبايدن 7 نقاط مئوية، ووصوله إلى أدنى مستوى له حتى الآن، مع انهيار الحكومة الأفغانية وفرار المستشارين العسكريين الأميركيين من كابول. ووجد استطلاع الرأي العام، الذي أجري الإثنين الماضي، أن 46 في المائة من الأميركيين البالغين فقط يوافقون على أداء بايدن في منصبه، في ما يعدّ أدنى مستوى تمّ تسجيله في استطلاعات الرأي الأسبوعية التي بدأت عندما تولى الأخير منصبه في يناير/ كانون الثاني الماضي. وجاءت هذه النسبة منخفضة أيضاً عن نسبة 53 في المائة أبدت تأييدها لبايدن خلال استطلاع مماثل لرويترز/ إبسوس، يوم الجمعة الماضي. لكن غالبية الناخبين، الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء، قالوا إن الفوضى مؤشر على أن الولايات المتحدة كان يجب أن تغادر.
ووجد استطلاع منفصل أجراه معهد “إبسوس”، الإثنين الماضي، أن أقل من نصف الأميركيين أيّدوا الطريقة التي قاد بها بايدن الجهود العسكرية والدبلوماسية الأميركية في أفغانستان هذا العام. وصنّف بايدن، الذي أشاد في شهر يوليو/ تموز الماضي بالقوات الأفغانية باعتبارها “مجهزة بشكل جيّد مثل أي دولة أخرى في العالم”، بأنه أسوأ من الرؤساء الثلاثة الآخرين الذين أشرفوا على أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة.
إلى ذلك، أعرب العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي عن خيبة أملهم إزاء التطورات في أفغانستان، مؤكدين أن جلسات استماع ستعقد في مقر الكونغرس، لمناقشة أخطاء إدارتي الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن. وتركز الهجوم الديمقراطي، من الثلاثي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وجاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة في “الشيوخ”، والسيناتور مارك وارنر، رئيس لجنة شؤون الاستخبارات في المجلس. ولا يختلف الديمقراطيون حول ضرورة الانسحاب، لكن سؤالهم يتمحور حول ما إذا أن انسحاباً مخططاً له منذ وقت طويل، ويحصد دعماً من الحزبين، قد نفّذ بشكل صحيح.
توحد الجمهوريون لانتقاد بايدن، على الرغم من اختلافاتهم
واعتبر مينينديز أن “أحداث الأيام الأخيرة أصبحت ذروة سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية خلال الـ20 عاماً الماضية”، مضيفاً “نحن نرى الآن النتيجة الرهيبة للسنوات من الإخفاقات في المناهج السياسية وإخفاقات الاستخبارات”. وأكد أن لجنته ستجري جلسة استماع حول السياسات الأميركية في أفغانستان، بما في ذلك مفاوضات إدارة ترامب مع “طالبان” وتنفيذ إدارة بايدن لخطة الانسحاب، دون تحديد تاريخ عقد الجلسة. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الشيوخ” إنه “بتنفيذها هذه الخطة المعيبة، أنا مضطرّ إلى القول بخيبة أمل إن إدارة بايدن لم تقيّم بشكل سليم تداعيات انسحاب سريع للقوات الأميركية”.
بدوره، أكد السيناتور مارك وارنر، رئيس لجنة شؤون الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أنه يعتزم العمل مع لجان أخرى “لطرح أسئلة صعبة ولكن ضرورية”، حول أسباب عدم استعداد الولايات المتحدة لمثل هذا التطور في أفغانستان. من جهته، قال جاك ريد إن عوامل عدة خلال السنوات الـ20 الماضية أدت إلى هذه النتيجة، مؤكداً أن لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ “ستجري جلسات استماع حول ما جرى والعبر التي يجب أن نستخلصها من ذلك”.
وعلى المقلب الآخر، وبعدما التزم عدد كبير من قادة الحزب الجمهوري الصمت أو خرجوا بتعليقات مبهمة، عندما أعلن بايدن في إبريل/ نيسان الماضي عزمه الالتزام بقرار ترامب بالانسحاب من أفغانستان، أعاد سقوط كابول بيد “طالبان” والخروج المذل للقوات الأميركية توحيد الحزب الذي أصابه الانقسام بعد خروج ترامب من السلطة. وفيما أكد المعارضون للانسحاب أن بايدن كان عليه أن يتنبأ بالكارثة، ارتد عليه أيضاً الجمهوريون الذين كانوا متحمسين لمغادرة قوات بلادهم هذا البلد. واعتبر السيناتور توم كروز أن ما حصل هو “مشهد محرج، وإهانة دبلوماسية، وكارثة للأمن القومي”. وعلى الرغم من إلقائه اللوم أيضاً على ترامب، و”اتفاقه المريع” مع “طالبان”، حمّل النائب الجمهوري آدم كينزينجر، بايدن، المسؤولية لـ”تنفيذ اتفاق لم يكن عليه الالتزام به أبداً”.
ورأت السيناتورة ليزا مركوفسكي أنه “ستكون هناك بكل تأكيد مراجعات كثيرة لمعرفة السبب الذي أوصلنا إلى هنا”. وقالت السيناتورة ليز تشيني إن “الأمر بدأ مع ترامب، وانتهى باستسلام أميركا، مع تخلي بايدن عن بلد لصالح أعدائنا الإرهابيين”. أما زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، فاعتبر أن المشهد يبدو له و”كأن بايدن لم يستطع تنظيم جنازة تضمّ سيارتين فقط”. وذهب بعض الجمهوريين بعيداً، مثل السيناتور ريك سكوت، الذي تساءل: “هل حان الوقت لتحريك بعض الإجراءات من التعديل 25 (للدستور)؟”، في إشارة إلى إجراءات دستورية لعزل الرئيس.
وفي كل الأحوال، فإنه إذا بقيت هذه القضية تتفاعل بالوتيرة الحالية، يصبح احتمال إطاحة أحد كبار المسؤولين في الإدارة غير مستبعد، لأن الرئيس الأميركي عادة لا يحاسب إلا سياسياً في مثل هذه الحالات. على سبيل المثال، فإن روبرت ماكفرلين، مستشار الرئيس رونالد ريغان استقال (مضطراً) على أثر فضيحة إيران – كونترا، كما جرت إطاحة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في عهد جورج دبليو بوش بسبب ورطة الحرب في العراق. وعلى الرغم من أن فضيحة تنفيذ الانسحاب من أفغانستان ليست حتى الآن من هذه الأصناف، إلا أن المسار قد يتطور في هذا الاتجاه، مع بدء الجهات المعنية الإشارة بالتلميح أو بالتسريب، بإصبع الاتهام إلى بعضها البعض، والحديث عن “خلل” أدى إلى هذه الفضيحة.
العربي الجديد