منذ أكثر من عام ونصف وفيروس كوفيد – 19 يلازمنا. فقد أعاق تقدم المجتمعات، وأدى إلى انكماش اقتصادي حاد، وقتل أكثر من 4.2 مليون شخص. ولكننا ما زلنا لا نعرف أصل الفيروس القاتل لسبب بسيط، وهو أن الصين لا تريدنا أن نعرف ذلك.
إن أول مرة أبلغت فيها الصين عن ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان، كانت بعد مرور أسابيع على اكتشافه الأولي. وليس من المستغرب أن تتصرف الصين بهذا الأسلوب. إذ يفضل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم قمع المعلومات التي قد تصوره بصورة غير لائقة، كما أن ظهور كوفيد – 19 داخل حدود البلاد يناسب بلا شك هذه الصورة. والواقع أن السلطات الصينية ذهبت إلى حد اعتقال المبلغين عن الفساد بتهمة “نشر الشائعات”.
وعندما أخبرت الصين العالم عن كوفيد – 19، كان الأوان قد فات لاحتواء الفيروس. ومع ذلك، لم يتعلم الحزب الشيوعي الصيني الدرس. إن معرفة ما إذا كان فيروس كورونا قد ظهر بصورة طبيعية في الحياة البرية أو تم تسريبه من المختبر أمر ضروري لمنع حدوث جائحة أخرى. ولكن الحزب الشيوعي يبذل كل ما في وسعه لمنع إجراء تحقيق جنائي مستقل في هذه المسألة.
لقد سمح الحزب الشيوعي الصيني بإجراء “تحقيق” واحد يتمثل في إجراء “دراسة مشتركة” مع منظمة الصحة العالمية وبقيادة الصين. ولكن عندما اقترح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مؤخرًا، الانتقال إلى مرحلة ثانية من الدراسة، تُركز على عمليات مراجعة حسابات الأسواق والمختبرات الصينية، خاصة معهد ووهان لعلم الفيروسات، رفضت الصين ذلك. وعندما أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن تحقيق استخباراتي أميركي جديد بشأن أصول كوفيد- 19، أدان قادة الصين “تسييس أمريكا لتعقب الأصول”.
ودون تعاون من الصين، ستكون عملية تحديد أصول كوفيد- 19 شبه مستحيلة. فنحن نعلم أن معهد ووهان للفيروسات لديه سجل معروف من فيروسات الهندسة الوراثية، التي كان بعضها مشابهًا لـسارس-كوف – 2 (الفيروس الذي يسبب كوفيد- 19)، وأنها تعاونت مع الجيش الصيني في مشاريع سرية منذ 2017 على الأقل. ووردت هذه المعلومات في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس دونالد ترامب.
ولكن إثبات تسريب كوفيد- 19 من معهد ووهان للفيروسات- أو عكس ذلك- سيتطلب من وكالات الاستخبارات الأميركية، الوصول إلى المزيد من البيانات المتعلقة بالفيروس منذ المراحل الأولى لتفشيه في ووهان، ولن يسمح الحزب الشيوعي الصيني بذلك. ولا تمتلك المخابرات الأميركية حاليًا شبكة تجسس في الصين من النوع الذي ستحتاجه للتحايل على الحصار الرسمي. (تصدت الصين لهذه العملية قبل عقد من الزمن من خلال تحديد مُخبري وكالة المخابرات المركزية والقضاء عليهم).
وعلى أي حال، اكتسبت الصين منذ ظهور الفيروس متسعا من الوقت للتخلص من أي دليل على إهمالها أو تواطئها. لهذا، يمكنها أن تشكر المؤسسات الإخبارية الأميركية الكبرى، وعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي، والعلماء المؤثرين (الذين أخفى بعضهم تضارب مصالحهم) الذين قضوا معظم فترة انتشار الوباء في تشبيه فرضية تسريب الفيروس من المختبر بنظرية مؤامرة لا أساس لها.
وكان لهذا الموقف، في كثير من الأحيان، دوافع سياسية. إذ اهتم ترامب بتوجيه أصابع الاتهام إلى الصين أكثر بكثير من ابتكار استجابة فعالة للوباء في الولايات المتحدة. لذلك، عندما روج لنظرية التسريب من المختبر، رفضها معارضوه إلى حد كبير معتبرين إياها تلاعبًا آخر من ترامب.
وحتى اليوم، نظرا لاعتبار بايدن التسريب من المختبر واحدا من “سيناريوهين محتملين”، يقاوم العديد من الديمقراطيين هذه الفكرة. وفي نفس الوقت، يتهم الجمهوريون في الكونغرس الديمقراطيين بمساعدة الصين في التستر على أصول الفيروس. إذ أصدر الحزب الجمهوري في الآونة الأخيرة تقريره الخاص، والذي خلص فيه إلى أن معهد ووهان للفيروسات كان يعمل على تعديل فيروسات كورونا ليصيب البشر، وأن كوفيد- 19 قد تم تسريبه عن طريق الخطأ قبل أشهر من إطلاق الصين لناقوس الخطر.
وإذا توصل تقرير المخابرات الأميركية الذي أمر به بايدن إلى نتيجة مماثلة، فقد يدفع العلاقات الصينية الأميركية المشحونة بالفعل إلى نقطة الانهيار. وليس هذا ما تريده إدارة بايدن، كما يتضح من جهود نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، في زيارتها الأخيرة للصين، التي تسعى من خلالها إلى “وضع شروط لإدارة مسؤولة للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين”. ولأن بايدن والرئيس الصيني، شي جين بينغ، يفكران أيضًا في الاجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أكتوبر/تشرين الأول في روما، يبدو أنه من المحتمل، على الأقل، تمديد التحقيق الاستخباري الأميركي إلى ما بعد المهلة الزمنية التي أقصاها 90 يوما.
ولكن عدم الرغبة في استفزاز الصين ليس السبب الوحيد الذي يجعل إدارة بايدن مترددة في متابعة مطالبها بالشفافية. فقد قامت الوكالات الحكومية الأميركية، بما في ذلك المعاهد الوطنية للصحة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بتمويل الأبحاث حول فيروسات كورونا في معهد ووهان للفيروسات من 2014 إلى 2020، عبر تحالف إيكو هيلث ومقره الولايات المتحدة.
ولا تزال التفاصيل غامضة، كما أن المسؤولين الأميركيين اعترفوا بعدم ارتكابهم لأي مخالفات. ولكن الاتهامات التي تقول أن الولايات المتحدة مولت ما يسمى بـ”البحوث المتعلقة باكتساب الوظائف”- أو تغيير التركيب الجيني لمسببات الأمراض لتعزيز حدتها أو نقلها للعدوى- لم يتم إسقاطها بصفة نهائية. بل على العكس من ذلك، ورد في تحقيق “فانيتي فير” ما يلي: “في أحد اجتماعات وزارة الخارجية، أخبر الزملاء الذين كانوا يسعون للمطالبة بالشفافية من الحكومة الصينية … بصراحة عن عدم البحث في بحوث اكتساب الوظائف في معهد ووهان لعلم الفيروسات، لأن ذلك سيلفت انتباها غير مرغوب فيه إلى تمويل الحكومة الأميركية لها”.
وحتى مع تآمر الظروف لإخفاء الحقيقة، لن يختفي هذا السؤال: هل من الممكن أن يكون الوباء، الذي أحدث دمارا على المستوى العالمي، قد نشأ بمحض الصدفة في نفس المدينة حيث تبحث الصين عن طرق لزيادة انتقال فيروسات الخفافيش إلى الخلايا البشرية؟ لقد اعترف مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، قائلا أنه من المؤكد أننا قد لا نعرف على الإطلاق. ولكن لا ينبغي أن تساورنا أي أوهام حول ما يعنيه ذلك. إذ بإخفاقنا في إجراء تحقيق مناسب بشأن الوباء منذ بدايته، ربما قد نكون سمحنا لـلحزب الشيوعي الصيني بالإفلات من العقاب بعد تسببه في ملايين الوفيات.
براهما تشيلاني
الغد