كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية في القاهرة لـ”العربي الجديد” أن الفترة الحالية تشهد نشاطاً أميركياً لإعادة ترتيب الأوراق بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، طلبت من خلالها واشنطن من كل حلفائها بمختلف درجات قربهم من إدارة جو بايدن العمل على تكثيف التنسيق بينهم. وأبدت رفضها لاستمرار الاستقطاب الحاد بين التحالفات المختلفة، على عكس سعي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى استمرار النزاعات البينية بين الدول الخليجية وبعضها ومصر وتركيا، فضلاً عن استمرار الخلافات الحادة بين الحكومات العربية الصديقة لواشنطن والإدارة السابقة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو، ومحاولته استغلال ذلك لزيادة عوائد واشنطن المالية والضغط لتحقيق مصالح “ضيقة”، حسبما يتصور البيت الأبيض حالياً.
وأوضحت المصادر أنه وفقاً لهذه الرؤية فإن بايدن سيوسّع خلال الفترة المقبلة اعتماده على رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت في تنفيذ خطة سلام طويلة الأجل مع الفلسطينيين بمساعدة مصر والأردن وبعض الدول الخليجية، ترتكز على التهدئة في الأراضي المحتلة، وتطوير التنسيق الأمني مع القاهرة بشأن غزة. كذلك يهتم بالتعاون مع الأردن بشأن الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، وتوفير البيئة المناسبة لدعم السلطة الفلسطينية، على أن تتولى مصر مهمة موازية لتأمين الداخل الفلسطيني والاتفاق على شكل إدارة السلطة.
تختلف خطة بايدن عن “صفقة القرن” التي وضع ترامب أسسها
ومقابل هذه التحركات سيحصل بينت على دعم من واشنطن والدول العربية المجاورة لتوفير الأمن للإسرائيليين، بوقف أعمال المقاومة بشرط وقف التصعيد الأمني للاحتلال، والدخول في اتفاقيات طويلة الأمد مع السلطة الفلسطينية على الصعيد الاقتصادي والمرفقي. وكذلك تحقيق نجاح سياسي لبينت بتمكينه من تحقيق خطوات أوسع في سبيل تطبيع العلاقات بشكل فعلي مع دول الجوار العربية، وتنميتها اجتماعياً واقتصادياً، وخصوصاً مع مصر والسعودية.
وبحسب المصادر، فإن هذه الإجراءات التي تمثل مقاربة أخرى لخطة السلام الأميركية التي كانت تحمل عنوان “صفقة القرن” (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، تختلف عما كانت تركز عليه إدارة ترامب في عدة نقاط أساسية، منها تركيز بايدن على الإنجاز السريع للخطة بشكل يمهد لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، والتركيز على مشاريع قصيرة الأمد لإنعاش الأوضاع المعيشية للفلسطينيين ووقف العنف. كذلك يعمل على إدماج مصر والأردن في الاتصالات الجارية بصورة أكبر وأكثر فاعلية من دول الخليج، فضلاً عن عدم الاهتمام بتغيير خريطة القوى الاستراتيجية في المنطقة بتصعيد قوى على حساب مصر.
ورجّحت المصادر أن تكون زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى العاصمة التركية أنقرة، يوم الأربعاء الماضي، ولقاؤه الرئيس رجب طيب أردوغان، بمثابة نتيجة لقلق إماراتي من تقليص نفوذها، وفي سياق البحث عن مسارات للحراك تواكب المحددات الأميركية الجديدة. كما تطمئن هذه الخطوة البيت الأبيض لجهة استعداد الإمارات لفتح صفحة جديدة مع نظام يتعامل معه بايدن بصورة إيجابية ويحظى بثقته في الآونة الأخيرة، وأيضاً تروّج لقدرة هذه الدولة الخليجية على القيام بأدوار إقليمية واسعة بالمقارنة مع مصر والسعودية.
وذكرت المصادر أن زيارة بينت إلى واشنطن التي حُددت يوم الخميس المقبل، بالإضافة إلى زيارته المعلنة المرتقبة إلى القاهرة، تمثلان محطتين مهمتين في الإعداد للخطة الأميركية الجديدة للمنطقة، والتي تسعى مصر من جانبها للمشاركة الفعّالة فيها، وعدم خسارة الثقة التي تضعها مجموعة بايدن في قوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار الماضي. مع العلم أن الإشكاليات عميقة بين الطرفين على صعيد مجالات العلاقات الثنائية وملفات حقوق الإنسان والتسليح واقتصاد الجيش.
وأشارت المصادر إلى أن ملف ترسيم الحدود البحرية بين مصر وفلسطين (قطاع غزة) ودولة الاحتلال يتصدر الأولويات في جدول الأعمال المصرية لدعم العلاقات الثلاثية. وفي السياق، تمّ إحياء المفاوضات في هذا الشأن في أواخر شهر مايو/ أيار الماضي، قبل توقفها. وحالياً تسعى مصر للعمل على حل المشاكل العالقة في هذا الملف، كجزء من حل واسع يسمح باستغلال المقومات الاقتصادية للشعب الفلسطيني وتحسين ظروفه المعيشية، بالتوازي مع إدخال الاحتلال وفلسطين ومصر في شراكة مستدامة بمجال التنقيب عن الغاز الطبيعي ومكامن المواد النيتروجينية. ومن بين تلك المشاكل خلافات فنية مع مصر على العمق المحتسب للمياه المقابلة للجانب الجنوبي من قطاع غزة، نظراً لتداخله مع الحدود المحتسبة من الجانب المصري، وما يتعلق بالجانب الشمالي من القطاع، نظراً لاكتشاف دولة الاحتلال وجود مناطق مبشرة بالتنقيب فيها مقابل الحد الشمالي للقطاع، تجعلها خريطة الحدود الفلسطينية منقسمة بين الطرفين، وترغب دولة الاحتلال في الانفراد بالاستفادة منها.
وذكرت المصادر أن دولة الاحتلال أبلغت مصر استعدادها لترسيم الحدود، شرط إعادة النظر في خريطة الحدود البحرية التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لاعتمادها عام 2019 وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي انضمت إليها فلسطين عام 2012 مباشرة بعد حصولها في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة لها صفة مراقب.
وعدا قضيتي الحدود والطاقة تهتم مصر بملف السياحة الوافدة من دولة الاحتلال، وتسعى إلى تعظيم الاستفادة منها خلال الفترة المقبلة، لتعويض ما قد تتضرّر منه منتجعات البحر الأحمر المصرية، جراء انفتاح السعودية على السياحة الدولية أخيراً. وارتباطاً بذلك أعلن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أخيراً خفض مستوى التهديد الإرهابي في شواطئ سيناء وشرم الشيخ من المستوى الأول إلى الثالث، للمرة الأولى منذ 20 عاماً، وذلك بعد ساعات من لقاء بينت برئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، الذي وجّه له أول دعوة رسمية من نوعها لزيارة مصر.
وعلى الرغم من الشراكة بين الحكومة المصرية وحكومة بنيامين نتنياهو والمستثمرين الإسرائيليين في مشاريع مختلفة داخل مصر، وتعاون الطرفين المتنامي في مجال الطاقة و”منتدى شرق البحر المتوسط للغاز”، لم يتبع السيسي نفس الأمر مع نتنياهو على الإطلاق، بل حدث خلاف حول علانية بعض الزيارات المتبادلة بين الجانبين خلال العام الماضي. وكان نتنياهو يرغب في إجراء زيارة علنية إلى القاهرة، أو شرم الشيخ، لكن السيسي لم يوافق، في خضم التقارب الإماراتي مع الاحتلال.
واشنطن مهتمة بتعزيز الدور المصري في الملف الفلسطيني
وأوضحت المصادر أن تغير الموقف المصري عما كان عليه في نوفمبر الماضي يرجع في الأساس إلى حصول السيسي على تطمينات من إدارة بايدن، مصحوبة بمطالب واضحة في سياق الخطة الجديدة، بعد ما كانت مصر تستخدم ردود الفعل الشعبية الغاضبة على ممارسات دولة الاحتلال وإعلانات التطبيع بهدف إيصال رسالة لدولة الاحتلال، مفادها أن إعلان الاتصالات والزيارات بين الدولتين لن يكون مرحباً به على الصعيد الشعبي، أو على الأقل “ستكون له كلفة عالية”.
وعقد اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياهو في نيويورك عام 2017 خلال مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته وكان علم مصر فقط وراءهما. وفي أغسطس/ آب 2018 نشرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سافر سراً إلى مصر في مايو من العام ذاته والتقى السيسي وتشاركا في مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الطرفين.
وفي يوليو/ تموز 2019 تعمّد نتنياهو أن يعلن عن سابقة عقد “لقاءات” مع السيسي خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بثورة 23 يوليو 1952، ووصفه بـ”الصديق العزيز” وقال: “في لقاءاتي معه فوجئت بحكمته وذكائه وشجاعته، السلام بين إسرائيل ومصر بمثابة حجر الزاوية للاستقرار”.
العربي الجديد