الرهانات الإيرانية الخطيرة

الرهانات الإيرانية الخطيرة

من يقرأ ما ورد على لسان وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبداللهيان في مجلس النواب، الذي ثبّته في موقعه، يكتشف إلى أيّ حد تبدو الرهانات الإيرانية خطيرة. ليست خطيرة على “الجمهورية الإسلامية” فحسب، بل على المنطقة كلّها أيضا، وذلك في ضوء شعور إيران بأنّها حققت انتصارا على أميركا في أفغانستان وأنّ في استطاعتها فرض شروطها عليها.

قد لا يكون الانتصار الإيراني في أفغانستان حقيقيا، خصوصا أن العلاقة بين “الجمهورية الإسلامية” وحركة “طالبان” من النوع المعقّد. لكنّ الأكيد أنّ الإدارة الأميركية كشفت مدى ضعفها من جهة وعجزها عن امتلاك سياسية خارجية واضحة من جهة أخرى.

في ظلّ الفراغ الأميركي، تشعر إيران أنّ في استطاعتها اتباع سياسة أكثر عدوانيّة تتلاءم مع مشروعها التوسّعي. لا يمكن تجاهل أنّه كانت لهذا المشروع انطلاقة جديدة بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003. كان من نتائج هذه الانطلاقة اغتيال رفيق الحريري في لبنان في 14 شباط – فبراير 2005 بغية الوصول إلى الوضع الراهن. يتمثّل الوضع الراهن في تحوّل لبنان مجرد محميّة إيرانية بعدما أصبح مرشّح “حزب الله” ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الأول – أكتوبر 2016.

ركّز وزير الخارجيّة الإيراني الجديد على المضيّ في سياسة قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الذي اغتاله الأميركيون في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020 بعيد خروجه من مطار بغداد آتيا من دمشق. كشفت إدارة دونالد ترامب، باغتيالها سليماني ونائب قائد “الحشد الشعبي” العراقي أبومهدي المهندس أن إيران ليست سوى نمر من ورق وأن ليس في استطاعتها الردّ على ما تفعله أميركا عندما تظهر الأخيرة حزما وتصميما.

على ماذا تقوم سياسة قاسم سليماني التي يبدو أنّ عبداللهيان مصرّ على السير فيها؟ تقوم هذه السياسة بكلّ بساطة على استخدام الميليشيات المذهبية في الترويج للمشروع التوسّعي الإيراني ونشره وفرضه كأمر واقع، إن في العراق أو في سوريا أو لبنان… أو اليمن!

كلّ ما يعنيه كلام وزير الخارجية الإيراني الجديد الذي خلع القناع المبتسم، الذي كان يغطّي وجه سلفه محمد جواد ظريف، أنّ إيران مصمّمة على سياسة عدوانيّة تصبّ في المزيد من التدمير والتخريب للعراق وسوريا ولبنان واليمن. لا أفق لهذه السياسة غير نشر الفوضى التي في أساسها ميليشيات محلّية تعتمد على إثارة الغرائز المذهبيّة، ميليشيات من نوع “الحشد الشعبي” في العراق، ومجموعات مسلّحة ذات مشارب مختلفة في سوريا، و”حزب الله” في لبنان، و”أنصارالله” (الحوثيون) في اليمن.

ماذا تفعل إيران في العراق؟ تحاول إيران تنفيذ انقلاب يقوده “الحشد الشعبي”. يستهدف الانقلاب إثبات أن “الجمهورية الإسلامية” استطاعت نقل تجربة “الحرس الثوري” إلى العراق. ليس ما يضمن تمكّن العراق من الصمود على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بدعم من رئيس الجمهورية برهم صالح. لن يتقرّر مستقبل العراق في ضوء الانتخابات الاشتراعية المفترض إجراؤها في غضون شهرين. سيتقرّر مستقبل العراق في ضوء ما إذا كان الجيش العراقي سيكون القوّة المسلّحة الشرعيّة الوحيدة في البلد… أم أنّه سيبقى رديفا لـ”الحشد الشعبي”، تماما كما الحال في إيران. ليس الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته سوى نتاج المعادلة الإيرانية التي هيمن فيها “الحرس الثوري” على كلّ مفاصل الدولة بإشراف مباشر من “المرشد” علي خامنئي.

مطلوب استسلام العراق لإيران. ما ينطبق على العراق، ينطبق أيضا على سوريا ولبنان واليمن حيث المطلوب قيام كيان سياسي في الشمال اليمني يكون مجرّد جرم يدور في فلك إيران. مطلوب أن يكون الكيان الحوثي دولة قابلة للحياة وقاعدة صواريخ إيرانية في الوقت ذاته. صواريخ موجّهة نحو المملكة العربية السعودية وكلّ دولة من دول الخليج العربي.

كلّ ما يعنيه كلام وزير الخارجية الإيراني الجديد الذي خلع القناع المبتسم الذي كان يغطّي وجه سلفه، أنّ إيران مصمّمة على سياسة عدوانية تصب في المزيد من التدمير للعراق وسوريا ولبنان واليمن

لا واقعية للمشروع التوسعي الإيراني. يمكن لهذا المشروع أن يخلّف خرابا ودمارا، لكنّه لا يستطيع أن يوفّر أي إيجابية على أي صعيد. هذا ما أثبتته تجربة “حزب الله” في لبنان. حسنا، هناك رئيس ماروني للجمهورية في بلد يحكمه عمليا “حزب الله”. أخذت هذه المعادلة لبنان إلى تحوّله دولة فاشلة لا أكثر ولا أقل. لم يعد من طموح لأي لبناني سوى الهجرة، أقلّه من أجل المحافظة على مستقبل أولاده.

عاجلا أم آجلا، سيتبيّن أنّ كلّ ما تقوم به إيران يصبّ في مشروع عبثي سيرتدّ عليها. من يستثمر في الميليشيات المذهبيّة وفي الطريق الذي سلكه قاسم سليماني هو العبث بحدّ ذاته حتّى لو استسلمت الإدارة الأميركية للشروط الإيرانية. الأكيد أن مثل هذا الاستسلام ليس خيارا أميركيا. يعود ذلك إلى أنّه إذا كانت إدارة جو بايدن تريد تفادي السقوط الباكر وتفادي سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس في انتخابات خريف 2022، ليس أمام هذه الإدارة سوى الإقدام على خطوة ما. ليس أمامها سوى التصدّي على الأرض للمشروع التوسعي الإيراني بدءا بالعراق.

من هذا المنطلق، يبدو استعادة العراق لتوازنه داخليا وإقليميا أمرا في غاية الأهمّية. لا يمكن تجاهل أن الخلل على الصعيد الإقليمي، إنّما تسببت به إدارة جورج بوش الابن التي لم تدرك في العام 2003 أن تسليم العراق لإيران بمثابة زلزال ستبقى تردداته تتفاعل في المنطقة لسنوات طويلة.

صحيح أن المشهد الأفغاني لا يشجّع على كثير من التفاؤل، لكنّ الصحيح أيضا أنّ لا أفق سياسيا أو اقتصاديا أو حضاريا للمشروع الإيراني الذي لا توجد مقومات لاستمراره إلى ما لا نهاية. فالفشل الإيراني كان، منذ العام 1979، اقتصاديا قبل أيّ شيء آخر. أمّا الصين التي تراهن عليها إيران حاليّا، فهي ليست جمعيّة خيرية ولديها حساباتها التي لا تتفق بالضرورة مع حسابات النظام الإيراني بحلته الجديدة التي صار أمير حسن عبداللهيان إحدى واجهاتها… بصفة كونه أحد قيادي “الحرس الثوري” ليس إلاّ.

العرب