ورقة اللاجئين الأفغان تؤرق تركيا وإيران

ورقة اللاجئين الأفغان تؤرق تركيا وإيران

عكست التطورات الأمنية المتسارعة في أفغانستان مخاوف حقيقية وكبيرة لدى تركيا وإيران اللتين تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في البلد الغارق في الفوضى لتجنب تداعيات تلك التطورات، إلا أن تدفق أعداد هائلة من اللاجئين فرض معادلات على البلدين الرئيسيين في المنطقة بالتعامل بحذر شديد مع الملف الأفغاني، خاصة أنهما لا يرغبان في تفاقم أزماتهما الداخلية الاقتصادية عبر موجات بشرية كبيرة من الهاربين من جحيم طالبان.

كابول- تسعى كلّ من تركيا وإيران، وهما الدولتان الرئيستان في المنطقة، إلى منع تدفق أعداد هائلة من اللاجئين الأفغان إلى بلديهما، في ظل تدهور أوضاعهما الاقتصادية جراء تداعيات أزمة الوباء والضغوط الداخلية والخارجية المشتركة بينهما.

وتشترك تركيا وإيران وبلدان مجاورة أخرى لأفغانستان نفس القلق والمخاوف من تدفق حشود من الأفغان إلى حدودهما على الرغم من المساعي لتعزيز النفوذ في البلد الآسيوي الغارق في الفوضى. ويخشى الأفغان من تكرار حركة طالبان التي سيطرت بشكل كامل على البلاد سياستها المتشددة في الحكم.

وتقول القوى الغربية إنها ستحكم على الحركة المتشددة التي سيطرت في الخامس عشر من أغسطس الجاري على كابول من “خلال الأفعال وليس الأقوال”، وهناك شكوك كثيرة تحوم حول الجماعة بشأن سياستها المستقبلية في ظل التعقيدات الداخلية المتعددة على أكثر من جانب.

ويمثل ملف اللاجئين الأفغان أبرز التحديات أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، الذي بدأ مهمته مع تصاعد العنف في الجار الأفغاني ووصول حركة طالبان إلى السلطة.

وتحاول كلّ من أنقرة وطهران استخدام ورقة اللاجئين الأفغان كورقة ضغط في علاقاتهما الخارجية مع القوى الغربية، لكنها أيضا معضلة تؤرقهما في ظل الأوضاع الداخلية الاقتصادية الصعبة بفعل تداعيات الإغلاق بسبب وباء كورونا، والعقوبات المفروضة على كلا النظامين بسبب خلافهما السابق المشترك مع الولايات المتحدة والعلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي.

واستغل أردوغان ورقة اللاجئين مرارا في ممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبي. ويتوقع أن يعيد تكرار الأمر نفسه في ظل حديثه عن احتضان بلاده نحو ثلاثمئة ألف أفغاني فروا من بلادهم. كما عملت طهران على استخدام نفس الورقة في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة.

لكن التطورات الأمنية والسياسية المتسارعة في أفغانستان دفعت كلاّ من تركيا وإيران بالإضافة إلى بلدان أخرى مجاورة إلى تغيير سياستها بشأن التعامل مع الأفغان، في ضوء التخلي السريع للولايات المتحدة عن البلد الذي غزته قبل نحو عشرين عاما.

وعلى الرغم من حديث الرئيس التركي عن العمل مع القوى الغربية لإيجاد حل لأزمة اللاجئين الأفغان، التي تفاقمت في أعقاب سيطرة طالبان على السلطة، إلا أن بلده سارع بشكل كبير إلى استكمال بناء جدار عازل على طول الحدود الإيرانية لمنع تدفق اللاجئين من أفغانستان.

كما عملت طهران على إعادة المواطنين الأفغان الفارين من بطش طالبان إلى بلدهم، عوضا عن إقامة مخيمات لجوء على حدودها الطويلة مع أفغانستان.

تقول الأمم المتحدة في تقرير جديد نشر بعد سيطرة طالبان على كابول إن أكثر من 18 مليون أفغاني بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في أفغانستان البالغ عدد سكانها أكثر من 38 مليون نسمة حسب إحصاء عام 2019.

وحذرت المنظمة الدولية من كارثة إنسانية مع نزوح نحو 550 ألف شخص هذا العام، ومعاناة نحو 14 مليون شخص من الجوع. ودعت البلدان المجاورة لأفغانستان إلى إبقاء حدودها مفتوحة في ضوء الأزمة المتصاعدة في البلد الآسيوي.

وواجه الأفغان الذين تمكنوا من القيام برحلة تستغرق أسابيع عبر إيران سيرا على الأقدام إلى الحدود التركية جدارا عازلا ارتفاعه ثلاثة أمتار أو خنادق أو أسلاكا شائكة، في الوقت الذي تكثف فيه أنقرة جهودها لمنع أي تدفق للاجئين.

كما خططت طهران لإنشاء مخيمات في المدن الحدودية لاستيعاب اللاجئين، إلا أنها عدلت عن قرارها خوفا من تفاقم الأزمة مع احتمال تدفق أعداد هائلة من الأفغان.

وتعيش كابول أزمة إنسانية صعبة أخرى في ظل تدفق الآلاف من الأفغان والأجانب المذعورين على مطار العاصمة الوحيد، على أمل اللحاق بطائرات الإجلاء قبل استكمال المهمة الأميركية نهاية الشهر الجاري.

وفعل الأفغان ذلك خشية الانتقام منهم والعودة إلى تفسير متشدد للشريعة الإسلامية طبقته حركة طالبان عندما سيطرت على السلطة بين عامي 1996 و2001.

وينظر إلى الإجراءات المتخذة في كلّ من تركيا وإيران على أنها تستبق أي حشود هائلة للأفغان في حال انسداد أمر الخروج الآمن من مطار كابول، بالإضافة إلى تعكّر الوضع الأمني واندلاع معارك جديدة في إطار الصراع على السلطة بين طالبان والفرقاء السياسيين الآخرين الذين لا يبدو أنهم سيقبلون بتغيير نفوذهم في المرحلة المقبلة.

عكست الإجراءات الأمنية في كلّ من تركيا وإيران مخاوفهما المشتركة من تدفق أعداد هائلة للاجئين الأفغان الفارين من بلدهم. وعززت أنقرة من إجراءاتها منذ بداية تقدم حركة طالبان في أفغانستان وسيطرتها على كابول.

وتقول أسلي آيدينتاسباس المحللة في مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إن “الوضع في أفغانستان يطرح خطرا كبيرا على تركيا، بالإضافة إلى إيران التي ستخسر إذا عادت طالبان إلى انتهاج أساليبها القديمة وتؤمّن ملاذا آمنا” للمتطرفين الإسلاميين.

وتضيف أن “الملف الأكثر إلحاحا” بالنسبة إلى أردوغان هو التدفق المحتمل للاجئين من أفغانستان في الوقت الذي تتزايد فيه الاضطرابات في تركيا بسبب وجود اللاجئين السوريين في البلاد منذ عام 2011، مشيرة إلى أن الدول المجاورة “ليست لديها فكرة عمّا ستكون عليه طالبان الآن”.

ولا تريد أنقرة تكرار نفس التجربة خاصة أنها تستضيف نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، وأثار هذا الأمر موجة انتقادات وأزمات داخلية متعددة. وقد تشهد كلّ من إيران وتركيا تدفقا كبيرا للاجئين يعبر العديد منهم من إيران إلى تركيا على أمل الوصول إلى أوروبا.

وأثّر وباء كوفيد – 19 على إيران بشدة ما فاقم الأزمة في البلد الخاضع للعقوبات، في حين تلاشى النمو الاقتصادي الذي كان دائما الحافز وراء شعبية أردوغان في تركيا.

وقال محمد أمين بيلمز حاكم إقليم فان الحدودي الشرقي في تركيا في مطلع الأسبوع “نريد أن نظهر للعالم كله أنه لا يمكن تجاوز حدودنا. وأكبر آمالنا هو عدم حدوث موجة مهاجرين من أفغانستان”.

وتركيا ليست الدولة الوحيدة التي تضع حواجز، فقد أكملت جارتها اليونان للتو سياجا بطول 40 كيلومترا ونظام مراقبة لمنع المهاجرين الذين ما زالوا قادرين على دخول تركيا ومحاولة الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

وتقول السلطات إنه يوجد 182 ألف مهاجر أفغاني مسجلين في تركيا وما يصل إلى 120 ألف مهاجر غير مسجلين. وحث أردوغان الدول الأوروبية على تحمل مسؤولية أي تدفق جديد، محذرا من أن تركيا لا تنوي أن تصبح “وحدة تخزين المهاجرين في أوروبا”.

ويصل عدد المهاجرين الأفغان المخالفين المحتجزين في تركيا حتى الآن هذا العام إلى أقل من خمس عدد المحتجزين في 2019، ويقول مسؤولون إنهم لم يروا بعد مؤشرات على حدوث زيادة كبيرة في أعدادهم على الرغم من أن المسافات الطويلة تعني أن وصول لاجئين قد يستغرق أسابيع.

وتصطف قواعد وأبراج مراقبة على الجانب التركي من الحدود الجبلية مع إيران. وتتولى سيارات دورية على مدار الساعة مراقبة الحركة على الجانب الإيراني والذي يحاول منه عادة مهاجرون ومهربون ومسلحون أكراد العبور إلى تركيا.

وتقول قوات الأمن إنه تتم إعادة المهاجرين الذين يتم رصدهم وهم يعبرون الحدود إلى الجانب الإيراني رغم أن معظمهم يعودون ويحاولون مرة أخرى. ويوضح حاكم إقليم فان الحدودي، “بغض النظر عن عدد الإجراءات رفيعة المستوى التي يتم اتخاذها فقد يكون هناك من يفلت منها من وقت إلى آخر”.

أما في إيران فإنها تستضيف ما يقرب من ثلاثة ملايين أفغاني منهم 800 ألف فقط مسجلون رسميا. وبحسب لجنة حماية حقوق اللاجئين من النساء والأطفال في إيران، فإن هناك 950 ألف لاجئ أفغاني يحملون تصاريح إقامة، بالإضافة إلى أكثر من 1.5 مليون مواطن أفغاني يقيمون بشكل غير قانوني.

وفي السادس من أغسطس الجاري، أعلنت إيران إغلاق معبر “ميلك” الحدودي في سيستان وبلوشستان جنوب شرقي البلاد بسبب تصاعد حدة الصراعات في أفغانستان.

وقال اللواء حسن سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني في بيان في الثالث عشر من أغسطس الجاري، “إن الحدود المفتوحة مع أفغانستان آمنة تماما ولا توجد بها أي مشكلات، وإن قوات الأمن اتخذت كافة التدابير اللازمة ومستعدة بشكل جيد ولا يوجد ما يدعو للقلق”.

وفي أعقاب سيطرة طالبان على كابول فرّ بعض الأفغان إلى إيران، إلا أن قوات الأمن لم تسمح لهم بالدخول. ورغم إعلان الإدارة الإيرانية عزمها إقامة مخيمات مؤقتة بثلاث محافظات لاستيعاب موجات الهجرة في الأيام الأولى للاشتباكات في أفغانستان، إلا أنها عدلت عن قرارها لقلقها من أن يؤدي ذلك إلى المزيد من موجات الهجرة نحوها.

وصرح حسين قاسمي، مدير عام شؤون الحدود بوزارة الداخلية الإيرانية في بيان له في الخامس عشر من أغسطس، بأن إيران تخطط لتوفير مأوى مؤقت للمهاجرين على الحدود الإيرانية وإعادتهم إلى بلادهم بعد تحسن الأوضاع. ثم عاد قاسمي ليعدل تصريحاته السابقة ويقول “إن القوات الأمنية المتمركزة على الحدود الأفغانية لديها تعليمات بمنع من يحاول دخول إيران”.

وعلى مدار سنوات لجأ الملايين من الأفغان إلى إيران بسبب الحرب التي بدأت بغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1979 والحروب الأهلية التي تلتها، ويعيش اللاجئون في إيران حياة صعبة، ويقومون بأعمال شاقة لكسب رزقهم.

وبعد الأزمة الاقتصادية عام 2018، وفرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على إيران، عاد الكثير من اللاجئين الأفغان إلى بلدهم. ووفقا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر في ديسمبر عام 2018، غادر أكثر من 700 ألف لاجئ أفغاني في الفترة من يناير إلى ديسمبر من العام نفسه.

وغادر الكثير من اللاجئين الأفغان إلى بلدهم في هذه الفترة بسبب خسارتهم نتيجة الزيادة الهائلة في أسعار الصرف في إيران، أما عام 2020 فلم يعد سوى 947 لاجئا فقط بسبب تصاعد الاشتباكات والمخاوف الأمنية في أفغانستان. وتحاول إيران من حين إلى آخر استخدام اللاجئين الأفغان المقيمين بها منذ 42 عاما كورقة ضغط وتهديد في التفاوض مع أوروبا.

أنقرة تستغل ورقة اللاجئين لممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبي، وطهران ستعمل الأمر نفسه في مفاوضاتها مع واشنطن

وفي مايو 2019 عندما اشتدت وطأة العقوبات الأميركية على إيران، أعلن نائب وزير الخارجية عباس آراقتشي، أنه “من الممكن أن تطالب إيران اللاجئين الأفغان بمغادرة البلاد في حالة مواصلة واشنطن هذه الضغوط الاقتصادية. وأن هؤلاء اللاجئين يمكنهم التوجه إلى أوروبا، إذا ما وصلت إيران إلى مرحلة لا يمكن فيها أن تستمر في مواجهة النفقات”.

ونظرا لعدم وجود قانون للاجئين في إيران، يعيش الأفغان محرومين من التمتع بالعديد من حقوقهم الأساسية، ورغم أن إيران تستضيف أفغانا منذ سنوات عدة إلا أنها ترفض منحهم الجنسية. والكثير من اللاجئين الأفغان يعيشون في إيران بشكل غير قانوني لأنه لا يمكنهم الحصول على تصريح إقامة.

ونشرت عدة منظمات دولية لحقوق الإنسان تقارير تتهم فيها إيران بإرسال اللاجئين الأفغان إلى مناطق الصراع في سوريا مقابل منحهم تصاريح الإقامة والجنسية.

العرب