مع استفحال أزمة الجفاف والتصحر العاصفة بالعراق وغيره من دول المنطقة، تشير أحدث التقارير التي تصدرها منظمات الإغاثة الدولية المعنية، إلى أن أكثر من 12 مليون نسمة في كل من العراق وسوريا، لا يملكون القدرة على الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء، داعية لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أزمة المياه الحادة.
وفي آخرها ما أصدره المجلس النرويجي للاجئين، الذي حذر من تفاقم الكارثة مع ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مستويات الأمطار والجفاف في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي لحرمان الأهالي من مياه الشرب ومياه الري، ولعرقلة عمليات توليد الكهرباء نتيجة شح ونفاذ مياه السدود، وهذا يؤثر بدوره على عمل المرافق العامة الأساسية، بما في ذلك قطاع الخدمات الصحية.
ويشير التقرير إلى أن أكثر من 7 ملايين مواطن في العراق مهددون جراء فقدان الوصول لمياه الفرات بالإضافة إلى الجفاف، الذي يعرض مئات الكيلومترات من الأراضي الزراعية لخطر الجفاف التام.
ويؤكد التقرير أن المياه المغذية لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومصائد الأسماك ومنشآت توليد الطاقة ومصادر مياه الشرب قد جفت في العراق، ومن المتوقع أن إنتاج القمح سينخفض بنسبة 17 بالمئة في محافظة نينوى نتيجة للجفاف، أما في إقليم كردستان العراق فمن المتوقع أن ينخفض الإنتاج بمقدار النصف.
وتعكس هذه الأرقام المفزعة، فداحة الأزمة التي تعصف بالعراق جراء الجفاف والتصحر وتراجع منسوب المياه الجوفية، وتراجع القطاعات الزراعية والانتاجية الأخرى المترابطة، بما يهدد الأمن الغذائي والمائي للبلاد .
يخسرون كل شيء
ويقول المزارع العراقي حسن عارف، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” :”مع الجفاف وشح المياه الحاد، وارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وغيرها من مستلزمات زراعية، ومع ركود الأسواق جراء الأزمات الصحية والاقتصادية، فإن ما نصرفه من أموال على مزروعاتنا يذهب سدى، كوننا لا نستفيد شيئا وفقط بل ونخسر ماديا أيضا، ناهيك عن خسارة جهودنا وتعبنا”.
وللوقوف على مخاطر هذه الأزمة المركبة، التي تهدد بكوارث تطال لقمة عيش العراقيين وشربة مائهم، يقول رمضان حمزة كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية، وعضو هيئة التدريس بجامعة دهوك العراقية، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية” :”يعاني العراق أزمة جفاف حادة، حيث تواجه المنطقة بأكملها ظروفا مناخية جافة بشكل غير طبيعي”.
وتابع حمزة: “وأكثر من 50 بالمئة منها تعاني بالفعل من جفاف شديد، فالعديد من الأنهار تشهد ندرة المياه ونفوق الأسماك وهبوط مناسيب الآبار المائية”.
ويضيف “ثمة العديد من الطرق لقياس الجفاف، ولكن جميع المؤشرات في العراق تروي لنا قصص كئيبة، فهطول الأمطار أقل من نصف المعدل الطبيعي تقريبا، وخزانات السدود على نهري دجلة والفرات تدنت مستوياتها بشكل قياسي، فمثلا مستويات التخزين في أكبر خزانين طبيعيين وهما الثرثار والحبانية هي بحدود 40 بالمئة، وهي أقل بكثير من المعدل الطبيعي لهذا الوقت من العام، وعيون وينابع كانت مصدر مياه شرب وزراعة للكثير من القرى والأرياف، لم تعد كما كانت في السنوات السابقة”.
ويتابع: “آثار الجفاف وظروفه القاسية التي تجتاح العراق الآن لها عواقب وخيمة على الناس والبيئة والطبيعة، فالمجتمعات الصغيرة والريفية، وكثير منها لديها نسبة أكبر من الأسر ذات الدخل المنخفض، غالبا ما يشعرون بأسوأ الآثار”.
ويضيف حمزة “تتعرض النظم البيئية للمياه العذبة لخطر جسيم من تدفقات المياه المنخفضة من دول الجوار المائي للعراق، تركيا وإيران، وارتفاع درجات الحرارة، وتتفاقم مشاكل جودة المياه بسبب زيادة تركيز الأملاح والملوثات وانخفاض مستويات الأكسجين، كما ويؤدي نقص المياه السطحية للزراعة إلى مزيد من ضخ المياه الجوفية، ويؤدي استمرار السحب على المكشوف إلى هبوط الأرض، وتجفيف الآبار المائية، والاخلال بتخزين ونسب المياه الجوفية”.
وعن سبل تغلب المزارعين العراقيين على مشكلات الجفاف، يقول حمزة: “لمواجهة نقص المياه، يتعين على المزارعين البحث عن إمدادات وممارسات بديلة، مثل تغيير أنواع المحاصيل المزروعة، وتركيب أنظمة ري فعالة، مع توسع الجهود المبذولة لتنفيذ الإدارة المستدامة للمياه”.
ويردف: “لا بد من إستجابات مناسبة وفعالة لمكافحة الجفاف، لجهة تطوير كفاءة استخدامات المياه في المناطق الحضرية والزراعية، والتوسع في مصادر المياه غير التقليدية مثل حصاد المياه ومياه الأمطار والمياه المعاد تدويرها، والتغيرات الطوعية في السلوك الاستهلاكي، فكل ذلك يمكن أن يساعد في التقليل من حدة هذا الجفاف”.
ويستطرد: “حان الوقت لتتبنى الحكومة العراقية ترجمة خطط الأمن المائي لإجراءات ملموسة، ويجب أن تتوافق هذه الخطط مع الموارد المناسبة، وتوفير التمويل المستدام لمشاريع الري والمياه، وتأسيس الأطر التنظيمية الفعالة غير التقليدية ، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الأمن المائي من أجل التنمية المستدامة، لأن الهياكل الإدارية الحالية لكل من أنظمة مياه الشرب والري تتميز بضعف الإدارة وقوانين المياه غير المتسقة”.
التراجع الرهيب بالموارد
ويكمل الأستاذ في جامعة دهوك: “الميزان المائي في العراق اختل كثيرا، بمرور الوقت بحيث تحول العراق كدولة تتميز بالوفرة المائية، لدولة تعاني من شبح العطش، فهو لأواخر السبعينيات كان في حالة الفائض المائي، حينما كان حجم الموارد المائية أكبر من حجم الاحتياجات المائية لكافة القطاعات في العراق، وبعدها تحول لحالة التوازن المائي في الثمانينيات ولنهاية عام 2000، حيث كان يتعادل الطلب على المياه مع المتوفر منها”.
وأصبح العراق يعاني من حالة العجز المائي، حينما أصبحت موارده المائية أقل وبكثير من المطلوب لتلبية الاحتياجات اللازمة للزراعة والقطاعات الأخرى، وفق الأكاديمي العراقي.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز