في الوقت الذي تسعى فيه حركة “طالبان” إلى تشكيل هيكل جديد للحكم في أفغانستان، يعتقد محللون أن جارتها باكستان سيكون لديها مجموعة مختلطة من المزايا والتحديات في ظل النظام القادم في البلاد التي مزقتها الحرب.
كما حذر المحللون من أن الأمور لا يمكن أن تجري بالسلاسة التي تتوقعها إسلام أباد من حكومة “صديقة” في كابل، حيث أن “أيديولوجية القرون الوسطى” لطالبان قد تتحول إلى “مأزق”، ليس فقط لباكستان ولكن لدول المنطقة أيضًا.
حكومة غير معادية
وفي حديثه للأناضول، قال الجنرال المتقاعد طلعت مسعود، المقيم في إسلام أباد، إن “الميزة الأولى والأهم لباكستان، أنه وبعد عقود من الزمن، سيكون لها حكومة غير معادية لها في كابل، وهذا يمثل بالفعل ارتياحاً كبيراً لها”.
وتوقع مسعود، تراجعا كبيرًا في الأنشطة المناهضة لباكستان التي يُعتقد أنها كانت تنفذ من الأراضي الأفغانية خلال الأنظمة السابقة.
فطالما اتهمت باكستان “شبكة” من وكالات المخابرات الهندية والأفغانية برعاية الجماعات المتورطة في هجمات عابرة للحدود على قواتها الأمنية. لكن الحكومة الأفغانية السابقة نفت ذلك، واتهمت باكستان برعاية طالبان.
وأضاف مسعود، الذي خدم في الجيش الباكستاني (1952 – 1990)، أن هناك ميزة إيجابية أخرى لباكستان من خلال فرض رقابة صارمة على الحدود.
وأوضح أنه “بالنظر إلى الانضباط الصارم داخل صفوف طالبان، فمن المحتمل بشكل كبير أن تتراجع أنشطة المخدرات والتهريب عبر الحدود الأفغانية”.
هدية طالبان
ويرى العميد المتقاعد محمود شاه، الخبير في الشؤون الأفغانية، أن انتهاء الحرب في المنطقة الحدث الأساسي للاحتفال في إسلام أباد.
وقال شاه، للأناضول، إن “انتهاء الحرب في أفغانستان أكبر ميزة لباكستان، حيث نقلت هذه الحرب الإرهاب إليها”.
وشدد على أن “السلام في أفغانستان يعني السلام في باكستان”.
وأضاف “التراجع الكبير للنفوذ الهندي في كابل، بعد استيلاء طالبان على السلطة، يُعد هدية أخرى لإسلام أباد”.
وتابع “هناك ما يقرب من 3 مليارات دولار من الاستثمارات الهندية في خطر واضح. وهذا لا يعني أن أبواب أفغانستان أصبحت مغلقة في وجه نيودلهي، لكنها بالتأكيد لن تتمتع بالقدرة على العمل كما فعلت خلال النظام السابق”.
طريق الحرير
رغم أن إسلام أباد تؤكد أنه ليس لديها مصالح في أفغانستان، إلا أن تأثيرها على طالبان يُنظر إليه على أنه حاسم.
حيث نظمت باكستان محادثات مباشرة نادرة بين واشنطن وطالبان في ديسمبر/ كانون الأول 2018، والتي أدت إلى “اتفاق الدوحة” للسلام في فبراير/ شباط 2020، وبناء عليه تم انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية.
كما سهّلت إسلام أباد أيضًا الجولة التاريخية الأولى من المحادثات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان في باكستان في يوليو/ تموز 2015.
لكن العملية انهارت بعد ظهور أنباء عن وفاة زعيم طالبان الملا عمر، ما أدى إلى اندلاع صراع داخلي مرير على السلطة.
وكثف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في أغسطس/ آب 2019، جهوده لاستئناف العملية المتوقفة منذ فترة طويلة، وسعى للحصول على مساعدة باكستان لإنهاء أطول حرب لواشنطن في التاريخ الحديث.
ويرى اشتياق أحمد، الخبير في الشؤون الدولية، أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، وهو مشروع رئيسي في مبادرة الحزام والطريق الصينية، يمكن توسيعه ليشمل أفغانستان.
وفي حديث للأناضول، قال أحمد، إن كُلاً من بكين وإسلام أباد ترغبان في ضم كابول إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
يهدف مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الضخم الذي تبلغ تكلفته 64 مليار دولار إلى ربط مقاطعة “شينشيانغ” الصينية ذات الأهمية الاستراتيجية شمال غربي البلاد بميناء “غوادار” الباكستاني، من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز.
اختلافات أيديولوجية
ويرى المحللون أنه رغم وجود درجة من النفوذ الباكستاني على “طالبان”، فقد تكون هناك بعض الاختلافات المريرة بين طالبان ودول المنطقة، ومنها باكستان، وعلى رأسها أيديولوجية طالبان.
يعتقد مسعود، أنه رغم أن باكستان سيكون لديها حكومة صديقة في كابل، إلا أنها ستكون في نفس الوقت حكومة من “القرون الوسطى وغير ديمقراطية”.
وقال إن “أيديولوجية طالبان لا يمكن أن تكون مقبولة لدولة مثل باكستان”.
وحذر من أن “الأيديولوجية يمكن أن تؤثر مرة أخرى على المناطق الحدودية لباكستان كما فعلت خلال حكمهم الأول في أفغانستان (1996 -2001) وما بعده”.
ولطالما كان الحزام القَبَلي في الشمال الغربي لباكستان، المتاخم لأفغانستان، مرتعاً للجماعات المتشددة المستوحاة من حركة طالبان الأفغانية، ما أجبر الجيش الباكستاني على شن هجوم واسع النطاق في منطقة وزيرستان الشمالية في 2014.
منذ ذلك الحين، أكدت تقارير أن المسلحين الموالين لحركة طالبان باكستان، المنظمة الأم للعديد من الجماعات المسلحة في باكستان، انتقلوا إلى أفغانستان.
ولفت مسعود، إلى أن “العمل ضد أعضاء حركة طالبان باكستان العاملين من أفغانستان سيكون الاختبار الحاسم لطالبان، بالنظر إلى حقيقة أنهم تعهدوا بالولاء للمرشد الأعلى المؤسس للحركة الملا عمر”.
وأضاف “من الناحية الأيديولوجية، لا يوجد فرق كبير بين الحركتين، ومع ذلك، فإن حركة طالبان الأفغانية لم تدعم أبدًا، على الأقل علنًا، هجمات حركة طالبان باكستان على قوات الأمن الباكستانية والمدنيين”.
لكن يرى مسعود، أن تسليم الأشخاص الذين يعتبرون حلفاءهم الأيديولوجيين إلى باكستان، لن يكون سهلاً على طالبان.
وقال: “لقد تعلمت طالبان الكثير، إنهم يعلمون أنهم في عزلة، ولا يمكنهم تحمل استمرارها، كما أنهم لا يستطيعون تحمل خسارة داعم مثل باكستان”.
واستطرد “إذا فشلت طالبان في اتخاذ إجراءات ضد حركة طالبان باكستان، من المؤكد أن ذلك سيزعج إسلام أباد، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة بين الجانبين”.
تحديات دول الجوار
ويؤكد أحمد، أنه بعد تشكيل الحكومة سيكون التحدي الرئيسي لباكستان ودول المنطقة الأخرى، وخاصة روسيا والصين وإيران، ضمان امتثال طالبان الصارم لالتزاماتها بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين، بالإضافة إلى الوعود المتعلقة بحقوق المرأة والأقليات، وحرية التعبير والعلاقات مع العالم.
وبحسب العميد شاه، الذي شغل منصب رئيس الأمن في باكستان على طول الحزام القبلي مع أفغانستان (2002 – 2005)، فإن “طالبان قادرة تمامًا على اتخاذ إجراءات ضد حركة طالبان باكستان”.
وقال شاه، في إشارة خفية إلى نيودلهي، “حتى إذا لم تتخذ طالبان أي إجراء، فلن تشكل حركة طالبان باكستان تهديدًا محتملاً لباكستان بعد الآن، بسبب توقف تمويلها ودعمها اللوجستي”.
وأوضح أن “باكستان لا تعتمد بالكامل على طالبان، فقد اتخذت بنفسها عدة خطوات في الماضي القريب، بما في ذلك تسييج الحدود مع أفغانستان، لاحتواء الحركة غير الشرعية عبر الحدود”.
وتقول إسلام أباد إنها أكملت 90 بالمئة من السياج على طول ألفين و 640 كيلومترا (1640 ميلا) من الحدود المليئة بالثغرات مع أفغانستان، والمعروفة باسم “خط دوراند”.
والإثنين الماضي، قال وزير الداخلية الباكستاني، شيخ رشيد أحمد، للصحافيين، إن “طالبان أكدت أنها لن تسمح لأي جماعة أو أفراد بالتحرك ضد باكستان انطلاقاً من الأراضي الأفغانية”.
(الأناضول)