تستضيف العاصمة العراقية بغداد، اليوم السبت، أعمال “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” الذي يجمع قادة وممثلين عن أكثر من 10 دول عربية وإقليمية وغربية، لبحث مجموعة من الملفات والقضايا المتعلقة بالعراق والمنطقة عموماً، في فعالية دولية هي الأولى من نوعها التي تشهدها بغداد منذ العام 1990، وتراهن عليها لتحقيق أكثر من هدف أهمها ما يرتبط بفرص خفض التوتر في المنطقة، لا سيما في ظل المشاركة الإيرانية والسعودية، فضلاً عن جني العراق ثمار أي تفاهمات قد يتم التوصل إليها على الصعيدين السياسي والأمني.
وخلال اليومين الماضيين صدرت عدة تأكيدات من مسؤولين عراقيين بمشاركة عالية التمثيل من الدول التي جرى توجيه الدعوات لها، على مستوى قادة تلك الدول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية. لكن مسؤولاً رفيع المستوى في بغداد رهن، في حديث مع “العربي الجديد”، الخروج بنتائج ملموسة من هذه القمة بوجود الرغبة المسبقة لخفض مستويات التوتر في المنطقة، مؤكداً أن جميع الدول تسلمت جدول أعمال المؤتمر ومحاوره الرئيسية وعلى علم مسبق بها، متحدثاً، في هذا الإطار، عن “مساع طيبة” تبذلها كل من الكويت وفرنسا من أجل إنجاح الحدث، الذي وصفه بأنه “فرصة تهدئة”.
وصل وزير الخارجية الإيراني الجديد أمس إلى بغداد
وتشارك دول جوار العراق الخمس، تركيا وإيران والكويت والسعودية والأردن، بعد استبعاد مشاركة نظام بشار الأسد، بناء على رغبة بعض الدول المدعوة للمؤتمر. كما ستحضر كل من قطر ومصر والإمارات وفرنسا بصفة رئيسية، إلى جانب دعوات وجهتها الخارجية العراقية، منتصف الأسبوع الحالي، إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، للمشاركة في المؤتمر الذي يستمر يوماً واحداً، وسيناقش ملفات أمنية وسياسية بالدرجة الأولى.
وحتى مساء أمس الجمعة، تشير التحضيرات الجارية في القصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء، الذي من المقرر أن يحتضن أعمال المؤتمر، إلى أنه سيشهد على هامشه اجتماعات جانبية للوفود المشاركة. ويجري إعداد القاعات الثانوية الثلاث للقصر الحكومي، إلى جانب قاعة المؤتمرات الكبرى التي ستحتضن القمة. وبدا لافتاً وضع أعلام السعودية ومصر وإيران وتركيا في تلك القاعات، في مؤشر على أنها ستشهد لقاءات جانبية. كما دخلت قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب ووحدات المهام الخاصة بوزارة الداخلية حالة استنفار كاملة، منذ الخميس الماضي، خصوصاً في محيط مطار بغداد الدولي والطريق المؤدي الى المنطقة الخضراء، وسط تسريبات حصلت عليها “العربي الجديد”، تفيد بقرار لسلطة الطيران المدني العراقية بتقييد حركة الملاحة الجوية فوق بغداد وضواحيها، خلال وصول ممثلي الدول إلى العاصمة، مع الإبقاء على الأجواء في مناطق البلاد الأخرى طبيعية. كما سيرافق سرب مقاتلات “أف 16” العراقية الطائرات التي تقل قادة الدول، لحظة دخولها الأجواء العراقية، ضمن مظاهر الحفاوة والترحيب الذي تضمنه برنامج اللجنة الوزارية المحضرّة للقمة.
تقارير عربية
“المؤتمر الإقليمي” في بغداد: آمال رهن مستوى التمثيل الدبلوماسي
وأكدت الكويت في وقت سابق مشاركة رئيس الوزراء صباح خالد الحمد الصباح في المؤتمر. وأعلنت طهران مشاركة وزير الخارجية الجديد أمير عبد اللهيان، الذي وصل أمس إلى بغداد، ممثلاً عنها في القمة، وهو أدنى تمثيل كان يتوقعه العراق من إيران، إذ تم توجيه الدعوة للرئيس الجديد إبراهيم رئيسي مرتين، بواسطة وزير الخارجية فؤاد حسين، وعبر اتصال هاتفي أجراه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع رئيسي الأسبوع الماضي. كما أعلنت بغداد رسمياً مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القمة، مع معلومات متواترة تفيد بأن الأخير يرغب خلاله التوجه بعد انتهاء القمة إلى سهل نينوى شمال العراق، للقاء ممثلي الطوائف المسيحية وشخصيات من المنطقة التي ما زالت تعاني آثار الحرب والتخريب لغاية الآن، رغم مرور أكثر من 4 سنوات على توقف القتال. وعلى نحو موازٍ، يجري الحديث في بغداد عن مشاركة رفيعة المستوى لكل من مصر وقطر والأردن والإمارات في القمة.
كذلك قالت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ”العربي الجديد”، إن مصر أبلغت فرنسا بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكنها أشارت إلى أن مستوى التمثيل من باقي الدول المعنية قد يؤثر على القرار المصري حتى اللحظات الأخيرة.
وقال مسؤول حكومي عراقي، في اتصال هاتفي من بغداد مع “العربي الجديد”، إن جميع الدول التي وجهت لها دعوات ستشارك رسمياً بالمؤتمر، وتم اطلاعهم على ملفات وجدول أعماله، الذي سيستمر أكثر من 6 ساعات. وأضاف أن “هناك تأكيدات بمشاركة على مستوى قادة من ثلاث دول مهمة، والأخرى ستشارك بتمثيل على مستوى رئيس حكومة ووزير”.
وحول ملفات المؤتمر، قال المسؤول إن “التوقيت الحالي مناسب جداً لخفض نسبة التوتر بين عدة أطراف محورية بالمنطقة ستكون موجودة في بغداد، وبعض هذه الدول لها رغبة مسبقة بذلك، ومنها السعودية وإيران”، لكنه استدرك أن “القمة لن تحل مشاكل المنطقة، ويمكن اعتبارها فرصة للبدء بفتح مساحة حوار وإنهاء فترة الانغلاق في كل الملفات”. وأوضح أن بلاده تعتبر أن “أي تهدئة بالمنطقة ستنعكس إيجاباً على الملفين الأمني والسياسي في العراق، والملفات العراقية التي سيتناولها المؤتمر هي أساساً مفتوحة مع دول الجوار منذ مدة”.
طه اللامي: الكاظمي يسعى لكسب دعم لترؤس الحكومة المقبلة
وأطلقت اللجنة المنظمة للمؤتمر رسمياً عليه اسم “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”. وبدا واضحاً أن شعار الحملة الترويجية يحمل ألوان الدول التي تشارك فيه بصفة رئيسية، وهي إلى جانب العراق كل من الكويت والسعودية والأردن وإيران وتركيا (دول الجوار) إلى جانب دول قطر ومصر والإمارات وفرنسا.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية فؤاد حسين إن بلاده تلقت “ردوداً إيجابية من جميع الدول المدعوة للحضور”، مؤكداً أن روسيا ستشارك عبر سفيرها في بغداد إيلبروس كوتراشيف في المؤتمر. وحول عدم توجيه الدعوة لنظام الأسد، قال حسين إن “مسألة دعوة سورية موضوع خلافي إلى حد الآن. وأعتقد أن الإخوة السوريين يتفهمون ذلك”. وكانت الخارجية العراقية نفت، أخيراً، توجيه أي دعوة إلى نظام الأسد لحضور قمة بغداد على خلفية زيارة أجراها رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض إلى دمشق خلال الأسبوع الماضي.
وفي السياق نفسه، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان عامر الفايز، إن المؤتمر سيكون فرصة ترطيب أجواء لعلاقات متوترة بين بعض الأطراف في المنطقة. وأضاف، لـ”العربي الجديد”، أن “العراق يؤدي دوراً وسيطاً بتقريب وجهات النظر بين الدول المختلفة في ما بينها من خلال هذا المؤتمر، لكن يجب على الحكومة أن تضع مصلحة العراق أولوية في الملفات التي سيتم بحثها”، معتبراً أن “مستوى التمثيل السعودي والإيراني سيكون مهماً للمؤتمر الذي سيكون نجاحه مهماً للمنطقة عموماً”.
وقال المتحدث باسم المؤتمر ووكيل وزير الخارجية نزار الخير الله، أمس الجمعة، إنه لن يتم الإعلان عن أسماء الوفود والشخصيات التي ستشارك في المؤتمر لسببين، الأول لظروف فنية والثاني هو طلبات دول ألا يعلن عن مشاركتها قبل عقد مؤتمر بغداد، وهذه مقتضيات سنراعيها في هذا الجانب. وأوضح، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية (واع) رداً على سؤال بشأن مدى إمكانية عقد لقاءات ثنائية بين الدول المشاركة، وخصوصاً من لديهم خلافات ثنائية، أن “اللجنة التحضيرية مهمتها توفير الأجواء المناسبة للقاءات الثنائية، وفي كل المؤتمرات الإقليمية هناك فرصة للحوار، وهذا يتوقف على رغبة الدول في عقد هكذا لقاءات، ونعتقد أن المؤتمر فرصة لعقد تلك اللقاءات، والعراق سيهيئ الوسائل المتاحة لعقدها إن رغبت تلك الدول”.
وعن هدف العراق المباشر من عقد المؤتمر، قال الخير الله: “نعمل على تعزيز الشراكات والمشاريع مع الدول المشاركة في مؤتمر بغداد”، موضحاً أن “طبيعة الأزمات والتحديات في المنطقة تخلق فرصاً حقيقية للشراكة، وهذا ما نعمل عليه، ونعتقد أن هذه الرغبة مشتركة بين العراق والدولة المشاركة” في القمة. وأكد أن “مؤتمر بغداد سيعقد ليوم واحد فقط، هو السبت، ومشاركة الدول تمثل دعماً للحكومة وسيادة واستقرار العراق”.
لكن عضو الحزب الشيوعي العراقي طه اللامي اعتبر أن “المؤتمر لن يكون من أجل دعم حكومة تبقى من عمرها شهر ونصف الشهر”، في إشارة إلى حكومة الكاظمي وقرب إجراء الانتخابات التشريعية في البلاد. وأوضح اللامي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المؤتمر أساساً نابع من فكرة أن أي تهدئة بين إيران وخصومها بالمنطقة تعني هدوءاً في العراق، والكاظمي يسعى لكسب دعم خارجي أيضاً على أنه شخص مناسب لحكومة العراق المقبلة أيضاً”. واعتبر أن “ملفات مثل الحدود والمياه الإرهاب والتجارة مفتوحة أساساً بين العراق وجواره ولم تتوقف، لذا فإن المؤتمر بالغالب يحمل أبعاداً أخرى”.
لكن الباحث في الشأن السياسي العراقي والمقرب من حكومة الكاظمي، فاضل أبو رغيف قال إن “هناك مجموعة من الملفات المهمة التي يسعى العراق إلى فتحها مع دول الجوار، وأبرزها الملف الأمني. فقد تمكن العراق خلال السنوات الماضية من إعداد قاعدة بيانات كبيرة ودقيقة، تشمل معلومات التنظيمات الإرهابية، سواء في العراق أو دول المنطقة، إضافة إلى طرق تنقل عناصر هذه التنظيمات، وهو لديه حدود متاخمة مع أكثر من دولة مهددة أمنياً وتشهد عدم استقرار في أغلب الأحيان”. وبين، لـ”العربي الجديد”، أن “العراق يتطلع إلى دعم من جميع دول المنطقة بالملف الأمني، إضافة إلى ملفات اقتصادية وتجارية وصناعية أيضاً”.
وعلى المستوى السياسي، أشار أبو رغيف إلى أن “العراق أدى قبل أشهر دوراً ريادياً لحلحلة التوترات في المنطقة، وهو قادر على تبني المزيد من المبادرات بهذا الشأن، منها ما هو بين مصر وتركيا، والسعودية وإيران”. وأكد أن “نتائج هذا المؤتمر لن تجنيه حكومة الكاظمي، كونها شارفت على الانتهاء، بل ستقطف ثماره الحكومة المقبلة، لكن لا بد من تشكيل لجنة لمتابعة التطورات العملية لمخرجات مؤتمر بغداد، لضمان عدم إهمال الاتفاقيات التي تتم خلاله”.
العربي الجديد