بدا واضحاً من جميع جولات التفاوض التي قام بها ممثلو النظام السوري مع اللجنة الممثلة لأهالي درعا البلد، أن كل صيغة اتفاق يتم التوصل إليها تحمل في مضمونها ثغرات تُمكّن النظام من استغلالها كذرائع لنقض الاتفاق نفسه. فالنظام والروس قد حددوا الهدف النهائي من جولات التفاوض، وهو بسط النظام سيطرته بشكل كامل على أحياء درعا البلد، وسحب كل السلاح الموجود فيها. مع العلم أن هذا السلاح أقرّ “اتفاق 2018” وجوده. ومن بين الأهداف الإضافية تهجير من يعارضون النظام مع عائلاتهم إلى الشمال السوري. ويعتمد النظام في تطبيق هذا المخطط على الظهور بمظهر المنفتح على التفاوض، واستخدام جولات التفاوض لتحصيل مزيد من التنازلات التي يستخدمها منطلقاً للمفاوضات المقبلة. كما يعمد إلى التلويح باللجوء إلى الحل العسكري من خلال القصف وقتل المدنيين وتدمير بعض المنازل بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية في المنطقة، من أجل دفع لجنة التفاوض إلى تقديم التنازلات المطلوبة، بالإضافة إلى استخدام الحصار كوسيلة فعالة في إضعاف المواطنين تحت شعار “الجوع أو الركوع”، والتي من خلالها يتمكن من تحويل قضية درعا البلد من قضية سياسية إلى قضية إنسانية تنحصر المطالب فيها على تأمين المستلزمات الأساسية للمحاصرين للبقاء على قيد الحياة. وطبعاً يتم تطبيق هذا المخطط برعاية وسيط روسي يتبنّى مطالب النظام أصلاً، وبدعم غير محدود ممن يفترض أن يكون ضامناً إيرانياً، يسعى بكل الوسائل إلى فرض سيطرته على المنطقة الجنوبية عبر أدواته من قوات النظام.
وبعدما استبشر سكان درعا البلد خيراً بالاتفاق الأخير الذي تم برعاية روسية، خرق النظام الاتفاق بذريعة عدم تسليم كامل السلاح، وبذريعة وجود مطلوبين اثنين لم يتم تهجيرهما، ارتفع العدد فيما بعد إلى خمسين مطلوباً. ويشي هذا الأمر بأن النظام لن يلتزم بأي بند من بنود الاتفاقات، وإنما يستثمر الصمت الدولي من أجل تنفيذ مخططه في السيطرة على كامل منطقة خفض التصعيد الثالثة “المنطقة الجنوبية”، بذات الطريقة التي سيطر بها على منطقتي خفض التصعيد الأولى “ريف حمص الشمالي” والثانية “غوطة دمشق”، بتواطؤ من كل ضامني مسار أستانة. أما محاولات لجنة الأهالي التلويح بورقة التهجير لكل سكان درعا البلد فلا يبدو أنها ستجدي نفعاً، ما لم يطرأ تغير على مواقف الدول المتدخلة في الشأن السوري، مما يحصل في المنطقة الجنوبية، بشكل يضع حداً للاستفراد بسكان تلك المنطقة.
العربي الجديد