روسيا تؤكد تغيير النظام الدولى فى سوريا

روسيا تؤكد تغيير النظام الدولى فى سوريا

492

يتنقل النظام الدولى من الأحادية القطبية إلى الثنائية القطبية إلى التعددية القطبية على مدى التاريخ الإنساني، عبر محطات واضحة المعالم وفى سياق أحداث حقيقية ملموسة.

فبانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بدأ النظام الدولى متعدد الأقطاب فى الترنح والسقوط والتغيير إلى نظام جديد تكونت ملامحه بسرعة بالسيطرة الأمريكية التى توجت باستخدام الولايات المتحدة لقنبلتى هيروشيما وناجازاكى النوويتين على اليابان، وكان لهاتين القنبلتين كواقعة، التأثير المباشر على وقف الحرب العالمية عند هذا الحد، من ناحية، ومن ناحية أخرى انتهاء نظام متعدد الأقطاب وتحوله إلى نظام أحادى القطبية بعد التلاشى الكبير للأقطاب الآخرين وإضعافهم، واستمر الوضع لمدة عشر سنوات حتى عام 1955، حيث كان الاتحاد السوفيتى على الطرف الآخر يعد العدة ليكون قطبا منافسا، فتكون حلف وارسو، وتم الرد عليه فى الغرب بتكوين حلف الاطلنطى (الناتو) ثم نجح الاتحاد السوفيتى فى تكوين الذراع الاقتصادية «منظمة الكوميكون» وأعقبها انتاج الصاروخ السوفيتى عابر القارات، واستثمر فرصة اندلاع ثورة 23يوليو 1952 فى مصر التحررية، والتى تفاعلت مع الشرق وعقدت صفقة الأسلحة التشيكية (1955) ووقوع حرب 1956 (العدوان الثلاثي) على مصر، وكان للانذار السوفيتى التأثير البالغ فى انهاء الحرب، وميلاد نظام دولى جديد ثنائى القطبية، تأكد بشكل واضح فى أول أزمة تالية عام 1962م، المعروفة بأزمة خليج الخنازير وحصار كوبا على حدود الولايات المتحدة، الامر الذى أكد أن نظاما دوليا جديدا قد استكمل ولادته قائم على الصراع والحرب الباردة.

وبدأ العالم يدخل فى مرحلة جديدة تسيدت فيها الولايات المتحدة، حيث ولد الاتحاد الأوروبى بمعاهدة ماستر يخت فى هولندا عام 1992.

وأصبح النظام الدولى تحت الهيمنة الأمريكية وأحادى القطبية، ليستمر هذا الوضع فى حالة من السيولة الدولية واصرار أمريكى على السيطرة على العالم أقصى فترة زمنية ممكنة، ويمكن أن تفسر أحداث 11سبتمبر 2001م فى هذا السياق، واستمرت هذه الهيمنة، ونظام أحادى القطبية لمدة عشرين عاما، حتى اندلعت الثورات العربية ابتداء من تونس ثم مصر فليبيا فاليمن، لتدخل المنطقة فى مخاض جديد، تشكلت على أرضها النظام الدولى الجديد مرة أخري.

حيث ترددت روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي، بعد أن أعيد بناؤها مرة أخرى لتكون قطبا دوليا جديدا فى الوقت المناسب، فى الأزمة الليبية التى بدأت ثورة، وسمحت باستخدام القوة لدعم الثورة واسقاط القذافى تحت غطاء دولى بموافقة الجامعة العربية (عمرو موسى الأمين العام آنذاك)، والأمم المتحدة، حيث تدخل الناتو لتنتهى الثورة، وتبدأ الأزمة وروسيا خارج المشهد، وكادت المسألة بذاتها تنتقل إلى سوريا التى بدأ تحريك بعض القطاعات الشعبية ضد نظام بشار الاسد، لكن روسيا تعلمت الدرس ووقفت حائلا امام سقوط سوريا والإطاحة بنظام بشار الاسد، وتفكيكها تحقيقا للمخطط الأمريكي.

ولم تجد روسيا خيارا سوى التدخل المباشر لضرب داعش وتدمير الإرهاب فى سوريا وخارجها، وهو الذى حدث خلال الأيام الماضية، ليتأكد أن سوريا أصبحت المحطة الإقليمية لتأكيد تحولات النظام الدولى إلى الثنائية المرنة التى قد تتحول إلى تعددية قطبية، حيث الصين مع موسكو، وبعض الدول القريبة معها، والبعض الآخر مع أمريكا، ومازالت الحرب دائرة بين سوريا والعراق بفعل تدخلات مباشرة روسية أخيرا وغربيا من قبل والكلمة الفصل ستكون للقوة الجديدة التى أفسحت لأقدامها مواقع نفوذ فى المنطقة.

والجديد فى الأمر، أن مصر فى مقدمة دول المنطقة التى أيدت التدخل الروسى ضد داعش على خلفية دعم الحرب ضد الإرهاب حقيقة لا خيالا أو وهما، ومازالت هناك خطوات قوية على مصر اتخاذها مهما تكن الكلفة السياسية، لأن دور مصر فى سوريا مهم للغاية، ياليت الرئيس السياسي، يعيد العلاقات رسميا وفورا ليتأكد الوجود الإقليمى والدور الفعال لمصر فى ظل تحولات النظام الدولى على الأرض السورية إلى الثنائية بدلا من الاحادية ومازال الحوار متصلا.

    د.جمال زهران

صحيفة الأهرام المصرية