مستقبل تنظيم “القاعدة” في اليمن

مستقبل تنظيم “القاعدة” في اليمن

تنظيم-القاعدة-في-اليمن-أرشيفية

مع بدء عمليات عاصفة الحزم، دخلت متغيرات جديدة في صياغة الأحداث في اليمن، من أهمها التزايد الملحوظ فى نشاط تنظيم “القاعدة فى جزيرة العرب”، وهو ما أدى إلى تمكنه من السيطرة على مدينة “المكلا” في 2 أبريل 2015 بشكل كامل، مما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب تزايد نشاط “التنظيم”، وكذلك مستقبل نشاطه وتمدده في ظل التحديات التي تواجهه في الفترة الأخيرة، خاصة بعد مقتل قائده السابق ناصر الوحيشى، وتولى قاسم الريمي قيادة التنظيم.

ويعمل تنظيم القاعدة في الفترة الأخيرة على تأمين معاقله، مما دعاه إلى تحصّين مداخل مدينة “المكلا” بعد الاستيلاء عليها، وهجرة معظم قياداته إليها، بحسبانها المنطقة الأكثر أماناً بالنسبة لهم، وهو ما يشير إلى أنه ماضٍ في تثبيت وجوده في المدينة، والعمل على خلق بيئة حاضنة له بين سكانها، بعيداً عن خيار بسط السيطرة على رقعة جغرافية أكبر فى الوقت الحالي.

عوامل صعود “القاعدة”:

شهد تنظيم “القاعدة” في اليمن طفرة تنظيمية كبيرة عقب تولي ناصر الوحيشي قيادة التنظيم بعد أبى علي الحارثي الذي قُتل بغارة جوية أمريكية في نوفمبر 2002، حيث تولى الرجل قيادة “القاعدة” في يونيو 2007، واستطاع خلال ثلاثة أعوام إعادة إحياء “التنظيم” في اليمن، والتواصل مع مجموعات جهادية متعددة في مناطق عديدة في إفريقيا وأوروبا.

 ويمكن تحديد أهم الأسباب التى أدت إلى تزايد نشاط “التنظيم” في الفترة الأخيرة فى الآتى:

1- حالة الفوضى التي عمت اليمن بسب غياب الدولة، واختطاف جماعة الحوثي السلطة السياسية، واشتداد الحرب الداخلية بين الحوثيين وقوات صالح من جهة، وبين المقاومة الشعبية والموالين لهادي من جهة أخرى، حيث وقد وجد التنظيم في هذه الفوضى ضالته المنشودة، لأنها أدت إلى إضعاف الدولة اليمنية والحوثيين على حد سواء، مما أتاح له فرصة للعودة من جديد بصورة أكثر نشاطًا.

2- شبكة العلاقات القوية التي أقامها “التنظيم” مع بعض القبائل في مواجهة التمدد الحوثي، مما أخرجه من عزلته، ومكّنه من تجنيد العديد من المقاتلين من أبناء القبائل، خاصة أن “الوحيشي”، القائد السابق للتنظيم، كان يحرص على هذه العلاقات وتنميتها بشكل مستمر، مما ساعده على التمدد بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية.

3- الحصول على كميات من كبيرة من الأسلحة، خاصة من معسكرات الجيش اليمنى، مثل معسكر اللواء 17 فى مدينة “المكلا”، حيث استولى على معدات وأسلحة ثقيلة، من بينها دبابات ومدافع، مكنته من تثبيت قوته فى المدينة.

4- عدم التعرض لضربات التحالف العربى. فمنذ بدء عملية عاصفة الحزم، لم يستهدف طيران التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، معاقل “القاعدة”، وهذا ما أدى إلى لجوء النازحين اليمنيين إليها بحثًا عن الحماية والملجأ، نظراً لأن التحالف لا يولى اهتماما كبيراً اوجود “القاعدة” في جنوب اليمن، وإنما يعطي الأولوية حتى الآن لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وحلفائهم من قوات على عبد الله صالح.

تحديات أمام تنظيم “القاعدة”:

برغم التزايد الملحوظ فى نشاط “القاعدة” فى اليمن، خلال الفترة الأخيرة، فإن “التنظيم”  يواجه عددا من التحديات، من أهمها:

1- عمليات الاختراق التنظيمي، التي تعد من أخطر التحديات التي تواجه التنظيم خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت تهدد مستقبله بشكل كبير، حيث إن عمليات الاختراق من قبل العملاء والجواسيس أدت إلى سقوط العديد من قيادات التنظيم ورجاله، مما دفع إلى تأسيس جهاز أمنى داخلى، مكنه من تفكيك عدد من الخلايا التجسسية التى كانت تعمل في أوساط مقاتليه لمصلحة أجهزة الاستخبارات اليمنية والأمريكية في بداية 2012، وألقى القبض على أكثر من 50 عميلا، وكان قاسم الريمي، القائد العسكري فى ذلك التوقيت، هو الذي أشـرف على تأسيـس الـجهاز، برعـاية مباشرة من القائد ناصر الوحيشي.

2- الحفاظ على معاقل القاعدة، حيث إن تطور الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في اليمن سوف يفرض على “التنظيم” تحدى كيفية الحفاظ على المكاسب المادية والسياسية التي حصل عليها، نتيجة استثماره لحالة الفوضى، وعدم الاستقرار التى عمت البلاد أخيرا، حيث سيكون التحدي الكبير بالنسبة له هو كيفية الحفاظ على المناطق التي يُسيطر عليها، وتثبيت نفوذه فيها، ومن ناحية أخرى العمل على إعادة التموضع، وبناء خطة جديدة للتمدد والانتشار، حتى لا يبدو أمام العالم وكأن التنظيم ينحسر.

3- القدرة على الاستمرار فى جذب المقاتلين الأجانب، خاصة أن المرحلة القادمة ربما تحتاج من التنظيم إلى الدخول فى مواجهات قوية من أجل الحفاظ على تمدده، وانتشاره، ومعاقله. كما أن القائد الجديد للتنظيم رجل عسكري، ويدرك جيداً قيمة التجنيد، وأهمية توفير موارد بشرية للتنظيم، لذا سيعمل على استدعاء الجهاديين من خارج اليمن للمشاركة في القتال، وهو تحد كبير بالنسبة للتنظيم، خاصة فى ظل حالة الحصار المفروض على اليمن، وتشديد الرقابة على الحدود، بسب الحرب مع الحوثيين.

4- الحفاظ على شبكة العلاقات الداخلية، فتعيين “الريمي” زعيمًا لتنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” يُشير إلى تحول في سياسة التنظيم تجاه خصومه ومخالفيه، خلال المرحلة القادمة، مما يهدد شبكة العلاقات الداخلية التي تَمَكَّنَ “الوحيشي” من تأسيسها، والتي كانت تسعى إلى تقليل العداء قدر المستطاع تجاه الخصوم والأعداء، حيث تشير الدلائل الأولية إلى أن التنظيم سوف ينتهج نهجًا عسكريًّا وأمنيًّا أكثر تشددًا في التعامل معهم، ولن يتساهل مع الحاضنة الشعبية، نظرًا لطبيعة القائد الجديد الذي يتسم بالقسوة والصرامة في معاملة أعدائه ومخالفيه.

5- الصمود فى مواجهة تنظيم “داعش”، خاصة بعد ظهور “داعش” وانتشاره فى بعض المناطق من اليمن، وقيامه بعدد من العمليات، كان أبرزها في 21 مارس 2015، حيث تبني أربع عمليات انتحارية في مسجدي “بدر” و”الحشحوش”، بعد صلاة الجمعة بالتزامن، راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل، ومئات الجرحى، وكان من بين الضحايا قيادات في الجناح الديني لجماعة الحوثيين. ومن المتوقع أن يفرض هذا النشاط لتنظيم “داعش” على “القاعدة” القيام بعدد من العمليات، والدخول فى مواجهات جديدة، حتى يثبت أنه أكثر قوة وفاعلية فى البلاد، وبالتالي يستطيع أن يحافظ على تماسكه التنظيمي، خاصة أن الإحداث أثبتت أن “داعش” لديه المقدرة على التمدد على حساب “القاعدة”.

وأخيراً، برغم التحديات السابقة لتنظيم “القاعدة” فى اليمن، فإنه تحت قيادة العسكري المخضرم قاسم الريمي يعد أكثر التنظيمات الجهادية المحلية خبرة بطبيعة الأرض، وتقسيماتها الجغرافية والاجتماعية، مما قد يمكّن التنظيم من التحرك في تنفيذ مهامه، خاصة أنه يتحرك بحذر في هذه المرحلة باتجاه ترتيب واقعه التنظيمي، والوجود في المدن البعيدة عن الصراع، والابتعاد بقواعده عن خوض معارك ومواجهات شاملة ضد الحوثيين.

علي بكر

مجلة السياسة الدولية