تتألف الحكومة الأفغانية الجديدة من مجموعة من المطلوبين للعدالة الدولية. يبدو الخبر صادما لأول وهلة. بعيدا عن كون مفهوم العدالة الدولية يقع في دائرة الصراع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فإن الحركة ليست مستعدة لتشكيل حكومة على مزاج وقياسات الغرب الذي ترفضه قلبا وقالبا. هل المطلوب منها أن لا تفعل ذلك؟
يوم كانت طالبان هي العدو كان من الطبيعي أن تضع الولايات المتحدة كل رجالها القياديين على لائحة المطلوبين للعدالة الدولية التي هي واحدة أهم من الأدوات التي تستعملها ضد الآخرين.
من حيث المبدأ فإن التمسك بوصف أعداء الولايات المتحدة بالخارجين على القانون أو المطلوبين للعدالة الدولية فيه الكثير من الانحياز الذي ينطوي على الإجحاف وعدم النزاهة.
فالولايات المتحدة ليست طرفا منصفا أو عاقلا في خصومته. أصدقاء الولايات المتحدة يعرفون ذلك وأعداؤها ممَن دفعوا ثمنا باهظا لتلك العداوة التي لم يخرج منها أحد سالما.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين صاروا بعد عشرين سنة من النزاع المباشر مع طالبان على بينة بكل تفاصيل البنية البشرية والمنطلقات النظرية للحركة التي يمكن القول إنها لا تملك بديلا سياسيا عما كانت عليه قبل الغزو الأميركي.
من الطبيعي والحالة هذه أن تكون طالبان الجديدة هي نفسها طالبان القديمة من غير أي تغير أو تعديل إلا في ما يتعلق بالقيادات التي حل بعضها محل البعض الآخر الذي اختفى بسبب الموت.
لذلك يُعتبر نوعا من الضحك على الذات وعلى الآخرين أن ينساق المرء وراء الدعايات المضللة التي تنطوي على الكثير من الفكاهة السوداء وهي تسعى لبث قناعة مفادها أن طالبان التي فاوضت الولايات المتحدة في الدوحة هي غير طالبان التي حكمت أفغانستان نهاية التسعينات.
وإذا ما عرجنا على مفاوضات الدوحة فهل كان ممثلو طالبان في تلك المفاوضات من العلماء والمفكرين والاقتصاديين ورجال السياسة المحترفين؟
تفاوضت الولايات المتحدة مع مجموعة من مقاتلي طالبان الذين لا يجيدون شيئا سوى القتال. أولئك الأعداء كانوا بالتأكيد مطلوبين للعدالة الأميركية التي هي واجهة العدالة الدولية.
لم تفرض الولايات المتحدة على حركة طالبان أن ترسل إلى الدوحة وفدا للتفاوض يكون متوافقا مع المعايير الغربية. كانت طالبان حرة في إرسال مَن تثق به من رجالها ويكون ممثلا لنهجها وبرنامجها.
لم تكن مهمة يومها بالنسبة إلى الولايات المتحدة سيرة الأشخاص الذين يتفاوضون مع وفدها في الدوحة فهل على طالبان اليوم أن تراعي مزاج العدالة الأميركية في اختيار أعضاء حكومتها؟ ثم من أين تأتي طالبان بالرجال الذين يكونون مناسبين للمزاج الغربي ليكونوا وزراء إذا كان كل أعضائها هم من المقاتلين الذين خاضوا حروبا ضد القوات الأميركية والقوات الغربية المتحالفة معها؟
في وقت قياسي كشفت حركة طالبان عن كذب الدعاية الغربية التي وضعتها في مكان يسيء إليها من جهة كونه يخون مبادئها ويخذل تاريخها الذي لا يتقاطع مع العصر الحديث. طالبان هي طالبان. حركة ظلامية متشددة بفكر ميت لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بالحريات العامة ولا يهمها أن يرضى العالم الخارجي عنها على حساب مبادئها.
لقد انتصرت طالبان على الأميركيين لأنها كانت كذلك. ولو أنها استجابت إلى التسويات الوسطية التي كان الأميركيون يميلون إليها ويشجعونها لما استطاعت أن تطردهم بذلك الشكل المهين.
من المؤكد أن الإعلام الغربي حاول التخفيف من هول الصدمة التي سببها الانسحاب الأميركي وحالة الذعر التي عمت مطار كابول من خلال حكايات التحول الديمقراطي الذي طرأ على حركة طالبان. تلك كذبة فضحتها طالبان بنفسها.
طالبان فعلت ما تريد. أعلنت على المكشوف ما تفكر فيه من غير تزلف أو محاولة لشراء رضا الغرب. ولأن الغرب يجد نفسه ملزما على مواجهة الحالة الإنسانية التي يعيشها الشعب الأفغاني في ظل ما أحدثه الانسحاب الأميركي من فوضى فإنه يجد نفسه مرغما على التعامل مع حركة طالبان بما تراه الحركة مناسبا لها.
وليست الحكومة الأفغانية الجديدة إلا الصفعة الأولى التي توجهها طالبان إلى الإعلام الغربي وستكون أفغانستان مسرحا لحكايات مرعبة، من المتوقع أن يعمل الإعلام الغربي على التغطية عليها استمرارا في كذبة طالبان الجديدة التي يجري تسويقها على حساب الحقيقة.
العرب