إيران والإمارة الثانية لطالبان: تحالف الأعداء أم حرب طائفية؟

إيران والإمارة الثانية لطالبان: تحالف الأعداء أم حرب طائفية؟

لم يكن اعتلاء طالبان هرم السلطة في أفغانستان مفاجأة لإيران، فهي قد دخلت على خط المفاوضات معهم منذ أشهر، وكانت قد استضافت المسؤول السياسي بحركة طالبان الملا عبدالغني برادر في طهران مطلع العام الجاري. وسبق واشنطن أن اتهمت طهران بمساعدة عناصر طالبان الذين يستهدفون القوات الأميركية في أفغانستان. وهذه قراءة للمشهد.

يرى بعض المحللين في ظهور إمارة طالبان الإسلامية في أفغانستان عنصر توازن في المشهد الجيوسياسي، لاسيما أن طرف المعادلة الآخر هو جمهورية إيران الإسلامية.

ومنذ أشهر سعت إيران إلى أن تلعب دور الوسيط في محادثات السلام التي كانت تجري في قطر بين عناصر طالبان والحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.

وكان من المنطقي أن تكون إيران الشيعية خصماً لحركة طالبان السنية المتشددة على مدى عقود، لكنها ومنذ تسرب الأنباء عن مفاوضات أميركية أفغانية مع طالبان قبل سنتين، باتت تجتمع علناً مع زعماء بالحركة.

محمد رحماني فر: نسخة جديدة من طالبان بعد أن اقتبست من نظام ولاية الفقيه

ويرى الكثير من المختصين، أن طالبان تؤسس لمشروع دولة إسلامية على غرار دولة ولي الفقيه الشيعية في إيران.

وبحسب الصحافي والمحلل السياسي الإيراني، محمد رحماني فر، فإنّ طالبان بعد إسقاط حكمها في 2001 توجهت إلى إيران؛ فظهرت نسخة جديدة للحركة بعد أن اقتبست كثيرا من نظام ولاية الفقيه.

ويضيف رحماني فر أن “طالبان اليوم هي نفسها طالبان قبل 20-25 عامًا”، حسب قوله، إلا أنها تطلق تصريحات فيها مواءمات لكسب ود الأفغان والمجتمع الدولي.

وحتى من الناحية التنظيمية، يتوقع المراقبون أن تستفيد طالبان من تجربة المعممين في الحكم بإيران منذ عام 1979، وقد تستنسخ تلك التجربة وتطبقها في إطار سني.

وفي هذا السياق قارن محمود جابر، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، بين حكم طالبان الذي قام من جديد في أفغانستان وبين نظام إيران، بالقول إن “النظام الإيراني يقوم على هرم للسلطة مكون من مرشد له كافة الصلاحيات في الدستور، ورئيس للسلطة التنفيذية، وبرلمان، ومجلس لصيانة الدستور، وفي أفغانستان سيكون الترتيب أن زعيم الحركة هبة الله آخند زاده يوزاي ‘مرشد الثورة’، ويعاونه مجلس حكم يقابل ‘مجلس تشخيص مصلحة النظام’ في إيران، وأن الصلاحيات سوف تتركز في يد زعيم الحركة ودور مجلس الحكم سيكون استشارياً”.

لكن التجربة الأفغانية سوف تفترق بشدة عن منظومة الحكم في إيران، في أنها ترفض علناً الممارسة الديمقراطية، بل وترفض حتى فكرة مشاركة الشعب في الحكم. ويعتقد “أمير المؤمنين” الأفغاني أنه يمثل ظل الله في الأرض، ولن يحتاج إلى رأي الشعب.

وربما لن تشهد أفغانستان انتخابات قريباً؛ وقد أكد هذا الأمر القيادي بالحركة وحيدالله هاشمي في الثامن عشر من أغسطس حين قال “لن يكون هناك نظام ديمقراطي على الإطلاق لعدم وجود قاعدة له في بلدنا”.

وتحاول إيران في العادة دعم أي حركة إسلامية دون أن تأخذ في الاعتبار انتماءها المذهبي، خصوصاً إذا كانت الحركة أو التنظيم يدّعي منازلة “الشيطان الأكبر” حسب وصفهم الذي يطلقونه على الولايات المتحدة. وانطلاقاً من ذلك فهي تدعم حركة حماس، وسبق أن آوت قيادات من تنظيم طالبان، ونساء وأطفال قيادات تنظيم القاعدة حين فروا من أفغانستان عام 2001، وبينهم بعض زوجات وأبناء أسامة بن لادن زعيم التنظيم الذي قتل في مخبئه في أبوت آباد بباكستان عام 2011.

رسمياً، ما زال الموقف الإيراني متحفظاً، رغم ترحيب قادة في الحرس الثوري بدخول طالبان العاصمة الأفغانية واعتبار ذلك نصراً للشعب على الغطرسة الأميركية.

وصدر عن مكتب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بيان دعا الأطراف الأفغانية للعمل على تحقيق وفاق وطني، مكتفياً بالإشارة إلى الإخفاق الأميركي كفرصة لتحقيق السلام في البلاد، دون الإشارة مباشرة إلى حركة طالبان واستيلائها على السلطة.

وفي فترة سابقة، وسياق استباق الأحداث، والتحسب لنشوء عداء بين طالبان وبين حكومة إيران، دعا محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية السابق إلى دمج لواء فاطميون الشيعي الأفغاني الذي يقاتل في سوريا مع الجيش الأفغاني.

كما عملت إيران على بناء تحالف بين الطاجيك والأوزبك والشيعة، لمقاومة حركة طالبان وعلى ما يبدو أن هذا التحالف هو الذي تولّى الدفاع عن مدينة مزار شريف دون أن ينجح في منع سقوطها.

وتتبنى إيران مهمة الدفاع عن طائفة الهزارة الشيعية في أفغانستان، وموقف طالبان من هذه الطائفة يبدو هجوميا مرة أخرى، حيث اتهمت منظمة العفو الدولية حركة طالبان، بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة الشيعية والتنكيل بهم.

وتضمن تقرير للمنظمة الحقوقية شهادات مروعة لأعمال قتل وقعت في أوائل شهر يوليو الماضي بولاية غزني جنوب شرقي أفغانستان.

وحيد الله هاشمي: لن يكون هناك نظام ديمقراطي على الإطلاق في أفغانستان

وتمثل طائفة الهزارة ثالث أكبر جماعة عرقية في أفغانستان، وما برحت تواجه منذ زمن طويل تمييزاً واضطهاداً في كل من أفغانستان وباكستان اللتين تسود فيهما أغلبية سُنية.

ويوجد في إيران نحو مليوني لاجئ أفغاني، يمثلون مشكلة كبرى للسلطات، وقد أشركت عددا منهم في صفوف قواتها التي تقاتل في سوريا لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقبل أيام تظاهر المئات منهم في مدن قم ومشهد وطهران تنديداً بوصول طالبان إلى السلطة. وهتف متظاهرون أمام مكتب الأمم المتحدة في طهران بشعارات “الموت لطالبان”، “لا نريد إمارة إسلامية”، وهذا يشكل عنصر ضغط آخر على مواقف الحكومة الإيرانية من إمارة أفغانستان الإسلامية.

وسبق أن دعمت إيران تحالف الشمال الذي قاده أحمد شاه مسعود، وفي أغسطس 1998، حين هاجم طالبان مزار شريف شمال أفغانستان. كانت هذه المدينة واحدة من أسس التحالف الشمالي المدعوم من طهران، وكانت مركز قوات المقاومة الأفغانية. ونفذت طالبان مجزرة في المنطقة طالت الشيعة الهزارة الناطقين بالفارسية غالباً وقُتل المئات من الأشخاص من الأوزبك والطاجيك والهزارة. وکانت القنصلية الإيرانية أحد الأهداف التي هاجمتها، وقتل عناصرها عدداً من الدبلوماسيين الإيرانيين فيها.

على صعيد آخر، وفي ظل تشارك إيران وأفغانستان بحدود تقترب من ألف كلم، تبرز قضية تجارة المخدرات بين البلدين كتحدٍ كبير للسلطة في إيران، لاسيما أنّ أصواتا كثيرة تؤكد أن تمويل طالبان قائم بنسبة كبيرة على واردات المخدرات التي تهرب عبر ممر الحرير الشهير، لتصل إلى أسواق أوروبا.

وتعتبر إيران الطريق الرئيسي الذي يصل عبره الأفيون الأفغاني الذي يشكل 90 في المئة من الإنتاج العالمي إلى بقية دول العالم.

العرب