الخرطوم- حاول الإعلان السياسي الجديد لتوحيد قوى الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم بالسودان- معالجة الشروخ التي يعاني منها التحالف واسع الطيف. لكنه، وبحسب معارضين، سيؤدي لانقسامات في مجلس الشركاء ومجلس السيادة الانتقالي.
ورغم أن الإعلان السياسي وقّع عليه الأربعاء الماضي 43 تنظيما، فإن ثمة في المقابل فصيلا مناهضا للإعلان تضم قائمته 21 كيانا. إذ ما زال الحزب الشيوعي السوداني يفرز موقفا بعيدا عن جناحي الحرية والتغيير بعد أن أعلن انسحابه من الائتلاف الحاكم والحكومة، واختار المعارضة.
وعبر إعلان سياسي في يناير/كانون الثاني 2019، قاد تحالف قوى “إعلان الحرية والتغيير”، الذي ضم تجمّع المهنيين والأحزاب، الاحتجاجات التي انتهت بعزل الرئيس عمر البشير يوم 11 أبريل/نيسان 2019.
لكن بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، تعرض التحالف وتجمّع المهنيين لانقسامات جعلت كلا منهما فصيلين على طرفي نقيض.
حتى بعض المشاركين في التوقيع على الإعلان الجديد لم يرفعوا سقف توقعاتهم من تنفيذ بنوده المتعلقة بالانتخابات (مواقع التواصل)
سلسلة انقسامات
ويصف عضو اللجنة الفنية لإصلاح قوى الحرية والتغيير محمد وداعة الإعلان السياسي الجديد بـ”المشوّه” لأنه وضع بعض شركاء السلام الموجودين في الحكومة خارج حاضنتها السياسية.
وكان لافتا عدم مشاركة زعيمي أبرز حركتين في مراسم التوقيع، إذ تغيّب رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم (وزير المالية) وقائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور).
في مقابل ذلك، حضرت الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق السلام بقيادة عضوي مجلس السيادة الهادي إدريس والطاهر حجر على منصة الإعلان السياسي، فضلا عن مشاركة الحركة الشعبية (شمال) بقيادة كل من مالك عقار وياسر عرمان.
وتبعا لذلك، يقول وداعة للجزيرة نت إن الإعلان السياسي بهذا الشكل سيفاقم انقسام شركاء السلام، وسيوّلد انقساما في المجلس السيادي ومجلس الشركاء الذي تم تكوينه وفقا لاتفاق جوبا 2020، ويضم ممثلين للحركات الموقعة وقوى الحرية والتغيير.
عودة جزئية
في مقابل ذلك، يرى الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي -وهو أحد الموقعين- أن الإعلان نجح في إعادة بعض قوى الثورة إلى تحالف الحرية والتغيير، الذي يعد الآن بمثابة حزب حاكم.
وقال الهادي للجزيرة نت إن الجسم الشرعي الذي يمثل الثورة، وهو قوى الحرية والتغيير، أصابه داء الانقسام بتجميد الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي لعضويتهما وانقسام تجمّع المهنيين، لكن الإعلان السياسي أعاد بعض هذه القوى.
ويتابع “بهذا الإعلان عاد جزء كبير من أطراف السلام برجوع الجزء الأكبر للجبهة الثورية، وفك حزب الأمة القومي وتجميد نشاطه”.
وجاء في ديباجة الإعلان السياسي أنه وثيقة تضم القوى المنضوية تحت راية المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية وحزب الأمة القومي.
وتحفّظ حزب الأمة القومي وأحزاب أخرى على آلية اتخاذ القرارات داخل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في ظل اتهامات بسيطرة أحزاب التجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي على المجلس.
ويقلل الحزب الشيوعي السوداني من نجاعة الإعلان السياسي لقوى الحرية والتغيير، ويرى أنه مجرد فعل بين مجموعة متوافقة.
وبحسب عضو اللجنة المركزية للحزب عبد الفتاح بيضاب، فإن الإعلان السياسي الجديد غير قادر على جلب المغاضبين (المعارضين) وقوى الثورة الحية.
ويؤكد بيضاب للجزيرة نت أن الإعلان السياسي مجرد محاولة من المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي لا يمثل أكثر من واحد على 10 من قوى الثورة للحصول على “قبلة حياة” بعد أن سحب مجلس الشركاء كل نفوذ التحالف.
ويوضح أن مجلس الشركاء الذي شكلته اتفاقية السلام بجوبا، لم يترك مساحة لقوى التغيير كحاضنة سياسية، “لأنه ووفقا للاتفاقية، إذا تعارض أي قانون أو لائحة مع بنود مجلس الشركاء تسود لائحة المجلس”.
سودانيون يتظاهرون بالعاصمة الخرطوم نهاية يونيو/حزيران الماضي ويطالبون الحكومة بالتنحي بسبب تأخر العدالة والإصلاحات الاقتصادية (وكالة الصحافة الفرنسية).
بين إعلانين
وفي محاولة لتلمس الفروق بين الإعلان السياسي للحرية والتغيير في 2019 والإعلان السياسي في 2021، يرى عبد الفتاح بيضاب أن الإعلان الأخير لا يتعدى كونه “خطابا إنشائيا وعاما ومحبطا ومعلقا في الهواء”.
ويؤكد أن الوثيقة الجديدة لم تذكر آليات تنفيذ وجداول زمنية لقضايا مهمة كتشكيل المجلس التشريعي (البرلمان)، وقضايا العدالة الخاصة بفض الاعتصام أمام قيادة الجيش في الثالث من يونيو/حزيران 2019.
وكان الحزب الشيوعي ضمن الموقعين على الإعلان السياسي التأسيسي لقوى الحرية والتغيير قبل عامين و9 أشهر، والذي دعا لإسقاط نظام البشير.
بيد أن الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي يرى في الإعلان السياسي الجديد تطويرا للموقع عام 2019، والذي كان بمثابة تحالف لإسقاط النظام السابق، في حين أن الجديد بمثابة برنامج ضم عشرات القضايا تمثل أهداف الثورة.
ونص الإعلان السياسي الجديد على إجراء الانتخابات في موعدها، والعمل مع المكون العسكري لإحداث التحول الديمقراطي، وإكمال مؤسسات الفترة الانتقالية، ودعم لجنة إزالة التمكين، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة، وإنصاف النازحين واللاجئين.
ورغم تأكيد الإعلان أن التحالف سيسعى لتطوير صيغة تمكّن قوى الحرية والتغيير من خوض الانتخابات العامة سنة 2024 في قائمة موحدة، فإن محمد الهادي الموقع على الإعلان يرى صعوبة ذلك. وقال “من الصعب ضم كل تلك المكونات السياسية والمدنية في تحالف للانتخابات”.
ويتفق عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عبد الفتاح بيضاب معه بقوله إن “أحزابا كبيرة لها طوائف دينية، مثل حزبي الأمة والاتحادي، ليس في مصلحتها خوض الانتخابات مع أحزاب ليس لها وزن”.
ويقول بيضاب إن كل مكونات الحرية والتغيير “أحزاب محاصصة”، و”طريقة عملها وتفكيرها تجعل من الصعب اتفاقها على برنامج حد أدنى لخوض الانتخابات”.
وعكست الهتافات المناهضة أثناء مراسم توقيع الإعلان السياسي، مدى الهوة بين الحلفاء الذين أسقطوا نظام البشير. رغم أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أبدى تأييده بحضور الاحتفال، ووعد الموقعين وغيرهم باستمرار العمل لاستكمال وحدة قوى التغيير بلا استثناء.
لكن، يبقى غياب المكون العسكري عن هذه المراسم مثار تساؤل وأمرا لافتا بحسب عضو اللجنة الفنية لإصلاح قوى الحرية والتغيير محمد وداعة.
المصدر : الجزيرة