الدوحة – بعد نجاحها في جلب حركة طالبان إلى مربع التنسيق مع الدول الغربية لتسهيل إجلاء الأجانب والأفغان الذين تعاملوا معهم، وهو ما مهد لتليين موقف الولايات المتحدة، مرت قطر إلى المرحلة الثانية من تأهيل الحركة بإقناع المتشككين في قدرتها على تغيير قناعاتها وأدائها، وعلى رأس هؤلاء المتشككين فرنسا.
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في الدوحة، إن دور بلاده محايد وإن قطر دعت طالبان إلى التحاور مع المجتمع الدولي.
ويعتقد مراقبون أن قطر تمضي في الإيحاء بأن طالبان جهة سياسية ناضجة وأن لدى قياداتها قدرة على المناورة تمكنها من تقديم ضمانات ووعود إلى المجتمع الدولي، والالتزام بالشروط التي يدعوها الجميع إلى الالتزام بها، وخاصة ما تعلق بمنع تنفيذ محاكمات صورية وتصفية خصومها السياسيين والعسكريين، واحترام حرية الإعلام وحرية التدين الذي يتعارض مع النظرة الدينية المتشددة للحركة، وخاصة احترام حقوق النساء في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، في الوقت الذي تدافع فيه الحركة عن فكرة أن المرأة وجدت لتبقى في البيت.
قطر تمضي في الإيحاء بأن طالبان حركة ناضجة ولدى قياداتها قدرة على المناورة تمكنها من تقديم ضمانات ووعود إلى المجتمع الدولي
ويقدم وزير الخارجية القطري نفسه كوسيط محايد بين الغرب وطالبان، وأنه راح إلى كابول وعاد ليقول إن الأمور عادية، وإنه أقنع قادة طالبان -الذين يوجد أغلبهم على لوائح الإرهاب- بالحوار مع المجتمع الدولي، وإنه عاد ومعه رسائل هؤلاء إلى الغرب.
ويستفيد الشيخ محمد بن عبدالرحمن في تأمين دور الوساطة الذي يريد أن يلعبه بين طالبان وخصومها الغربيين من حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا يريدون العودة إلى أفغانستان والحفاظ على مصالحهم بدل تسليم البلاد إلى الصين وقوى إقليمية، لكن شريطة أن يتلقوا إشارات تعاون من الحركة، ولو في شكل تصريحات فضفاضة بشأن المسائل التي برروا بها تدخلهم العسكري في السابق، كنوع من الغطاء الأخلاقي والسياسي مقابل الانفتاح على نظام طالبان الجديد والتعاون معه.
ومن الواضح أن وزير الخارجية القطري عاد من عند طالبان وعلى أجندته طمأنة الغربيين بأن الحركة جاهزة لتقديم تلك الضمانات، وخاصة ما تعلق بأوضاع النساء، وهذا موجه بصفة خاصة إلى الذين يظهرون بعض الشكوك مثل فرنسا. لكن دون أن يكون الهدف من وراء ذلك الإقناع تحصيل اعتراف سريع أو الحصول على مواقف حاسمة.
وقال وزير خارجية فرنسا إن هناك أسئلة حول تعهدات طالبان بشأن تعليم النساء ومنحهن حقوقهن. وأكد أن “عددًا قليلا جدا” من الرعايا الفرنسيين -يقدر بالعشرات- مازال عالقا في أفغانستان.
ومن مصلحة طالبان أن يبقى الموقف ضبابيا إلى حين قدرتها على الإمساك بالوضع والسيطرة على الجيوب التي تبقت لخصومها عسكريا وسياسيا، ثم التحضير لعرض شروطها على الآخر لتحصيل الاعتراف.
وقال الشيخ محمد بن عبدالرحمن الاثنين إن بلاده حثت حكام حركة طالبان على احترام حقوق المرأة وإن من السابق لأوانه الاعتراف بحكومتهم. وأضاف “نؤكد دائما ونحث طالبان والحكومة أيضا، وأكدنا ذلك في رسالتنا أمس (الأحد)، يجب المحافظة على مكتسبات الشعب الأفغاني والتأكيد على أهمية احترام المرأة ودورها في التنمية في أفغانستان”.
والتقى الشيخ محمد برئيس وزراء حكومة طالبان ومسؤولين كبار آخرين في كابول الأحد. وقال إن طالبان أبلغت المسؤولين القطريين برغبتها في التواصل مع المجتمع الدولي وإعادة فتح السفارات التي أغلقت أبوابها بعد سيطرة الحركة على كابول.
وأضاف الشيخ محمد “نعتقد أن الإصرار على مسألة الاعتراف في الوقت الحالي لن يكون مفيدا لأحد. ما نعتقد أنه يمكن أن يكون مفيدا وبناء بدرجة أكبر هو الانخراط معهم للتأكد من تنفيذ الالتزامات التي تعهدوا بها”. وتتمتع قطر بنفوذ كبير لدى طالبان وقد لعبت دورا محوريا في الجسر الجوي الذي قادته الولايات المتحدة لإجلاء رعاياها ومواطني دول أخرى وأفغان ممن تعاونوا مع الدول الغربية.
ويعتقد المراقبون أن الخطاب السياسي الجديد لطالبان -القائم على إظهار الرغبة في الانفتاح على الغرب والتعاون مع فرقاء أفغان آخرين لتشكيل حكومة جماعية، وتبديد المخاوف بشأن مواضيع مثل وضع المرأة- هو نتيجة نصائح قطرية هادفة إلى إظهار قدرة الدوحة على التأثير على الحركة وجلبها إلى مربع الاعتدال والتعامل مع الغرب، والتعبير عن استعدادها لمواجهة الإرهاب مثلما جرى بعد هجوم داعش – خراسان على المطار.
ويشير هؤلاء إلى أن أهم نقطة بالنسبة إلى قطر هي جر طالبان إلى تبني الخطاب الذي يريده الغرب بشأن الموقف من الإرهاب والتعبير عن استعدادها لأن تكون في صف التحالف الدولي لمواجهة داعش، وهو ما جرى على ألسنة بعض قادة طالبان بعد التفجيرات التي حدثت في مطار كابول وتبناها تنظيم داعش – خراسان.
وتستضيف العاصمة الدوحة المكتب السياسي لطالبان الذي أشرف على المفاوضات مع الولايات المتحدة التي أدت في النهاية إلى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
وخلال فترة حكمها السابق بين عامي 1996 و2001 فرضت طالبان قيودا شديدة على حقوق النساء، منها منعهن من التعليم والعمل، وهناك مخاوف من احتمال قيام الحركة بذلك مرة أخرى بعد عودتها إلى السلطة الشهر الماضي إثر انهيار الحكومة المدعومة من الغرب وانسحاب القوات الأجنبية.
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي عن شكره لدولة قطر على دورها في دعم وتعزيز عملية السلام في أفغانستان، وذلك خلال استقباله من قبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
العرب