أعلن اللواء غلام رضا سليماني رئيس منظمة الباسيج التي تخضع لإشراف الحرس الثوري في إيران، أنّ بلاده تجهز جيشا إلكترونيا للعمل في الفضاء الإلكتروني، وذلك لـ”مواجهة أعداء إيران”.
وكشف سليماني الذي كان يتحدث في حفل للقادة السياسيين للقوات المسلحة الإيرانية الأحد الماضي عن استراتيجية منظمة الباسيج في الفضاء الإلكتروني مؤكدا أنها “خصصت حوالي عشرة معسكرات لتدريب ثمانية ملايين شاب ثوري مؤمن ومجتهد”، مؤكدا أنّ منظمته تسعى لجلب 35 مليون شخص إلى ساحة التأثير في الفضاء الإلكتروني، معلنا تخصيص معسكرين “للتدريب والتوجيه السياسي”.
وأقام قـادة الحرس الثوري معسكرات في الفضاء السيبراني مهمتها إدارة الحرب الناعمة وشغلوها لسنوات ولا يقدمون عادة تفاصيل حول أنشطتها وميزانياتها. وسبق لسليماني، أن أعلن عام 2019 عن تشكيل 1000 كتيبة سيبرانية للسيطرة على البيئة الاجتماعية.
ومن الناحية العسكرية فإن قوام كل كتيبة حوالي 500 شخص، وبالتالي فإن تشكيل ألف كتيبة إلكترونية يعني تجنيد نصف مليون شخص لمراقبة الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي التي تخشاها السلطات الإيرانية لدورها المحوري في الاحتجاجات الشعبية.
مهند السماوي: الأثر الكلي لانتشار الحسابات المزيفة التي تقوم ببث الأخبار المضللة مدمر
ولم يذكر سليماني حجم ومصدر التمويل الذي استخدمته منظمة الباسيج لتنظيم نصف مليون شخص، لكنه أكد على أن هذه الكتائب السيبرانية “مكونة من شباب لديهم دوافع وحماس وتخصص في الفضاء الإلكتروني”.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي قام في يوليو 2019، بإقالة غلام حسين غيب برور، وعيّن خلفه غلام رضا سليماني قائدا للباسيج.
ودعا خامنئي القائد الجديد للباسيج إلى “العمل على تطوير ثقافة التعبئة والمقاومة وتهيئة الأرضية اللازمة للإبداع لدى عناصر الباسيج خاصة الفتيان والشبان من أجل تعميق وصيانة القيم الثورية وتواجدهم المنظم لتلبية حاجات الميدان”، بحسب وكالة الأنباء الايرانية الرسمية “إرنا”.
وأضافت الوكالة أن خامنئي حثَّ أيضاً على ما وصفه بـ“توسيع المجاميع الجهادية وتعزيز وجود قوات الباسيج بين شرائح المجتمع بالتعاون مع قوات الحرس الثوري وباقي مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية”.
وأعلن قائد منظمة الباسيج “أن عصر اللعب في الفضاء الإلكتروني قد انتهى”، مشيرا إلى ما أسماه قرب تطبيق “برامج متنوعة لتنظيم الفضاء السيبراني”. وكان سليماني قد قال في وقت سابق إن وجود الباسيج في الفضاء الإلكتروني “أوسع بكثير مما يتخيله الأعداء ولسنا بحاجة إلى حساب مزيف”.
وانتقد خامنئي مرارا وتكرارا وضع الفضاء الإلكتروني في إيران في السنوات الأخيرة، داعيا إلى إدارته وقال إنه لا ينبغي السماح لـ”العدو” بـ”التآمر” عبر الفضاء الإلكتروني.
ولا يعرف إن كان الجيش الإلكتروني يدار من دول عربية أو من إيران نفسها. وسبق أن كشفت تقارير إعلامية كيف يشكّل حزب الله اللبناني جيوشه الإلكترونية عبر تجنيد الآلاف من الناشطين من العراق وسوريا والبحرين والسعودية لإدارة عمليات التضليل الإعلامي، ونشر دعايته والترويج للأجندة الإيرانية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقوم حزب الله منذ عام 2012 بنقل أفراد إلى لبنان لتدريبهم على طريقة التلاعب بالصور وإدارة أعداد كبيرة من الحسابات المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي وتصوير أفلام فيديو وتجنب الرقابة على فيسبوك وبالضرورة نشر التضليل على الإنترنت.
واستخدمت الجيوش الإلكترونية هذه أسلوبا واحدا وهو بناء شبكات من الحسابات الوهمية تقوم بتضخيم نفس الرسالة من خلال الإعجاب والتعليق والمشاركة وغير ذلك من المنشورات.
غلام رضا سليماني يكشف أن بلاده تجهز جيشا إلكترونيا للعمل في الفضاء الإلكتروني وذلك لـ”مواجهة أعداء إيران”
ويقول مهند السماوي مدير مركز الإعلام الرقمي العراقي إن أثر شبكات الأخبار الزائفة على الشرق الأوسط أكبر من أوروبا والولايات المتحدة التي تملك إعلاما ومؤسسات إعلامية قوية. وقال “الأثر الكلي لانتشار الحسابات المزيفة التي تقوم ببث الأخبار المضللة مدمر. ويزداد الأمر سوءا كل يوم”.
ويرى جويل جولهان محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة ريسك الاستشارية، أن “حزب الله أثبت قدرته على تقديم الدعم للجماعات والميليشيات التي تدور في فلك إيران في المنطقة بطرق متعددة لسنوات”. كما اعتبر أن “استخدام المعلومات المضللة لتعطيل وتقويض الحقيقة يهدف إلى دفع الناس لفقدان الثقة، فضلا عن تنشيط المشاعر السلبية حول قضايا معينة”.
ويقول مراقبون إن الدعاية الإيرانية المعاصرة “دعاية عقائدية أيديولوجية” موجّهة للعرب والمسلمين بشكل رئيسي، كونها تريد الاستحواذ على العقيدة الإسلامية، والسيطرة والهيمنة السياسية والجغرافية في الدول العربية التي تتواجد فيها قطاعات واسعة من المسلمين وهي تندرج ضمن الحرب الناعمة. وسبق أن عرف خامنئي الحرب الناعمة بأنها حرب بواسطة الأدوات الثقافيّة.
وهذا الخطاب مألوف أين يكثر الدجل باسم الدين لتغييب وعي الشعوب؛ لأن الشعوب المغيب وعيها سهلة القيادة. ويعكس الأمر بوضوح استخدام إيران الدراسات النفسية وربطها بحروبها السيبرانية في المنطقة العربية.
وتلعب الدعاية كإحدى أدوات “الحرب الناعمة” دورا كبيرا في إجبار الشعوب على تغيير قناعاتها بالشكل الذي يخدم مصالح إيران. وتوظف إيران ميزانيات مالية ضخمة لوسائل الدعاية والإعلام، وتمتلك أيضاالعشرات من القنوات الفضائية الناطقة باللغات العربية.
واعترف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بتدخله في الشؤون العربية وقال “إن بسط السلام والاستقرار واستئصال الإرهاب في الشرق الأوسط، يمر عبر الجمهورية الإسلامية”. ويقوم بصياغة الدعاية الإيرانية جهاز خاص يطلق عليه اسم “مجلس الخبراء والإرشاد وصياغة الدستور” ويتولّى قيادته المرشد الأعلى الإيراني.
وقال جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق إن “الإيرانيين خبراء محنكون في الإنترنت. ثمة عناصر في أجهزة المخابرات الإيرانية تتميز بالبراعة من حيث العمل” على الإنترنت.
منظمة الباسيج الإيرانية خصصت عشرة معسكرات لتدريب ثمانية ملايين شاب «ثوري مؤمن ومجتهد»
وفي الآونة الأخيرة انتهج أعضاء البرلمان الإيراني خطة لتقييد الإنترنت في البلاد تُعرف باسم خطة “حماية حقوق مستخدمي الفضاء الإلكتروني”، والتي تسعى، بالإضافة إلى تكثيف التصفية والرقابة على مستخدمي مواقع التواصل في إيران، لفرض المزيد من القيود على مواقع التواصل.
وقوبل القانون بانتقادات واسعة من قبل نشطاء ونخب وسياسيين. ويقول المتحدث باسم اللجنة الثقافية في البرلمان محمد نصيراي “أؤيد المشروع لأننا لا بد أن نحدد إطارا في عالم لا حدود له لتنظيم الفوضى”.
وتحجب إيران العديد من منصات التواصل الاجتماعي من بينها تويتر وفيسبوك وتلغرام، فيما يضطر الإيرانيون إلى استخدام برامج لتجاوز الحجب والمعروف بـ”في.بي.إن”. وفي الوقت ذاته يستخدم كبار الم سؤولين في طهران الشبكات المحجوبة. وصنفت منظمة فريدوم هاوس في تقريرها لعام 2020 إيران كواحدة في حرية الإنترنت.
صحيفة العرب