الرياض – قالت أوساط خليجية مطلعة إن السعودية تسعى للحصول على بديل لمنظومتي صواريخ ثاد وباتريوت التي سحبتها واشنطن من مواقع سعودية حيوية هذا الشهر، وإن عينها قد تكون على منظومة الصواريخ الروسية أس – 400 المتطورة، وإن الاحتفال اللافت الذي صاحب إرسال منظومة صواريخ باتريوت يونانية مستأجرة إشارة أخرى إلى غضب سعودي من الموقف الأميركي.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن إنشاء المملكة لهيئة خاصة بالتطوير الدفاعي، وإنْ لم تفصح عن طبيعتها، تظهر أنها ستتحرك بجدية للحصول على ما تريده من أسلحة متطورة للحفاظ على التوازن العسكري الإقليمي خاصة مع إيران التي تهدد أمنها القومي من أكثر من جهة.
أحمد العوهلي: دعم غير محدود لقطاع الصناعات العسكرية في السعودية
وأضافت أن السعودية تريد الحفاظ على علاقة متينة مع واشنطن، على ألا يعيق ذلك مساعيها للحصول على ما تحتاجه من أسلحة نوعية للدفاع عن أمنها، وأن السعوديين لم يفهموا إلى الآن كيف تتولى واشنطن سحب بطاريات ثاد وباتريوت متمركزة في المنطقة في الوقت الذي يتعرض فيه أمنهم القومي للخطر خاصة مع هجمات حوثية متواصلة تعتمد على صواريخ باليستية ومسيّرات مفخخة.
وعلى مدار الأعوام الأخيرة يستخدم الحوثيون الطائرات المسيّرة المفخخة في ضرب أهداف مدنية واقتصادية داخل الأراضي السعودية، ووجهت إيران، بشكل مباشر أو من خلال ميليشياتها، ضربة صاروخية قاسية لمنشآت أبقيق النفطية عام 2019 في المنطقة الشرقية.
ووافق مجلس الوزراء السعودي برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الثلاثاء على إنشاء “الهيئة العامة للتطوير الدفاعي” بهدف التطوير في مجالات الأنظمة الدفاعية.
وبحسب بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية فإن الهيئة “تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الوزراء”. وتهدف إلى “تحديد أهداف أنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنية والأنظمة الدفاعية ووضع سياساتها واستراتيجياتها”.
وقررت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب أربع بطاريات صواريخ ثاد وباتريوت مع طواقمها من السعودية بعدما اعتبرت أنّ التهديد الذي تمثّله إيران على مصالح الولايات المتّحدة في المنطقة قد تراجع، وهو التوجه الذي حافظت عليه إدارة جو بايدن دون مراعاة لأمن المملكة وللمصالح المتبادلة.
ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن السعودية ستتجه إلى روسيا باعتبارها البديل المنطقي الوحيد أمامها لتعويض منظومة صواريخ ثاد وباتريوت معا بمنظومة صواريخ أس – 400 المتطورة.
كريستيان أولريشن: واشنطن ليست ملتزمة تجاه الخليج كما كانت في السابق
وفي حال أقدمت السعودية على شراء أس – 400 الروسية، فإن من المتوقع أن يثير قرارها أزمة مع الولايات المتحدة شبيهة بما جرى بين واشنطن وأنقرة خلال السنوات الماضية بعد أن قررت تركيا شراء الصواريخ الروسية ووضعها قيد الخدمة في منظومة دفاعية هجينة تتبع في جزء منها لحلف الناتو.
وخلال مارس الماضي ربطت مصادر خليجية زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى المنطقة، والتي جاءت في ذروة التوتر بين الرياض وواشنطن، بالسعي السعودي للتفاوض بشأن منظومة الصواريخ الروسية، مشيرة إلى أن المجال ملائم لمثل هذه الصفقة خاصة من الجانب السعودي بعد قرار إدارة بايدن تعليق بيع الأسلحة للإمارات والسعودية.
ويقلل المتابعون من التحذيرات التي يطلقها خبراء ومحللون من تأثير الخطوة السعودية على العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، مذكرين بأنه حين فاجأت إيران المنطقة في منتصف الثمانينات بإطلاقها صواريخ سكود على العراق وتهديدها بأن الصواريخ قد تصل إلى الخليج، فجأة يتسرب خبر عن شراء السعودية لعدد غير محدد من صواريخ أرض – أرض صينية متوسطة المدى من طراز سي أس أس 2 (ريح الشرق) مع عدد من المنصات وبمدى يصل إلى 2500 كلم وبحشوة طنين وكانت تتفوق على سكود بالمدى والتأثير بشكل كبير.
ولم تتأثر السعودية وقتها بالضغوط الأميركية خاصة أن إدارة الرئيس رونالد ريغان قد قابلت التحدي الإيراني للعراق والخليج في البداية ببرود تام، وهو ما يعني أن لا شيء يمنع الرياض من تكرار هذا الموقف.
ويقول محللون سعوديون إن تطوير الصناعات العسكرية خيار استراتيجي لا تتدخل فيه المواقف أو الأحداث الجزئية كما لا تؤثر فيه الضغوط الإقليمية والدولية، وهو جزء من رؤية تطوير شاملة لوضع المملكة ومكانتها.
وشدد أحمد العوهلي محافظ الهيئة السعودية العامة للصناعات العسكرية على وجود دعم “غير محدود، ورعاية خاصة يحظى بهما قطاع الصناعات العسكرية” من قبل القيادة السعودية لأجل “تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للمملكة وتطوير قدراتها الصناعية العسكرية الوطنية، والسعي لتوطينها لتكون رافداً مهماً للاقتصاد السعودي”. وفي إجراء وقتي لجأت السعودية إلى اليونان لاستئجار بطاريات دفاع جوي موجهة تستخدم أنظمة صواريخ باتريوت.
l
ونشر رئيس الأركان اليوناني كونستيندينوس فلوروس عبر حسابه على تويتر صورا لحفل وداع المنظومة وقوات يونانية محدودة تابعة للجناح القتالي 114، على ما يبدو مشغلة لها. وقال فلوروس إن “مهمة المنظومة المرسلة إلى المملكة العربية السعودية ستعمل على الحفاظ على السلام والاستقرار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط”.
وبينما لا تزال عشرات الآلاف من القوات الأميركية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية تبدو كثقل يحقق التوازن ضد إيران، تشعر دول الخليج بالقلق بشأن الخطط المستقبلية للولايات المتحدة التي ترى تهديدا متزايدا في آسيا يتطلب تلك الدفاعات الصاروخية.
وقال الزميل الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس كريستيان أولريشن إن “التصورات مهمة سواء كانت متجذرة في واقع بارد أم لا.. والتصوّر واضح جدا بأن الولايات المتحدة ليست ملتزمة تجاه الخليج كما كانت في السابق، في وجهات نظر العديد من الأشخاص في سلطة صنع القرار في المنطقة”.
وأضاف أولريشن “من وجهة النظر السعودية يرون الآن أوباما وترامب وبايدن -ثلاثة رؤساء متعاقبين- يتخذون قرارات تدل إلى حد ما على التخلي”.
ورغم التأكيدات الأميركية التي تحاول إظهار أن الأمر ليس استهدافا للرياض ومصالحها، فقد قال الأمير السعودي تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، “أعتقد أننا في حاجة إلى طمأنة بشأن الالتزام الأميركي.. على سبيل المثال، عدم سحب صواريخ باتريوت من المملكة في وقت تتعرض فيه المملكة إلى هجمات صاروخية وهجمات بطائرات دون طيار، ليس فقط من اليمن، ولكن من إيران”.
العرب