لن تحقق المحادثات الإيرانية – السعودية الكثير من النجاح

لن تحقق المحادثات الإيرانية – السعودية الكثير من النجاح

تدور المباحثات بين السعودية وإيران، وتلك المباحثات أصبحت مثار قلق لدى بعض حلفاء السعودية في المنطقة. وبصرف النظر عن التوجس والخوف حول احتمال تحسن العلاقات بين أكبر خصمين في المنطقة، فإن الميليشيات الموالية لإيران في كل مكان تحتفل بـ”انتصار” إيران على السعودية. وفي حقيقة الأمر، لا يوجد في الساحة أي نوع من أنواع الانتصارات.

فقد استضاف العراق جلستين من المحادثات في شهري أبريل ومايو الماضيين، ومن المرجح أن تحتضن عُمان الاجتماع الثالث الذي لم يتم تحديده حتى الآن. غير أن اختيار سلطنة عُمان، وهي الوسيط التقليدي في المنطقة، يبشّر بالخير لإحراز تقدم. لكن سيكون من المبكر تحديد الفائز والخاسر. وقد قال مسؤولون إيرانيون إن المحادثات “حققت تقدما جيدا” لكنهم حذروا من أن بعض القضايا “قد تكون لها تعقيدات تستغرق وقتا لحلها” دون تحديد ماهية تلك القضايا المتنازع عليها.

لكن لا يوجد غموض في المسألة. حيث تستند سياسة إيران الإقليمية على عدائها الأيديولوجي الذي لا يتزحزح تجاه الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، وقد شعرت إيران منذ فترة طويلة أن العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة تمر بمرحلة يسر وسهولة. وبالنسبة إلى طهران، فإن وجود القوات الأميركية في الخليج والشرق الأوسط هو أمر لا يمكن السكوت عنه أو التسامح معه. كما أن اتفاقيات إبراهيم، التي أقامت علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، زادت من اشتعال الغضب الإيراني.

ومن المفيد لإيران إظهار تبرمها من وجود القوات الأميركية، كما أن طهران ترى في انسحاب القوات الأميركية فرصة لتغيير الهيكلية الأمنية ​​في المنطقة. ومع انسحاب الولايات المتحدة، تقوم إيران بملء الفراغ والتنمر على جيرانها العرب. وتتفق بعض الأصوات الأميركية على أن الوجود الأميركي في الخليج – الذي يعود إلى فترة رئاسة كارتر بعد الإطاحة بالشاه عام 1979- قد ولى زمانه. فقد كتب السيناتور كريس مورفي في مجلة فورين أفيرز، أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لمغادرة المنطقة وتسليم المفاتيح إلى إيران.

من المفيد لإيران إظهار تبرمها من وجود القوات الأميركية، كما أن طهران ترى في انسحاب القوات الأميركية فرصة لتغيير الهيكلية الأمنية ​​في المنطقة. ومع انسحاب الولايات المتحدة، تقوم إيران بملء الفراغ والتنمر على جيرانها العرب

وينتهز المسؤولون الإيرانيون أي فرصة لترديد وجهة النظر هذه. ففي المؤتمر السابع الذي يعقد كل سنتين حول الندوة البحرية للمحيط الهندي، والذي عقد في يونيو في مايوت وريونيون، وهما جزيرتان تحت الإدارة الفرنسية بالقرب من مدغشقر، التقى قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حسين خانزادي بنظيره الفرنسي بيير فاندييه. وبحسب وسائل إعلام إيرانية، فقد أوضح خانزادي موقف بلاده، حيث قال “إن الأمن البحري في أي منطقة أمر سيادي في المقام الأول، لذلك يجب على القوات البحرية الأميركية والأوروبية أن تبتعد عن المياه القريبة من الساحل الجنوبي لإيران”.

وكدولة ذات سيادة، تملك إيران الحق في فرض سُلطتها على أراضيها، لكن ذلك يمتد لمسافة 12 ميلا بحريا فقط من شواطئها. ولا تملك طهران أي سلطة لمنع أو عرقلة أو حتى الاحتجاج ضد سفن أي دولة أخرى تُبحر في المياه الدولية أو المياه الإقليمية.

وهناك سببان لهذ التقارب السعودي – الإيراني المفترض. أولا، هناك احتمال إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، والمعروفة أكثر باسم الاتفاق النووي الإيراني. فلطالما عارضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ذلك الاتفاق، لكن يبدو أنهما استسلمتا للأمر الواقع مع قيام إدارة جو بايدن بإعادته مرة أخرى. وكانت المفاوضات تُعقد في فيينا حتى عندما كان السعوديون والإيرانيون يجتمعون في العراق. وتحتاج إيران إلى إقناع جيرانها الخليجيين بأن برنامجها النووي سلمي بالكامل.

ثم هناك قضية اليمن التي كانت محور الجولتين الأولى في المحادثات، حيث أنفقت المملكة العربية السعودية الكثير من الموارد في حربها في اليمن لمدة ست سنوات من دون أي عائد. وببساطة، السعوديون في أمس الحاجة إلى مخرج من اليمن. نظرا لأن المزاج السائد في إدارة بايدن لا يمكن التنبؤ به، بعكس إدارة سلفه دونالد ترامب، وعليه لا مناص للسعوديين من تجربة خيار آخر. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تحقق المحادثات الكثير إذا استمرت إيران في تجاهل محدودية سُلطاتها.

دول العالم لم تعد تعترف بإيران كدولة تلعب دور الشرطي في المنطقة. وبينما بدأ النظام الجديد في طهران في زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار في المنطقة، قامت القوى الكبرى في العالم بتعزيز وجودها في الخليج

وقد أدت الإطاحة بالشاه عام 1979 إلى تفكك التحالف الإيراني – الأميركي. كما لم تعد دول العالم تعترف بإيران كدولة تلعب دور الشرطي في المنطقة. وبينما بدأ النظام الجديد في طهران في زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار في المنطقة، قامت القوى الكبرى في العالم بتعزيز وجودها في الخليج.

وكما هو واضح من الفوضى التي أحدثتها الميليشيات الموالية لإيران في اليمن ولبنان، فلا تزال إيران تطمح إلى استعادة مكانتها السابقة كقوة إقليمية رئيسية، ولكن ليس من خلال التعاون مع جيرانها العرب والغرب. بل تتمثل استراتيجيتها لتحقيق تلك الطموحات في الابتزاز والترهيب ورعاية الميليشيات وإثارة الحروب بالوكالة وإرسال طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات.

إن “التعقيدات” التي لم يتم تجاوزها والتي أشار إليها الإيرانيون بعد جلسات المحادثات السابقة مع السعوديين هي في واقع الأمر قضايا خالية من التعقيد تماماً: ببساطه يرغب الإيرانيون في خروج القوات الأميركية، والانفراد بالساحة وأن تصبح إيران هي القوة المسيطرة.

لكن إذا تمكنت إيران من تعديل وتحسين سلوكياتها كدولة ذات سيادة وليس كدولة ناشرة للثورات، وإذا تمكنت من احترام سيادة جيرانها والتخلي عن فكرة التوسع، فقد يكون من الممكن تحقيق تقدم غير مسبوق في الجولة التالية من المحادثات مع الرياض وبعد ذلك مع بقية دول العالم.

وعليه فمن المرجح أن تبقى جلسات المحادثات مجرد محادثات لا طائل منها، عبارة عن جولة أخرى من الجدل السياسي الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع. ويجب ألا نُمعن في التفاؤل فالحل لا يزال بعيد المنال.

العرب