ثمة شك فيما إذا كان خطاب الرئيس الأمريكي الذي ألقاه أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قد فاجأ أي سياسي في إسرائيل. في المواضيع الرئيسية، إيران والفلسطينيين، أعطى الرئيس الأمريكي شكلاً علنياً للرسائل التي تداولتها الغرف المغلقة منذ بضعة أشهر، وفي الحوار الذي يجري بين القدس وواشنطن. بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بدا العنوان المهم في الخطاب هو ذلك التصريح العلني الواضح لبايدن يقول فيه إن حلم الدولتين لم يعد قابلاً للتطبيق في هذه المرحلة، ونحتاج إلى “طريق طويلة” لتطبيقه.
هذا تصريح مهم لبينيت بشكل مضاعف، فقد زاد قدرة حكومته على البقاء وقلل الضغط الذي تستخدمه عليه أحزاب اليسار الشريكة في الائتلاف وضغط المجتمع الدولي للدفع قدماً بخطوات جوهرية أمام السلطة الفلسطينية.
تصريح بايدن العلني يعكس مصلحة ثلاثية: السلطة الفلسطينية، وحكومة بينيت، والإدارة الأمريكية، إذ لا توجد حاجة في السنوات القريبة القادمة للدفع قدماً بعملية سياسية. شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية توجهت لإسرائيل والولايات المتحدة وطلبت القيام بعدة خطوات اقتصادية “من تحت الرادار”، بدلاً من عملية سياسية علنية.
سبق لإسرائيل وصادقت على إضافة 15 ألف تصريح عمل، وزيادة مهمة في حصة تراخيص البناء للفلسطينيين، كمحاولة للتخفيف على الضائقة الاقتصادية التي تمر بها السلطة. وفي موازاة ذلك، طلبت الإدارة الأمريكية منذ تولي الرئيس الجديد لمنصبه في كانون الثاني الماضي، تحويل الانشغال بالشرق الأوسط لصالح مواجهة كورونا والأزمة مع الصين..
أما ما يتعلق بالموضوع الإيراني فلم يفاجئ بايدن إسرائيل برسائل جديدة. عملياً، تصريحه الرئيسي الذي يقول إن الولايات المتحدة تصمم على العودة إلى الاتفاق النووي إذا فعلت إيران ذلك، يدحرج الكرة نحو ملعب القيادة الجديدة في إيران. ولكن إسرائيل قدرت أمس بأن الإدارة الأمريكية، مثلما الحال في جهاز الاستخبارات في إسرائيل، لا توجد أي معلومات مؤكدة على صدق نية إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات لإعادة التوقيع على الاتفاق في نهاية العملية.
على الرغم من أن إيران تعطي إشارات مؤخراً عن استعدادها لإجراء المفاوضات، إلا أن مصدراً إسرائيلياً حذر من نية إيران إطالة المفاوضات مع الدول العظمى لفترة طويلة بصورة تسمح لها بالمضي في مشروعها النووي. على أي حال، قال مصدر سياسي مؤخراً إن إعادة التوقيع على الاتفاق النووي يمكن أن تساعد جهود إسرائيل في تعويق تخصيب اليورانيوم. وحسب قول المصدر، “إسرائيل لن تحطم الأدوات” إذا قررت الولايات المتحدة التوقيع على الاتفاق، لكنها تسعى إلى القيام بخطوات في قنوات أخرى ستصعب على نظام آية الله إنتاج سلاح قد يحمل رؤوساً نووية. وفي المقابل، يبقي إيران على مسافة ثابتة من تحولها إلى دولة حافة نووية.
ثمة قلق إسرائيلي قلقون من رفض الولايات المتحدة لطرح أي خيار عسكري علني يهدد إيران ويردعها عن الاستمرار في تطوير مشروعها النووي. وكرر الرئيس الأمريكي بايدن الالتزام بأن إيران لن تملك السلاح النووي، لكنه أشار في الوقت نفسه على طول خطابه، إلى أن الولايات المتحدة غير معنية بالسعي في الوقت الحالي لمواجهة عسكرية، بل التعاون بشروط سلمية.
خطوة من خطوات بايدن في خطابه أثارت مخاوف في إسرائيل، وهي أن الرئيس الأمريكي طلب فتح صفحة جديدة في علاقة بلاده مع الأمم المتحدة، بعد الخط الفظ الذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب. وأكد الالتزام بتعزيز التعاون بين الإدارة الأمريكية ودول العالم في سلسلة طويلة من المواضيع، منها مكافحة كورونا. ولكن يوجد للأمم المتحدة ومؤسساتها تحيز حاد ضد إسرائيل. وفي القدس يخشون من أن يعطي الاحتضان الدافئ لبايدن وزناً إشكالياً للقرارات المناوئة لإسرائيل التي سيتم اتخاذها في الأمم المتحدة.
بقلم: يونتان ليس
القدس العربي