إن استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي أبلغ عنه التلفزيون الإيراني أمس بأنه مسألة أسابيع، هو الآن بأيدي الطرف الإيراني. ويتوقع قبل ذلك إجراء اتصالات غير رسمية بين الطرفين على هامش القمة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة التي افتتحت أمس في نيويورك.
كان هذا القرار محط تساؤل بعد فوز إبراهيم رئيسي، ممثل المعسكر الصقوري والمحافظ جداً في الانتخابات. سبق للإدارة الأمريكية أن أعطت إشارات بأنها ستوافق على مفاوضات جديدة في اللحظة التي سيؤيد فيها الإيرانيون ذلك. السياسة الأمريكية تثير خيبة الأمل، لكنها بالتدريج تدفع للتسليم من قبل الطرف الإسرائيلي. طرحت تحفظات إسرائيل في اللقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الحكومة نفتالي بينيت الشهر الماضي في واشنطن وفي عدة لقاءات على المستويات المهنية.
في جزء من هذه المحادثات، أوصى الإسرائيليون الأمريكيين بتشديد النغمة، وعرض تهديد عسكري حقيقي ضد إيران إذا واصلت تطوير المشروع النووي. الإدارة الأمريكية، رغم الصداقة القريبة مع إسرائيل والعلاقات الجيدة بين المهنيين فيهما، لن تسارع في التأثر. بل العكس؛ جزء من رجال بايدن الذين كانوا مشاركين في بلورة الاتفاق النووي أيضاً في ظل الرئيس براك أوباما في 2015 ما زالوا يشرحون للإسرائيليين لماذا كان قرار الرئيس دونالد ترامب باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بداية العام 2020 شكل خطراً يجب الاعتذار عنه.
الظروف الآن بالنسبة لإسرائيل ليست مشجعة. جرى في الأشهر الأخيرة نقاش في القيادة السياسية والأمنية هنا حول مسألة ما إذا من الصحيح اعتبار إيران “دولة حافة” نووية. في مقال مطول نشر أول أمس عشية العيد (يوم الاثنين) في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قال رئيس الحكومة السابق إيهود باراك بأنه خلاف تم حسمه. “باحتمالية كبيرة، الخيول هربت من الإسطبل الآن. وإيران تجاوزت نقطة اللاعودة باتجاه كونها دولة حافة نووية”، قال.
وأضاف باراك بأنه “من ناحية القدرة على التوصل إلى السلاح النووي، لا فرق بين دولة حافة نووية ودولة نووية. “دولة الحافة” قد تكون دولة نووية بحوزتها سلاحاً نووياً، لكنها لا تمتلكه بشكل مجتمع وجاهز للاستخدام الفوري، بل بشكل منفصل؛ بحيث إن تحويله إلى سلاح يحتاج إلى زمن، بضع ساعات أو بضعة أشهر. ولكن إذا أرادت الحكومة… فإن دولة الحافة بالإجمال هي وسيلة دبلوماسية في أيدي القيادة السياسية من أجل التعتيم على الوضع المعلن لديها وزيادة المرونة وحرية العمل السياسي. هذا لا يشكل نصف عزاء بخصوص تقدم إيران نحو القنبلة النووية”.
وتطرق باراك في أقواله إلى الطريق الطويلة التي سارتها إيران مؤخراً في تخصيب اليورانيوم. وانسحاب ترامب من الاتفاق في أيار 2018 أدى إلى استئناف الخروقات الإيرانية بعد نحو سنة. في الأسبوع الماضي نشرت “نيويورك تايمز” استناداً إلى خبراء في معهد الأبحاث الأمريكي، بأن إيران على بعد شهر أو شهرين من الحصول على يورانيوم مخصب بكمية (حتى لو لم تكن بمستوى التخصيب) تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة.
بعد هذا المستوى، ما زال مطلوبا إنتاج رأس نووي متفجر (أي تحويل الكمية إلى سلاح)، لكن تقدير باراك بأن الفترة الزمنية المطلوبة أقصر من تقديرات الأمن الإسرائيلي، التي تتحدث عن فترة سنة أو سنتين.
وقال باراك إن تقدم إيران يعكس فشلاً مطلقاً لسياسة ترامب ونتنياهو. وهو محق. نتنياهو كان يأمل أن ضغطاً أمريكياً بالحد الأعلى، سواء بفرض عقوبات شديدة على إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق، سيؤدي في نهاية المطاف إلى نتيجة من اثنتين، إما انهيار النظام من الداخل، أو تصادم شديد مع الولايات المتحدة يؤدي إلى قصف أمريكي للمنشآت النووية، ولكن ما حدث هو العكس؛ فالإيرانيون صمموا على التمسك بالمشروع وخرق الاتفاق. وهم الآن يتقدمون نحو المفاوضات مع الدول العظمى من موقف قوة.
مع ذلك، يجب التذكير بنقطتين لم تظهرا في المقال: الأولى أن ثمة عداء كبيراً بين الشركاء السياسيين السابقين، باراك ونتنياهو، حيث كان باراك من المؤيدين البارزين لحركة الاحتجاج التي طالبت نتنياهو بالاستقالة من منصبه على خلفية تقديم لوائح اتهام ضده. أما الثانية فهي أن توافقاً حول الموضوع الإيراني ساد بين الاثنين في الأعوام 2009 – 2012 عندما شغل باراك منصب وزير الدفاع في حكومة نتنياهو. وضغطا من أجل الدفع قدماً بهجوم إسرائيلي مستقل ضد المنشآت النووية. والمعارضة الأمريكية إضافة إلى تحفظات شديدة لرؤساء الأجهزة الأمنية في حينه هي التي كانت قد منعت تنفيذ هذه العملية، وبأثر رجعي ثارت أيضاً أسئلة حول درجة النية الحقيقية لهما بإعطاء أوامر للقيام بالهجوم. في خريف 2011 تمت دعوتنا أنا وألوف بن، محرر “هآرتس”، إلى لقاء طويل في مكتب وزير الدفاع. عند انتهاء اللقاء في وقت متأخر من الليل، خرجنا من هناك مع مشاعر ثقيلة بأن قرار مهاجمة إيران تقريباً متفق عليه بينه وبين نتنياهو. وعندها انتبهنا إلى رمزية التاريخ، وهو 5 تشرين الأول، عشية الذكرى السنوية لحرب يوم الغفران.
النهاية معروفة. الأمريكيون ضغطوا، والجنرالات في إسرائيل عارضوا، ونتنياهو وباراك أجلا القرار لسنة أخرى. بعد ذلك، في صيف 2012، تكررت القصة ولم يتم اتخاذ قرار الهجوم. في هذه الأثناء تشاجر الاثنان معاً، بل اتهم نتنياهو باراك بأنه توصل إلى تفاهمات مع إدارة أوباما من وراء ظهره لوقف احتمالية الهجوم. بعد فترة قصيرة، انسحب باراك من الحياة السياسية، وواصل نتنياهو التحريض ضد الاتفاق مع إيران، ووجد نفسه في مواجهة علنية عنيفة مع إدارة أوباما بشأن التوقيع على الاتفاق صيف 2015. الآن، عندما كشف عن فشل سياسته على الملأ، فإنه ينشغل في تصوير أفلام فيديو طفولية ضد بينيت وبايدن.
ما الوضع الآن؟ إذا كان باراك على حق، وباتت إيران في مكانة دولة “حافة نووية”، فستكون إسرائيل بحاجة إلى إعادة تحليل وفحص التهديد الإيراني ضدها وطرق مواجهته. وعلى الرغم من تصريحات شخصيات رفيعة في إسرائيل، إلا أن الخيار العسكري المستقل ضد إيران خارج الأجندة الآن. الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى أن يعود ويبني هذه القدرة من جديد، التي كانت حتى في ذروتها جزئية، قبل سيناريو متطرف تتجاهل فيه الاتفاقات مرة أخرى، وتكمل في هذه المرة عملية إنتاج السلاح النووي.
بقلم: عاموس هرئيل
القدس العربي