أنقرة – شهدت مدن تركية خلال الأسابيع الماضية موجة عنف تجاه اللاجئين السوريين، مع ازدياد المشاعر المعادية لهم في تركيا، ورغم أن أنقرة رحبت باللاجئين الفارين من الصراع الطويل في سوريا المجاورة بأذرع مفتوحة، إلا أن المواقف العدائية ضدهم ازدادت قسوة بالتدريج مع تضخم عدد الوافدين الجدد.
وتقترب المشاعر المعادية للمهاجرين الآن من نقطة الغليان، تغذيها المشكلات الاقتصادية في تركيا، حيث حوّل العديد من الأتراك إحباطهم تجاه ما يقرب من 5 ملايين مقيم أجنبي في البلاد، ولاسيما 3.7 مليون شخص فروا من الحرب الأهلية في سوريا، مع ارتفاع معدلات البطالة والارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية والإسكان.
وتعتقد فاطمة الزهراء شون أن الجيران هاجموها هي وابنها في مسكنها في إسطنبول لأنها سورية.
وواجهت اللاجئة البالغة من العمر 32 عاما من حلب في مطلع سبتمبر امرأة تركية سألتها عما تفعله في “بلدنا”. أجابت شون، “من أنت لتقولي لي هذا؟” وتصاعد الموقف بسرعة.
المشاعر المعادية للمهاجرين تقترب الآن من نقطة الغليان تغذيها المشكلات الاقتصادية المتفاقمة في تركيا
وتذكرت أن رجلا خرج من شقة المرأة التركية وهدد بقطع شون وعائلتها “إلى أشلاء”. وانضمت جارة أخرى إلى الصدام وهي تصرخ وتضرب شون. ثم دفعتها المجموعة إلى أسفل درج. وقالت شون إن ابنها عمرو البالغ من العمر 10 سنوات، تعرض للضرب أيضا عندما حاول التدخل. ولا تشك في أن العنصرية هي الدافع وراء العدوان.
واندلعت أعمال عنف في العاصمة التركية أنقرة في أغسطس، حيث خرّب حشد غاضب الأعمال والمنازل السورية ردّا على حادث طعن قُتل فيه مراهق تركي.
ووصف سليم سازاك، الباحث الزائر المتخصص في الشؤون الأمنية الدولية بجامعة بيلكنت في أنقرة ومستشار المسؤولين من “حزب الخير” المعارض، وصول العديد من اللاجئين بأنه استيعاب “دولة أجنبية تختلف عرقيا وثقافيا ولغويا… اعتقد الجميع أن الأمر سيكون مؤقتا، لكن الشعب التركي أدرك في الآونة الأخيرة أن هؤلاء الناس لن يعودوا. لقد فهم الأتراك مؤخرا فقط أنه يتعين عليهم أن يصبحوا جيرانا ومنافسين اقتصاديين وزملاء مع هذه المجموعة من السكان الأجانب”.
وأقر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في زيارة حديثة إلى تركيا، بأن ارتفاع عدد اللاجئين قد خلق توترات اجتماعية، لاسيما في مدن البلاد الكبرى. وحث “الدول المانحة والمنظمات الدولية على بذل المزيد من الجهد لمساعدة تركيا”.
وعزز احتمال حدوث تدفق جديد للاجئين في أعقاب استيلاء طالبان على أفغانستان الاستياء العام. وأثارت مقاطع الفيديو يُزعم أنها تُظهر شبانا أفغانا يُهرّبون إلى تركيا من إيران غضبا عاما وأدت إلى دعوات للحكومة لحماية حدود البلاد. وتقول الحكومة إن هناك حوالي 300 ألف أفغاني في تركيا، يأمل بعضهم في مواصلة رحلاتهم للوصول إلى أوروبا.
واعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دافع منذ فترة طويلة عن سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، مؤخرا “بقلق” الجمهور وتعهد بعدم السماح للبلاد بأن تصبح “مستودعا” للاجئين. وأرسلت حكومة أردوغان جنودا إلى حدود تركيا الشرقية التي تجمعها بإيران لوقف التدفق المتوقع للأفغان وتسريع بناء جدار حدودي.
وتتوقع الكاتبتان سوزان فرايزر وعائشة وايتينغ في تقرير لوكالة الأسوشيتد برس أن تصبح الهجرة موضوعا رئيسيا في الحملة الانتخابية على الرغم من أن الانتخابات العامة المقبلة في تركيا ما زالت على بعد عامين. وتعهد كل من حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير القومي بالعمل على تهيئة الظروف التي من شأنها أن تسمح بعودة اللاجئين السوريين.
وفي أعقاب أعمال العنف المناهضة للسوريين في منطقة ألتنداغ في أنقرة الشهر الماضي، زار أوميت أوزداغ السياسي اليميني الذي شكل مؤخرا حزبه الخاص المناهض للهجرة، المنطقة وهو يحمل حقيبة فارغة ويقول إن الوقت قد حان ليبدأ اللاجئون حزم أمتعتهم.
واندلعت أعمال الشغب في 11 أغسطس، بعد يوم من مقتل مراهق تركي طعنا في قتال مع مجموعة من الشباب السوريين. وتظاهر المئات من الأشخاص وهم يرددون شعارات مناهضة للمهاجرين وخربوا متاجر يديرها سوريون ورشقوا منازل اللاجئين بالحجارة.
وقالت امرأة سورية تبلغ من العمر 30 عاما وهي أم لأربعة أطفال، طلبت عدم ذكر اسمها خوفا من الانتقام، إن عائلتها حبست نفسها في الحمام عندما صعد أحد المهاجمين إلى الشرفة وحاول فتح الباب بالقوة. وأشارت المرأة إلى أن الحادثة أصابت ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات بصدمة وأن الفتاة تعاني من صعوبة في النوم ليلا.
ولا تزال بعض المتاجر في المنطقة مغلقة، ولا تزال آثار الاضطرابات ظاهرة على مصاريعها المعدنية المنبعجة. ونشرت الشرطة عدة سيارات وخراطيم مياه في الشوارع لمنع تكرار الاضطرابات.
وغالبا ما يُتهم السوريون بالفشل في الاندماج في تركيا، التي تجمعها علاقة معقدة بالعالم العربي منذ أيام الإمبراطورية العثمانية. وفي حين أن أغلبية المواطنين فيها مسلمون مثل سكان الدول العربية المجاورة، يتتبع الأتراك أصولهم إلى المحاربين الرحل من آسيا الوسطى وينتمون إلى مجموعة لغوية مختلفة عن العربية.
ويريد كريم باشا أوغلو وهو صاحب محل حلويات في إسطنبول، عودة السوريين إلى بلدهم، وهو منزعج من وجود لافتات مكتوبة باللغة العربية بدلا من التركية في بعض المتاجر في الشارع. واعتبر مجيء الأفغان صعبا للغاية بالنسبة للأتراك.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو هذا الشهر إن تركيا تعمل مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لإعادة السوريين إلى وطنهم بأمان.
أعمال عنف كانت قد اندلعت في العاصمة التركية، حيث خرّب حشد غاضب الأعمال والمنازل السورية ردّا على حادث طعن قُتل فيه مراهق تركي
وبينما استقر الوضع الأمني في أجزاء كثيرة من سوريا بعد عقد من الحرب، لا تزال التقارير تؤكد تواصل التجنيد الإجباري والاعتقالات العشوائية والاختفاء القسري. وخلال الشهر الحالي، قالت منظمة العفو الدولية إن بعض اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى ديارهم تعرضوا للاعتقال والاختفاء والتعذيب على أيدي قوات الأمن السورية، مما يثبت عدم أمن العودة إلى أي جزء من البلاد.
ويبدو أن تركيا هي الأخرى لم تعد ملاذا آمنا للاجئين، شأنها شأن سوريا التي لا يستطيعون العودة إليها.
وقالت شون إن الشرطة في إسطنبول لم تبد الكثير من التعاطف عندما أبلغت عن هجوم جيرانها، وإن الضباط أبقوها في المركز لساعات، بينما تمكن الجار الذي هددها وضربها من المغادرة بعد أن أدلى بإفادة مقتضبة.
وفرت شون من حلب في 2012، عندما أصبحت المدينة ساحة معركة بين قوات الحكومة السورية ومقاتلي المعارضة. وقالت إن والد أطفالها غرق أثناء محاولته الوصول إلى أوروبا. وتتساءل ما إذا كانت تركيا هي المكان المناسب لها ولأطفالها.
العرب