شدد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 18 سبتمبر الجاري على أن بلاده لن تسمح بتموضع تنظيم داعش خرسان، عند حدودها الشرقية مع أفغانستان، والتي باتت تحت سيطرة حركة طالبان. وجاءت هذه التصريحات على هامش مشاركة رئيسي في قمة منظمة شنجهاي للتعاون، في العاصمة الطاجيكية دوشنبه.
مؤشرات على تصاعد الخلافات
لم يتضح بعد شكل العلاقات بين إيران وحركة طالبان، وفي حين تصدر مواقف من طهران مرحبة بطالبان، فإن هناك أصواتاً أخرى تشكك في سياسة الانفتاح على طالبان. وتعددت في الآونة الأخيرة مؤشرات على وجود خلاف بين إيران وطالبان، بما يقوي من موقف التيار الثاني المتشكك في سياسة التعاون مع طالبان، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- إدانة طهران لهجوم بانشجير: وجهت الخارجية الإيرانية إدانة للهجوم الذي قامت به حركة طالبان على آخر معقل للمعارضة المسلحة في أفغانستان بقيادة أحمد مسعود، في 6 سبتمبر الجاري، والتي على أثرها أعلنت الحركة السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية بعد أن كانت قد سيطرت على العاصمة كابول في 15 أغسطس الماضي.
وكانت إيران تعول على هذا الوادي، باعتبار أنه يمثل لها مدخلاً لدعم المعارضة المسلحة في مواجهة طالبان، خاصة أن طهران كانت الداعم التقليدي لما يسمى بـ”تحالف القبائل الشمالية” في أفغانستان، والتي يهيمن عليها قبائل شيعية وطاجيكية كانت على خلاف مع حركة طالبان خلال فترة حكمها الأولى في تسعينيات القرن الماضي. وبالتالي، فإن سيطرة طالبان على هذا الوادي قد حرمتها من توظيفه كورقة للضغط على الحركة.
إلى جانب هذا، فقد مثلت تلك المعركة أحد أوجه الخلاف بين إيران وباكستان حيال التطورات في أفغانستان، على أساس أن طهران وجهت انتقادات مباشرة لموقف إسلام آباد واتهمتها بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لطالبان، والذي ساعدها على السيطرة على الوادي.
2- غضب إيران من حكومة طالبان: بعثت إيران بتحذير غير مباشر، لحركة طالبان بعد إعلان الأخيرة الحكومة الجديدة في كابول، والتي تم فيها تقاسم الأدوار الرئيسية بين قدامي المحاربين في الحركة، وحلفائهم، من دون مشاركة أية شخصية محسوبة على إيران.
وقد أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في اتصال هاتفي 8 سبتمبر الجاري، للرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، عن أن أفغانستان لم تصل بعد إلى بر تحقيق السلام ما لم تتشكل حكومة “تقوم على الحوار بين جميع الفئات”، وصولاً إلى تشكيل حكومة شاملة “تعكس التركيبة العرقية والديموغرافية” لأفغانستان.
والواقع أن إيران كانت تصبو لتمثيل العرقيات الشيعية الموالية لها في أفغانستان، وعلى رأسها قبيلة الهزارة وقبائل أخرى، مثل الفرسيوان، قيزلباش والسيدز، في تكرار للنسخة العراقية من الحكومة، لضمان نفوذها ومصالحها في جارتها الشرقية.
وجدير بالذكر أن طالبان قامت بالرد، ضمناً وبشكل غير مباشر، على طهران، حيث صرح المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن الحكومة الجديدة، بأن “حكومتنا لن تقوم على أساس العرق. لن نسمح بهذا النوع من السياسة”.
3- تصاعد الخلاف حول حصة إيران المائية: تلوح في الأفق خلافات واضحة بين إيران وطالبان على تقاسم المياه المتدفقة من نهر “هلمند”، إذ تريد طهران الاحتفاظ بالحصة التقليدية من النهر الذي ينبع من أفغانستان، وهو الأمر الذي أصبح مستحيلاً مع انخفاض مستوى النهر بسبب الظروف المناخية، وإقامة بعض السدود عليه مثل سد “كمال خان” الذي افتتحه الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني في مارس 2021.
وتتهم السلطات الإيرانية حركة طالبان بعدم التعهد علناً وبشكل مباشر بتنفيذ التزامها بما كان تم إقراره كاتفاقية دولية بين الدولتين عام 1972 بشأن تقاسم مياه النهر، والسعي إلى استخدام المياه كورقة ضغط سياسية في علاقتها مع طهران.
وتُشير التقديرات إلى أن طالبان لا تستطيع أن تُقدم تنازلات على حساب ملايين الفلاحين الذين يعيشون على ضفاف نهار هلمند، لأن ذلك من شأنه أن يخلق نقمة شعبية ضد الحركة من قبل الطبقات الفلاحية، الموالية لها.
وفي المقابل، فإن تراجع مستويات تدفق المياه إلى الأراضي الإيرانية يشكل كارثة بيئية لكامل المناطق الشرقية من إيران، حيث أدى انخفاض مستويات التدفق إلى تراجع أشكال الحياة الزراعية والبيئة، وهجرة قرابة ثُلث سكان المناطق التي يخترقها النهر، وذلك وفقاً للتقديرات الحكومية.
4- القلق من إيواء طالبان جماعات إرهابية: تتخوف طهران من أن تتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن لإيواء الجماعات الإرهابية، مثل تنظيمي القاعدة وداعش، فضلاً عن إمكانية توظيف طالبان ورقة الإرهاب لإدارة علاقاتها بطهران، على نحو ما تفعل إيران نفسها.
وقد انعكست المخاوف الإيرانية في تصريحات أمير حسين عبد اللهيان، والذي أصبح وزيراً للخارجية الإيرانية، في لقائه المبعوث الصيني الخاص إلى أفغانستان 18 أغسطس الماضي، والتي أكد خلالها ضرورة منع وجود الجماعات الإرهابية في أفغانستان.
وبالتوازي مع ما سبق، فإن إيران تتحسب أيضاً من أن تعمل طالبان على التحالف مع الجماعات البلوشية المتمردة في محافظة سيستان وبلوشستان شرق إيران، وهو الإقليم الذي يعد مأوى للحركات السنية المناهضة للنظام في طهران.
أدوات طهران الأفغانية:
تمتلك إيران عدداً من الأوراق التي يمكن أن توظفها في إدارة علاقاتها بحركة طالبان، وهو ما يتمثل في التالي:
1- استخدام الميليشيات ضد طالبان: تسعى إيران للضغط على طالبان باستخدام الميليشيات الموالية لها، وعلى رأسها لواء فاطميون، والذي يضم الشيعة الأفغان الذين تم تدريبهم على يد الحرس الثوري الإيراني وتم استخدامهم في سوريا منذ العام 2012.
ويبدو أن إيران تسعى لتوحيد الميليشيات الشيعية كافة لها في أفغانستان في إطار تنظيمي واحد، يضمن الحد الأدنى من التنسيق فيما بينها، وهو ما اتضح في إعلان الصحف الإيرانية عن تشكيل تنظيم جديد في أفغانستان تحت مسمى “الحشد الشعبي”.
كما يمكن أن تقوم إيران بإحياء تحالف “قبائل الشمال”، خاصة أن إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الحالي، كان يتمتع بصلات قوية بأبناء أمراء الحرب السابقين مثل أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، وصلاح الدين رباني نجل برهان الدين رباني، في محاولة لتذكير طالبان، ومن ورائها باكستان، بأنه ما زال لديها نفوذ في أفغانستان.
2- الضغط بورقة النفط: طلبت الحركة استيراد النفط من إيران، في محاولة منها لتوفير احتياجات المواطنين ومواجهة ارتفاع الأسعار عقب حالة الاضطراب التي أصابت البلاد، وقامت طهران بدورها بتلبية طلب طالبان باستئناف تصدير النفط، في 23 أغسطس الماضي، ليس من أجل مساعدة الحركة بقدر ما هو أداة ضغط لنيل التزامات واضحة منها، حيث تدرك طهران أن حركة طالبان في أضعف لحظاتها. وليس من الواضح ما إذا كانت إيران سوف تتمكن من توظيف هذه الورقة مستقبلاً أم لا.
3- التعاون مع دول الجوار الأفغاني: تكثف إيران جهودها بالتنسيق مع دول الجوار الأفغاني، حيث عقد لقاء رباعي بين وزراء خارجية كل من روسيا والصين وباكستان وإيران، على هامش قمتي منظمة شنجهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي في عاصمة طاجيكستان دوشنبه 16 سبتمبر الجاري، لمناقشة سبل دعم السلام والاستقرار في أفغانستان.
ويأتي هذا التعاون في إطار محاولة طهران تشكيل تكتل دولي وإقليمي يمكنه الضغط على طالبان وتغيير بوصلتها، وبشكل يضمن ألا تتحول أفغانستان لساحة تهدد أمن هذه الأطراف.
وفي الختام، يمكن القول إن مسببات الخلاف بين إيران وطالبان لاتزال قائمة، إلا أن ظروف المرحلة التي تمر بها طالبان ورغبتها في استرضاء الأطراف الإقليمية والدولية لنيل الشرعية، قد يجعل تلك الخلافات مؤجلة مؤقتاً.
ومع ذلك، فإن اتجاه إيران خلال الفترة القادمة لاستقدام الميليشيات الموالية لها، وإرسالها إلى أفغانستان، سوف يلاقي رد فعل عنيفاً من طالبان وحليفتها باكستان، والتي لن تتورع حينها عن توظيف ورقة الإرهاب في مواجهة إيران.
ويظل هناك خيار أقل تكلفة لإيران، ولكنه أقل فاعلية، وهو مواصلة طهران التنسيق مع دول الجوار الأفغاني، لاسيما روسيا والصين من أجل ضبط سلوك حكومة طالبان، على نحو يكفل لها في النهاية الضغط على طالبان لاستيعاب مصالح طهران، وتحديداً الشيعة الهزارة.
المستقبل للدراسات