الأمير تركي الفيصل: على مستوى شخصي وسعودي، هذه روايتي عن طالبان

الأمير تركي الفيصل: على مستوى شخصي وسعودي، هذه روايتي عن طالبان

لندن – سعى الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق -في توقيت لافت للنظر- للنأي بنفسه وبالسعودية عن أيّ دور في صعود حركة طالبان، مشيرا إلى أنه استقال قبل عشرة أيام من أحداث سبتمبر 2001، وأن طالبان لا تتبنّى التفسير السعودي للشريعة الإسلامية، وأنها تنتمي إلى مدرسة الديوبندية المغايرة تماما لأفكار محمد بن عبدالوهاب.

جاء كلام الأمير تركي الفيصل يوم الثاني والعشرين من سبتمبر في اجتماع للجمعية الملكية للشؤون الآسيوية في لندن، وذلك بمناسبة إصدار كتابه “ملف أفغانستان” الذي شارك في تأليفه مايكل فيل.

ويأتي حديث رئيس الاستخبارات السعودية السابق -الذي يكشف استقالته قبل أحداث سبتمبر- في وقت رفع فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) السرية عن الوثائق الخاصة بالهجمات، وفي ظل مناخ من الضغوط التي تمارسها لوبيات مناوئة للمملكة، وبرود في العلاقة بين الرياض وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

كما سعى -بالتوازي مع ذلك- إلى تأكيد أن بلاده تختلف عن طالبان والقاعدة من حيث الرؤية الدينية لتبديد ما يروّج من أن الجماعتين تستمدان أفكارهما المتشددة من مدرسة محمد بن عبدالوهاب التي تعتمدها السعودية مرجعيةً لها، وهو بهذا يحقق هدفين؛ الأول الاستمرار في تأكيد ابتعاد المملكة عن أيّ علاقة بالقاعدة أو أيّ دور في أحداث سبتمبر 2001 سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنها بذلك لا تتحمل أيّ مسؤولية عن الهجمات حتى وإن كان أغلب من نفذوها من السعوديين.

غياب أي علاقة سابقة مع طالبان من شأنه أن يتيح للسعودية التعامل مع الوضع الناشئ في أفغانستان بحرية أكبر

وكان الأمير تركي الفيصل قد قال في تصريحات سابقة إن “القاعدة استهدفت المملكة قبل أيّ أحد آخر أواخر عام 1995، فأول هجوم إرهابي نفذته كان ضد المملكة قبل أن يوسع عناصرها أنشطتهم إلى الخارج سواء بتفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام أو التسبب في كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك بعد ذلك”.

ويكمن الهدف الثاني في أخذ مسافة من طالبان وتبديد ما راج من حديث سابق عن أن السعودية تقف وراء صعود الحركة بالتنسيق مع باكستان. ومن شأن هذا التوضيح أن يتيح للمملكة أن تتعامل مع الوضع الناشئ في أفغانستان بحرية أكبر، وأن تجد لنفسها مكانا ضمن السباق الإقليمي والدولي على التعامل مع حكم طالبان والحفاظ على مصالحها هناك.

وحرص الأمير تركي الفيصل على ملاحظة الفرق بين “ما يسمّى بالتفسير الوهابي للشريعة الإسلامية” ومدرسة الديوبندية التي تتبعها طالبان، مبيّنًا أن “هناك العديد من الإشارات، سواء في وسائل الإعلام أو في الكتب العلمية التي تزعم أن هناك هذا التأثير الوهابي على طالبان وليس هذا ما يحدث”، في إشارة إلى أن طالبان بعيدة عقائديا عن السعودية. وأضاف أن “الأيديولوجيا الديوبندية لا تزال تحدد رؤية طالبان حتى يومنا هذا”.

والديوبندية هي مدرسة إسلامية هندية تمزج بين النظرة السلفية المتشددة والتصوف، وهو ما يجعلها في مرمى انتقادات حركات سنية عربية. وبعد التأكيد على أن لا صلة لطالبان أو القاعدة ببلاده، روى رئيس الاستخبارات السعودية تفاصيل عن العلاقة المتينة بين التنظيمين المتشددين، كاشفا عن أنه سعى لجلب أسامة بن لادن في 1998 لكن زعيم طالبان وقتها الملا عمر وافق في البداية ثم تراجع بعد ذلك عن تنفيذ الاتفاق.

وقال رئيس الاستخبارات السعودية السابق إن “الملا عمر نفى ببساطة أنه قطع وعدا بتسليم بن لادن أو تشكيل لجنة للنظر في سبل القيام بذلك”. وأضاف “وبعد حديث الملا عمر عن ضرورة أن تضع السعودية يدها في يد بن لادن، وأنها بدلا من محاربته يجب أن تحارب الإمبرياليين، وقفت ببساطة وقلت: سيد عمر، ما تقوله، وما تفعله سيجلب الأذى لك ولنا (…) وفي طريق العودة إلى المملكة، أرسلت تقارير إلى الملك وولي العهد أنصحهما فيها بقطع العلاقات مع طالبان وهو ما حدث بالفعل”.

وبعد أن سعى الأمير تركي الفيصل لتبرئة بلاده من أيّ صلة تاريخية بأيّ شكل مع طالبان وقبلها القاعدة، كشف عن أن السعودية سبق أن حاولت التوسط بين طالبان وحكومة الرئيس الأسبق حامد كرزاي، وأن ذلك قد تم بطلب من هذا الأخير.

وأضاف “جاء وفد طالبان إلى المملكة، وسألهم وليّ العهد الذي أصبح الملك عبدالله لاحقا: هل انفصلتم عن القاعدة؟ كان هذا قبل وفاة بن لادن. وكان جوابهم لا. لذلك قلنا لهم حسنا، لن يكون لنا أيّ رابط معكم حتى تقطعوا علاقتكم ببن لادن”.

لكن إثارة مواطن الخلاف مع طالبان لا تمنع رئيس الاستخبارات السعودية السابق من تحذير المجتمع الدولي من التخلي عن أفغانستان في هذا الوضع؛ حيث دعا إلى ضرورة دعم البلاد، حاثا طالبان على أن تتخذ إجراءات لدعم تصريحاتها التي تظهر الاستعداد للانفتاح والتعاون.

ويقول مراقبون إن دعوة المجتمع الدولي إلى دعم أفغانستان وكذلك طالبان لأجل إثبات نوايا الحركة يفتح الباب أمام السعودية كي تلعب دورها في منطقة مهمة بالنسبة إليها دبلوماسيا واقتصاديا وخاصة ما تعلق بالتنافس على الزعامة الدينية بينها وبين إيران من جهة، وبينها وبين تركيا من جهة ثانية.

وتستفيد السعودية من العديد من العناصر التي تخوّل لها لعب دور مهم في أفغانستان، منها أن طالبان من الصعب أن تمد يدها إلى إيران لاختلافات عرقية ومذهبية وسياسية خاصة بعد دعم طهران للهجوم الأميركي على أفغانستان إثر أحداث سبتمبر 2001، الذي أدى إلى إسقاط حكم طالبان.

كما أن السعودية تتفوق على إيران وتركيا معا في ما لو قررت الاستثمار بقوة في أفغانستان وتقديم الدعم الكافي لتحقيق الاستقرار، وهو ما تبحث عنه طالبان خاصة في ظل الشكوك التي ترافق مواقف الدول الكبرى وتجميد الأموال التي يفترض أن تحصل عليها أفغانستان من صندوق النقد الدولي.

العرب