ستتم مراقبة الانتخابات التي طال انتظارها في قطر بعناية من قبل جيران البلاد، على الرغم من أن القيود المتنوعة المفروضة على الناخبين وأعضاء “مجلس الشورى” قد تحد من تأثيرها على السياسة على المدى القريب.
مع نمو الاقتصادات وتطوّر المجتمعات في الأنظمة الاستبدادية العربية في الخليج العربي، واجهت أشكال الاستشارة والإجماع التقليدية صعوبة كبيرة في التكيف. ففي الكويت، يبدو أن أفراداً من “مجلس الأمة” المنتخب، الذين يمكنهم منع إقرار القوانين واستجواب الوزراء، يخوضون صراعاً شبه دائم ضدّ الأسرة الحاكمة، بينما في البحرين، لم تعد الأغلبية الشيعية قادرة على العمل كمجموعة جماعية سياسياً بسبب الحظر الذي فرضه النظام الملكي السني على أحزاب المعارضة وقيود أخرى. وعلى الرغم من أن بعض الحكام نظموا انتخابات تشريعية بمستويات متفاوتة من المشاركة، إلا أنهم لجأوا في كثير من الحالات إلى نموذج حفظ ماء الوجه الخاص بـ “مجلس الشورى”، وهو نوع أكثر محدودية من هيئة استشارية.
ومن هنا يبرز الاهتمام في انتخابات الثاني من تشرين الأول/أكتوبر في قطر، وهي دولة لا تزال تحاول اللحاق بجاراتها في هذا الصدد وستُجري أول تصويت في تاريخها لـ “مجلس شورى” منتخب جزئياً. ورغم أن هذه الهيئة تأسست بعد الاستقلال في عام 1972، إلّا أن فكرة انتخاب أعضائها بدلاً من تعيينهم لم يتمّ الإقرار بها سوى بعد اعتماد دستور جديد بموجب استفتاء عام 2003. وحتى في ذلك الحين، مضى ما يقرب من عقدين من الزمن قبل تحديد موعد انتخاب “مجلس” فعلي، كما أن القيود المفروضة على الهيئة ستبقى كبيرة في الفترة المقبلة. وسيُعيّن الأمير تميم بن حمد آل ثاني خمسة عشر من أعضاء “المجلس” الخمسة والأربعين، وسيتعين على الباقين العمل كمستقلين لأن قطر لا تسمح بقيام أحزاب سياسية.
وفي ضوء هذه القيود، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي المواضيع التي ستُطرح للمناقشة في “المجلس” وإلى أي درجة سيُسمح لأعضائه وللقواعد الانتخابية التي يمثلونها بتقديم مدخلاتهم في النقاشات الوطنية؟ لقد سبق وأن اندلع نزاع بسبب منع بعض أفراد قبيلة آل مُرة من التصويت في نهاية هذا الأسبوع. وعملياً، هم غير مؤهلين لذلك لأنهم لا يستوفون شروط قانون غامض ينص على أن يكون أسلاف الناخب قد عاشوا في الأرض التي تُعرف اليوم بدولة قطر وذلك قبل عام 1930. ومع ذلك، يتكهن البعض بأن السبب الحقيقي لحرمانهم من حق التصويت يمكن إرجاعه إلى عام 1996، عندما تآمر أفراد من القبيلة على حمد، والد تميم، بتحريض من السعودية والإمارات. (وتزامنت الحادثة مع فوضى القيادة في الداخل وتسببت بمشاجرة دبلوماسية – حيث تبلورت المؤامرة تماماً بعد أن انقلب حمد على والده، غير أن أحد المتآمرين أبلغه عن الخطة قبل ساعات فقط من الانقلاب المزمع، مما دفع بحمد إلى استدعاء سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في منتصف الليل لتعزيز قبضته على العرش).
والعامل الآخر الذي قد يسبب بعض الاستياء هو غياب التنوع بين الجنسين في هذه الانتخابات الأولى من نوعها. فمن بين 284 مرشحا يتنافسون على عدد محدود من مقاعد “المجلس” المنتخبين، هناك 28 إمرأة فقط.
وعلى الصعيد الإقليمي، توقفت الانتقادات الرسمية العلنية لقطر في الغالب منذ كانون الثاني/يناير الماضي، حين تعهّدت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بوضع حدّ للحظر السياسي والاقتصادي الطويل الأمد الذي فرضته هذه الدول على الدوحة في عام 2017 بسبب سلوكها الانشقاقي، وروابطها مع إيران، وخلافات أخرى. لكن قنوات التواصل الاجتماعي في دول الخليج ما زالت مليئة بالتعليقات السلبية ضد القطريين.
ولا تزال المخاوف قائمة في واشنطن أيضاً، على الرغم من الشهرة التي نالتها الدوحة لاستمرارها في استضافة أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة في “العُدي”د، ومؤخراً للعبها دور رئيسي في إجلاء الأمريكيين والأجانب الآخرين من أفغانستان. ففي 29 أيلول/سبتمبر، على سبيل المثال، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على مواطنين قطريين عملوا مع أفراد في البحرين والكويت والسعودية والإمارات على تحويل ملايين الدولارات إلى «حزب الله» اللبناني. لكن من الناحية الإيجابية، تتخذ هذه الإجراءات شكل أفعال منسقة مع الحكومة القطرية، وليس خطوات أمريكية أحادية الجانب.
إن الواقع غير المعلن هو أن أهم السياسات في قطر ودول عربية أخرى في الخليج هي سياسة العائلة الحاكمة. ورغم أن انتقال السلطة من حمد إلى تميم عام 2013 كان الأكثر سلاسة في تاريخ البلاد الحديث، إلّا أن بعض أقاربه ما زالوا يعتقدون أن لديهم أحقية أكبر في العرش. وفي الوقت نفسه، وفي ظل نمو الاقتصاد القطري وتنامي مجتمعها، من الطبيعي أن يرغب مواطنوها بأن تكون لهم كلمة في هذه الدولة الغنية بالغاز – إن لم تكن مشاركة في الخطوات المتخذة.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن