للمرة الأولى منذ عام 2007، لن يكون للولايات المتحدة حاملة طائرات في منطقة الخليج العربي، وهو غياب من شأنه أن يمتد على بضعة أشهر خلال العام المقبل. ومن المقرر أن تبحر قريباً حاملة الطائرات “يو إس إس ثيودور روزفلت”، التي تقوم حالياً بضرب أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا دعماً لـ عملية «العزم التام»، عائدة إلى موطنها بعد استكمالها عملية انتشار طويلة، كما أن حاملة الطائرات “يو إس إس هاري ترومان” لن تصل إلى المنطقة قبل أوائل الشتاء. وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط نادراً ما ينعم بالهدوء، إلا أنه من الصعب تصوُّر وقتاً أكثر غموضاً من الوقت الحالي، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار النزاعات المعقدة الدائرة في كل من سوريا – والتدخل الروسي فيها – والعراق وليبيا واليمن، فضلاً عن المخاوف حول عزم الولايات المتحدة في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. وذلك يطرح السؤال: لماذا هذا التوقيت؟
من خلال التوصية بإخراج الأصول الوطنية الأمريكية العابرة للبحار، تريد القوات البحرية الأمريكية الإعلان بصورة أساسية عن تراجع استعدادية قوتها المتمثلة بحاملات الطائرات. وفي حين أن [تواجد] قوات عسكرية أمريكية وحليفة أخرى في المنطقة سيخفف جزئياً مما يُسمى بالهوة في [غياب] حاملة طائرات، ينبغي أن يكون الأمر بمثابة تنبيه لصناع القرار في الولايات المتحدة حول ضرورة النظر بعناية في القيمة الاستراتيجية لتواجد حاملة طائرات أمريكية في الخليج، أي كأداة دبلوماسية لتوفير الاستقرار وإعادة طمأنة الحلفاء وردع التهديدات وتوجيه الضربات، من دون موافقة الشركاء أو الحلفاء الإقليميين إذا لزم الأمر.
وعلى الرغم من المخاطر الواضحة، فإن غياب حاملة طائرات من الشرق الأوسط في الوقت الحالي سيسمح بالتعافي من سنوات من التوسع المفرط، وسيَستغل انخفاض مخاطر التوتر النووي على المدى القريب الناتج عن الصفقة مع إيران، وسيسفر عن تواجد أقوى لحاملة طائرات في السنوات المقبلة، عندما قد يكون لها قيمة استراتيجية أكبر.
لماذا هذه الفجوة؟
بينما قد يعتبر البعض أن عودة حاملة الطائرات “يو إس إس ثيودور روزفلت” إلى موطنها بمثابة إشارة خفية إلى القيادة الإيرانية هدفها بناء ثقة متبادلة ثنائية الأطراف في أعقاب الاتفاق النووي، أو كدليل آخر على نوايا الولايات المتحدة بإخراج نفسها تدريجياً من الشرق الأوسط، إلا أن هناك سبب أبسط بكثير يبرز إلى الوجود وهو أنه: يتوجب على القوة البحرية الحالية المؤلفة من عشر حاملات طائرات أن تخضع للصيانة بعد استخدامها بشكل مكثف في السنوات الأخيرة.
وفي الواقع، كانت هذه الأصول الوطنية الأمريكية قد غادرت بشكل دوري في وقت مبكر للقيام بعمليات الإنتشار ومن ثم مددت إقامتها للمشاركة في مهمات هامة هدفها إبراز القوة ضد الخصوم، وذلك بإجرائها تمارين دولية مع البلدان الشريكة، وضمان إمكانية الوصول إلى البحار، فضلاً عن تنفيذ عمليات مساعدة إنسانية وإغاثة من الكوارث في اليابان ونيبال وهايتي والفلبين. فعلى سبيل المثال، تطلبت الغارات على الأهداف البرية للمتطرفين الإسلاميين في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا في الفترة ما بين 2010 و2013، تواجد حاملتي طائرات متمركزتين في المنطقة.
ونتيجة لذلك، فببينما بلغ متوسط انتشار حاملات الطائرات من السنة المالية 2008/2009 إلى السنة المالية 2011/2012 ستة أشهر ونصف فقط، بلغ متوسط الانتشار منذ ذلك الحين 8.2 أشهر. وقد قلّصت جميع هذه الامتدادات لحالات الطوارئ من الوقت المتاح لإجراء الصيانة للناقلات وتدريب البحارة الذين يزيد عددهم عن ستة آلاف شخص ويشكلون أطقُم حاملات الطائرات وسفن الدعم. وللأسف، تبرز الآن الحاجة إلى صيانة أكثر تكلفة وأطول مدة نظراً إلى الإقامة المطولة للسفن خارج الولايات المتحدة.
وللحفاظ على القدرة العملياتية لحاملة الطائرات المعروف أمدها بنصف قرن، لا بد لفترة الصيانة بعد عملية انتشار موسعة من أن تستمر لحوالي أربعة عشر شهراً. وتشمل هذه الفترات، إلى جانب العديد من الأمور الأخرى، إعداد سطح الطيران في حاملة الطائرات الذي يبلغ طوله ألف قدم من جديد، واستبدال أميال من الأسلاك الكهربائية والألياف الضوئية وإصلاح المولدات الكهربائية، ورفع مستوى المعدات الحاسوبية والبرمجيات الخاصة بالتحكم والسيطرة التي عفا عليها الزمن، وبطبيعة الحال، إزالة الصدأ الذي يتراكم على كل سفينة بحرية.
لذلك، ففي أعقاب عمليات الانتشار التي أتت بعد بعضها البعض في عامي 2012 و 2013، تركت حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت آيزنهاور” إحدى الموانئ الأمريكية في 28 آب/ أغسطس بعد فترة صيانة دامت ثلاثة وعشرين شهراً، أي ما يقرب من 65 في المائة أطول من المدة المخططة لها. وما زاد من تعقيد الأمور هو سن قانون مراقبة الميزانية (أي اِحْتِبَاس أو تخفيض النفقات)، الذي أدى إلى تأخير جهود صيانة “آيزنهاور” والسفن الأخرى. ومثل هذا التأخير في الصيانة تأثير الدومينو – لا محالة – على نشر حاملات السفن المتبقية.
إن جميع هذه التأخيرات قد أجبرت القوات البحرية على اتخاذ خيارات صعبة. فنظراً إلى زيادة طول فترات الانتشار والصيانة، تم خفض فترة التدريب التي تسبق عمليات الانتشار بأكثر من 70 في المائة، وفقاً لـ “رئيس القوات الجوية للبحرية” الفريق البحري مايك شوميكر. وهذا هو الحد الأدنى اللازم للعاملين في مجموعة حاملة الطائرات الضاربة لتسيير السفن والطائرات بأمان وفعالية.
ومع أخذ هذه المتغيرات بنظر الاعتبار، وضعت البحرية الأمريكية جدولاً زمنياً تبدأ فيه زيادة توافر حاملات الطائرات في وقت لاحق من عام 2016. يُذكر أنه يتم حالياً بناء حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد” التي هي الحادية عشر في عدد الحاملات، ومن شأنها تحسين الوضع إلى حد كبير عند بدء عملها في عام 2019. ونظراً لهذه التطورات، ينبغي أن تكون القوات البحرية الأمريكية قادرة على بلوغ هدفها طويل المدى الكامن في حيازة حاملتي طائرات منتشرتين بشكل مستمر، وثلاث حاملات أخرى على استعداد للتحرك في جميع أنحاء العالم بحلول السنة المالية 2020/2021 تقريباً.
وإذا ما اعتمدت البحرية الأمريكية مرة أخرى منهجية “التضميد” من خلال توسيع مهمة حاملة الطائرات “روزفلت” لمدة شهرين، فلن يؤدي ذلك سوى إلى تأجيل احتياجات الصيانة الأكثر ضرورية، مما يزيد من تعطيل الجدول الزمني ويخفّض من القدرة على التنبؤ وتوافر قوة حاملات الطائرات في المستقبل.
التأثير الإقليمي لحاملة طائرات
سيتم التعويض عن غياب طائرات الهجوم “44 إف/إيه – 18 هورنت” من على حاملة الطائرات “روزفلت” في فصل الخريف من خلال العديد من الأصول الأخرى القادرة على مهاجمة تنظيم «الدولة الإسلامية». كما أن حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول”، التي ضربت أهداف «داعش» في ربيع هذا العام قبل إجرائها مناورات في المحيط الهندي، ستحظى قريباً بفرصة أخرى. فهذه السفينة الحربية الفرنسية الأصغر حجماً تحمل اثنتي عشر طائرة من نوع “رافال” وتسع طائرات من نوع “سوبر اتندارد”. وتمتلك هذه الطائرات قدرة عالية ولكنها لا تشكل سوى نصف عدد طائرات الهجوم المتوفرة على حاملة الطائرات الأمريكية.
إلى جانب ذلك، فإن “مجموعة أمريكية برمائية جاهزة” ستكون في المنطقة أيضاً، وتضم ثلاث سفن حربية برمائية بقيادة حاملة الطائرات الصغيرة “يو إس إس إسيكس”، وتُكملها ست مقاتلات من نوع “إيه ڤي – 8 بي هاريرز”، واثنتي عشر طائرة مروحية من طائرات الهجوم والدعم، وأربع طائرات من نوع “إم ڤي-22 أوسبريز”، و1100 من قوات مشاة البحرية الأمريكية من “وحدة الاستطلاع الخامسة عشر التابعة لمشاة البحرية”.
وأخيراً، فإن طائرات سلاح الجو المقاتلة البرية المأهولة منها وتلك بدون طيار، بما فيها ست طائرات “إف 16” نُشرت مؤخراً في قاعدة “انجرليك” الجوية في تركيا، كما ستبقى طائرات الدوريات/ الاستطلاع التابعة للبحرية منتشرة في المنطقة. ومن حيث القوة القتالية الأولية ضد تنطيم «الدولة الإسلامية»، تملئ هذه الأصول بشكل كافٍ الخسارة في القدرة الناتجة عن مغادرة حاملة الطائرات “روزفلت”، كما أن الغارات الجوية الداعمة لـ عملية «العزم التام» ستستمر من دون توقف.
ولكن تأثير مجموعة حاملة الطائرات الضاربة في الشرق الأوسط له شق نفسي وسياسي أيضاً: فهو بمثابة أداة دبلوماسية لردع إيران، وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة حول التزام واشنطن، وتقديم مساحة للرئيس الأمريكي لاتخاذ القرار خلال حالات الطوارئ في المنطقة. فحاملات الطائرات ترمز إلى الدبلوماسية الأمريكية في الوقت الذي تعطي فيه صورة عن القوة الخشنة والقدرة. وفي حين أن [طائراتها] تستطيع أن تضرب أهدافاً على نحو فعال في الليل كما في النهار، يمكنها أيضاً أن تنقل رسائل قوية بسرعة ومن دون استخدام القوة.
لا بد من الإشارة إلى أنه من الصعب عدم رؤية حاملات الطائرات، خلافاً للمنصات السرية أو البعيدة المدى التي تُطلق منها أسلحة أمريكية أخرى بنفس الدرجة من القدرة (مثل قاذفات “بي 2” وصواريخ “كروز” التي تطلق من الغواصات). ففي وقت سابق من هذا العام، أبحرت حاملة الطائرات “روزفلت” في بحر العرب من أجل وقف سفينة تجارية كانت ترافقها عدة سفن حربية من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، زُعم أنها تنقل أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. إن مجرد وجود حاملة الطائرات قد دفع بالأسطول الإيراني إلى الالتفاف والعودة إلى إحدى الموانئ. ويمكن القول إن غياب حاملة طائرات في المنطقة قد يشجع إيران على تعميق مشاركتها في الصراعات الإقليمية التي تشارك فيها الآن. وبالمثل، إن ذلك قد يشجع روسيا على تكثيف جهودها لدعم نظام الأسد وكسب النفوذ في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، وربما الأهم في هذا الموضوع، أن مجموعة حاملة الطائرات الضاربة توفر الطمأنينة للحلفاء الإقليميين الذي يشككون في نوايا واشنطن. فإعادة حاملة الطائرات إلى الولايات المتحدة في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني، والانسحاب الأمريكي من العراق، وقرار عدم دعم المعارضة السورية بقوة أكبر، جميعها عوامل قد تؤدي إلى تفاقم القلق المتزايد بين الحلفاء الإقليميين من كون الولايات المتحدة تنفذ خطة “إعادة التوازن إلى آسيا” التي تروّج لها منذ فترة طويلة، مما يؤجج المخاوف من انسحاب أمريكي على نطاق أوسع من الشرق الأوسط. وأخيراً، ففي حين أن وجود حاملة طائرات فرنسية واستخدام قاعدة جوية تركية يوفران قوة قتالية كبيرة، إلا أنهما سيحدان في الوقت نفسه من المساحة الخاصة باتخاذ القرارات المتاحة للرئيس الأمريكي فيما يتعلق بحاملة طائرات أمريكية. ووفقاً لوزير البحرية الأمريكي راي مابوس “أثبتت البحرية أهمية قدرة [حاملة الطائرات] عندما جاءت الضربات الوحيدة – على مدى أربعة وخمسين يوماً من الأيام الأولى من الحملة الجوية ضد مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا – من مقاتلات «إف/إيه – 18 هورنيت» من على متن حاملة الطائرات «يو إس إس جورج بوش» في الخليج العربي. ولم يتمكن المقاتلون الموجودين على الأرض من المشاركة سوى بعد أن وافقت الدول المضيفة”.
ليس هناك شك في أن اتخاذ قرار لاستخدام القوة في الشرق الأوسط صعب بما فيه الكفاية من دون تنسيق إضافي مع الحلفاء، مهما كان ودّياً. على سبيل المثال، إذا فشلت الجهود الرامية إلى التخفيف من خطر نشوب نزاع في المجال الجوي مع الطائرات الروسية في سوريا، ستكون الخيارات المتاحة أمام الرئيس الأمريكي لإبعاد موسكو محدودة أكثر بكثير دون وجود مجموعة حاملة الطائرات الضاربة.
الآثار المترتبة على الاتفاق النووي
يشكل الاتفاق النووي الإيراني أحد الاعتبارات الرئيسية التي تؤثر على الاستقرار الحالي في المنطقة. وبما أنه لن يتم رفع العقوبات إلى أن تتحقق «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من الأعمال النووية الرئيسية، فإن إيران تتمتع بحافز يؤهلها التصرف بشكل جيد، على الأقل حتى الربيع أو الصيف المقبل، عندما تصبح قادرة على الوصول إلى الأسواق الدولية ومليارات الدولارات من الأصول المجمدة، وهو أمر طال انتظاره. ومن خلال هذا المنظور، يوفر الاتفاق النووي فرصة سانحة قد يحمل خلالها غياب حاملة الطائرات مخاطر أقل. فإذا خلّت إيران بالاتفاق، كما يتوقع الكثيرون، من المرجح أن يحدث ذلك بعد أن تحصد طهران الفوائد الاقتصادية الموعودة من الصفقة. وحينئذ ستكون حاملة الطائرات قد عادت على الأرجح إلى المنطقة، وستتاح أمام الرئيس الأمريكي خيارات أفضل لردع الأنشطة المزعزعة للاستقرار ومواجهتها.
على الولايات المتحدة أن تستفيد من الغياب المؤقت لحاملة طائرات لكي تراجع تشديدها على المناورة بدلاً من مجرد التركيز على وجودها الثابت. كما وينبغي إبلاغ كل من الحلفاء والخصوم المحتملين بهذا التغيير. فإذا بقيت حاملة الطائرات دائماً في المكان نفسه، فلن تتمكن من الاعتماد على مفهوم المناورة، الذي يشكل ميزتها الرئيسية مقارنة بأنواع أخرى من إظهار السلطة ويساهم في بقائها. بالإضافة إلى ذلك فإن عدم القدرة على التنبؤ تعقّد من حسابات الخصوم الدبلوماسية والعسكرية في اتخاذ القرارات. وهذا أكثر أهمية عند التعامل مع المنافسين الذين يمتلكون قدرات إنكار ومنع الوصول، مثل رادار ما وراء الأفق والصواريخ المتقدمة المضادة للسفن. وبالمثل، فإن التزام حاملة الطائرات بدعم حلفاء الولايات المتحدة هو أكثر تشجيعاً من وجودها المستمر، مما يوفر الطمأنينة التي تأخذ في التناقص مع مرور الوقت. وإذا كان ما تقوله البحرية حول الوجود “في المكان المناسب في الوقت المناسب” صحيحاً، فإن البناء العملياتي لإرسال حاملات الطائرات ينبغي أن يستند على مبدأ المناورة.
وبما أن حاملات الطائرات عبارة عن أصول استراتيجية مرنة جداً، ليس هناك أبداً وقتاً مناسباً لإخراجها من مجموعة خيارات القائد العام للقوات المسلحة. ومن المؤكد أن وجود مجموعة حاملة الطائرات الضاربة في منطقة الشرق الأوسط، في هذا الوقت بالذات، سيكون مفضلاً دون شك نظراً إلى قيمتها على صعيد الردع والطمأنينة ومساحة اتخاذ القرارات. ومع ذلك، فإن توفر حاملة طائرات في المستقبل سيستمر في الانخفاض، إلا إذا وُجدت القدرة على الحفاظ على القوة وتنشيطها. وعلى وجه التحديد، بما أن حاملات الطائرات هي ذات أهمية خاصة كأدوات قيّمة للسلطة الوطنية، يجب على صنّاع القرار أن يقاوموا الإغراء حول إعطاء الأوامر لتمديد عملية انتشار أخرى. عليهم أن يستفيدوا من المخاطر المنخفضة مؤقتاً التي يوفرها الاتفاق النووي مع إيران لإعداد أسطول حاملات الطائرات لتهديدات أكبر في المستقبل.
راين تيويل
معهد واشنطن