إيران في مرمى السخط الشعبي المتزايد في العراق

إيران في مرمى السخط الشعبي المتزايد في العراق

يستعدّ العراق لانتخابات برلمانية مبكرة تعهدت الحكومة بإجرائها إثر موجة من الاحتجاجات الشعبية العارمة كشفت مدى الغضب الشعبي من تزايد النفوذ الإيراني في البلد، الذي أنهكته الحروب وقذفت به نحو أزمة اقتصادية حادة وانفلات أمني وفساد مزمن يتحكم بمفاصل الدولة ويوجهها خدمة لمصالح طهران.

بغداد – رغم أنها تعدّ لاعبا استراتيجيا رئيسيا في العراق، حيث تبسط نفوذها على أغلب القطاعات في البلاد وفي مقدمتها الجانب الأمني، إلا أنّ إيران تجد نفسها أمام سخط شعبي متنام مع قرب الانتخابات التشريعية المبكرة.

ويقول محللون إن الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر الجاري، لن تنجح في إحداث أي تغيير وسيبقى التحدي الأكبر أمام طهران اليوم استعادة الثقة الشعبية في العراق.

وتتحالف طهران مع كيانات سياسية رئيسية في بغداد وفي مقدمتها الحشد الشعبي وقياداته الذين يملكون نفوذا واسعا في القرارين السياسي والأمني، في حين يقاوم العراق منذ سنوات للقطع مع التبعية لإيران على المستوى الاقتصادي رغم صعوبة ذلك، حيث تملأ السيارات إيرانية الصنع والزهيدة شوارع بغداد وغالبية المدن العراقية، فيما تنتشر المنتجات الإيرانية في معظم المراكز التجارية.

وفيما يتوسع نفوذ إيران في العراق سياسيا واقتصاديا، يزداد الغضب الشعبي من هذا النفوذ رفضا للتدخل الخارجي في البلاد.

وبدا الاستياء من النفوذ الإيراني واضحا خلال الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر 2019، للمطالبة بإصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات في البلاد، إذ أعرب خلالها المتظاهرون عن غضبهم حيال طهران، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق.

وترى الباحثة العراقية مارسين الشمري بأن “واحدا من الأمور التي تثير قلق إيران في العراق حاليا هو الشعور العام بالاستياء” من النفوذ الإيراني، مضيفة “لم تتوقع إيران ذلك وهذا أمر جديد عليها التعامل معه”.

قاعدة شعبية متآكلة

علي البيدر: الفصائل الموالية لإيران تحاول غرز جذورها في الحكومات المتعاقبة

تصاعدت حدة الغضب تجاه إيران خصوصا بعد القمع الدموي لاحتجاجات “تشرين” الذي خلّف نحو قرابة 600 قتيل وحوالي 30 ألف جريح، واتهم ناشطون مجموعات مسلحة في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران من بينها الحشد الشعبي بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل.

ويوضح الباحث ريناد منصور من مركز “تشاتام هاوس” للأبحاث أن “إيران خسرت جزءا كبيرا من قاعدتها الشيعية في وسط وجنوب العراق، بعدما كانت تعتقد ولمدة طويلة بأنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك”.

ويضيف الباحث بأن “أحزابا كثيرة متحالفة مع إيران تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على شعبيتها”.

بعد أن نجح العديد من مرشحي الحشد الشعبي من الدخول إلى البرلمان في انتخابات العام 2018 التي شهدت نسبة مقاطعة غير مسبوقة، مدفوعين بالانتصارات التي شارك الحشد في تحقيقها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يسعى هؤلاء اليوم إلى حصد مقاعد أكبر في مجلس النواب، لكن خبراء يشككون بقدرتهم على تحقيق ذلك.

وتملك غالبية فصائل الحشد تكتلا سياسيا مشاركا في الانتخابات التشريعية، فيما تضمّ الكتلة السياسية المرتبطة به في البرلمان الحالي 48 نائبا من أصل 329.

ويفترض أن يدلي عشرات الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي بأصواتهم في العاشر من أكتوبر على غرار أي مواطن آخر في دوائرهم الانتخابية، لكن تحقيق ذلك صعب لأنهم منتشرون في كافة أرجاء البلاد.

وتجري هذه الانتخابات التي كان موعدها الطبيعي في العام 2022، وفقا لقانون انتخابي جديد يعتمد دوائر انتخابية متعددة والتصويت لمرشح واحد، يفترض أن يحدّ من هيمنة الأحزاب الكبيرة على المشهد السياسي.

وفي مقابلة تلفزيونية في سبتمبر، أعرب أحمد الأسدي أحد الشخصيات البارزة في الكتلة البرلمانية التابعة للحشد والمرشح للانتخابات المقبلة عن أهمية العلاقة مع طهران من وجهة نظر الفصائل الموالية لها، قائلا إن “علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية ليست علاقة ناشئة، هي علاقة استراتيجية”.

وأضاف “ليست علاقة تبعية ولا علاقة انحياز، هي علاقة استراتيجية مبنية على توازن بين مصلحة العراق ومصلحة الجمهورية الإسلامية”.

وهو ما أيده محمد محي المتحدث باسم كتائب حزب الله أبرز فصائل الحشد الشعبي، قائلا إن “العلاقة إيجابية لصالح الشعب العراقي وينبغي أن تُعزز”.

وأشار من جهة ثانية إلى أن “أولوية” مرشحي الحشد في جهودهم داخل البرلمان “تقديم الخدمات العامة وإعادة البنى التحتية بشكل كامل وبناء المنظومة التربوية والصحية وكذلك البنية الأمنية”.

وأثار في الوقت نفسه هدفا أساسيا آخر على “المستوى الأمني والاستراتيجي هو إخراج القوات الأميركية من العراق واكتمال السيادة وتعزيز القوات الأمنية”، حيث تعدّ الولايات المتحدة القوة النافذة الأخرى المتواجدة في العراق وتسعى إلى مقارعة النفوذ الإيراني في البلاد.

في بلد تتبدّل فيه التحالفات بعد الاستحقاق الانتخابي، تحمل المفاوضات الهادفة إلى تشكيل حكومة أهمية تفوق أهمية الانتخابات وتوزيع المقاعد في الحكومة.

ويبقى التحدي الأكبر بعد الانتخابات هو تسمية رئيس للوزراء في عملية ستكون خاضعة لمفاوضات معقدة، ويصعب تحديد من هم المرشحون المحتملون لهذا المنصب.

وعادة ما تفرض القوى الشيعية في العراق شروطا مشددة في مفاوضات تشكيل الحكومات المتعاقبة، ضمانا لمصالح إيران، وقد كانت حجر عثرة أمام تشكيل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي حكومة جديدة العام الماضي، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية وتصاعد السخط الشعبي من الطبقة السياسية الحاكمة.

وتحدت هذه الفصائل الكاظمي الذي شنّ حملة ضدّ الفساد تستهدف بشكل خاص القطاع الأمني، الأمر الذي لم يعجب الفصائل الشيعية التي لم تفوت فرصة واحدة لاستعراض قواها على الملأ متحدية رئيس الوزراء ومطالبة بضرورة الإسراع بمغادرة القوات الأميركية من البلاد.

لهيب هيجل: طهران ستبحث عن رئيس وزراء يمكنها العمل معه

لذلك يخشى مراقبون ودبلوماسيون وقوع عنف في حال أرادت الفصائل الموالية لإيران مثلا الضغط لضمان التمثيل الذي تطمح إليه في الحكومة.

ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر بأن الفصائل الموالية لإيران “تحاول بشكل جاد وحقيقي تثبيت نفسها وغرز جذورها عميقا في رحم العملية السياسية وفي الحكومات المتعاقبة”.

وأوضح بأن الفصائل “تعمل بشكل مكثف على التواجد في قطاعات مختلفة كالجوانب الدبلوماسية والثقافية والرياضية”، لتغيير نظرة الشارع العراقي إليها بأنها “لا تستطيع التواجد خارج إطار المنظومة الأمنية والعسكرية”.

لكن في بلد عادة ما يأخذ فيه تبلور التحالفات السياسية داخل البرلمان حيزا كبيرا بعد الانتخابات، ستكون المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة الملف الأساسي في المرحلة المقبلة.

وتعتبر الباحثة في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل بأن طهران ستبحث عن “رئيس وزراء يمكنها العمل معه ويكون مقبولا لبرنامجها”.

وأضافت “في العادة، مرشح الحل الوسط ليس بالخيار السيئ” لأنه مساو “لرئيس وزراء ضعيف”. وفي هذه الحال ترى هيجل بأن طهران يمكنها “العمل إما بشكل مباشر مع مكتبه، وإما على الأقل مع جهات فاعلة أخرى من حوله”.

وفي هذا السياق، يؤكد منصور بأن “النقطة المحورية ستكون الصفقات التي تجري خلف الكواليس لتشكيل الحكومة”، مضيفا أنه “في هذه العملية، لطالما اضطلعت طهران تاريخيا بدور كبير. لقد أثبتت إيران بأنها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذا عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة في العراق”.

العرب