يتفق متابعون للشأن الاقتصادي الإيراني على أن المحافظ الجديد للبنك المركزي سيكون في مهمة ليست سهلة لإعادة ضبط أوتار السياسة النقدية والتشوهات التي تعتري النمو بالبلد الذي يعاني من تراكم الأزمات بسبب استمرار العقوبات الأميركية وتأثيرات الجائحة.
وتبدو معالجة تدهور سعر صرف العملة المحلية أكبر تحد سيواجهه علي صالح أبادي الذي عينته السلطات الأربعاء خلفا لأكبر كوميجاني المعيّن من قبل الرئيس السابق حسن روحاني في أغسطس الماضي قبل شهر من انتهاء ولايته، وذلك بعد استقالة عبدالناصر همتي والذي كان أحد المعتدلين القلائل الذين خاضوا الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي.
وأقر الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي بعد تعيين صالح أبادي ضمنيا بصعوبة المهمة حينما قال في تصريحات نقلها التلفزيوني الرسمي الإيراني إن “دور البنك المركزي في الحفاظ على قيمة العملة الوطنية والسيطرة على التضخم أساسي للغاية”.
جاربيس إراديان: لدى إيران احتياطي نقدي محدود لن يحتوي انخفاضا آخر بالعملة
ومنذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018، شهدت العملة الإيرانية انهيارا متسارعا لم تسجله منذ 1979 خاصة مع تقييد التجارة النفطية لطهران.
ورغم انتهاك إيران للقيود المفروضة عليها والالتفاف على الحظر بعدة طرق منها السماح باستخدام العملات المشفرة، لكنها لم تتمكن من التصدي لتدهور عملتها التي فقدت 70 في المئة من قيمتها.
وشهدت سوق الصرف المحلية ضغوطا أثناء فترة تولي همتي منصب محافظ المركزي حيث انهار سعر العملة المحلية مقابل الدولار، وتشير التقديرات إلى أن العملة الأميركية ارتفعت بواقع 120 في المئة.
وفي بداية 2018 قفز سعر الدولار في السوق السوداء من نحو 114 ألف ريال إلى قرابة 250 ألف ريال حاليا، وهو ما يعني أن العملة الأميركية حققت مكاسب اقتربت من نحو 136 ألف ريال في غضون أقل من ثلاث سنوات.
ولا تزال السلطات النقدية الإيرانية تحدد سعر الدولار عند نحو 42 ألف ريال في السوق الرسمية، ولكن موقع بونباست المتخصص في متابعة سوق العملات حول العالم يشير إلى أن سعر الدولار كان معروضا للبيع الصيف الماضي بسعر يبلغ 125 ألف ريال.
ويرى خبراء أن الحكومة لا تملك حلولا عاجلة لوقف نزيف العملة رغم مكابرة المسؤولين بأن لديهم القدرة على إحداث اختراق في جدار هذه المشكلة بينما فشلت حكومة روحاني في ذلك.
وسبق أن أججت الأزمة المالية وشحّ النقد الأجنبي احتجاجات شعبية امتدت إلى معظم الأقاليم الإيرانية وقامت ميليشيات الحرس الثوري بإخمادها بالقوة.
ومنذ بداية 2022 أرغم التدحرج المتسارع في قيمة العملة المركزي على التحرك حيث قام بضخ الملايين من الدولارات في السوق لتحقيق استقرار الريال لكنه لم يفلح في تحقيق الهدف رغم أن همتي قال قبل استقالته إن البنك “لديه احتياطيات وفيرة من النقد الأجنبي”.
Thumbnail
ونسبت رويترز إلى جاربيس إراديان كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي قوله إن إيران لديها “احتياطيات محدودة من النقد الأجنبي متاحة لضخها في السوق ولن تتمكن من احتواء انخفاض آخر في قيمة العملة في وجود العقوبات الأميركية والعزلة عن المجتمع الدولي”.
والوضع الاقتصادي لإيران في طريق مسدود ولم يعد بالإمكان تدارك الأزمة في ظل تفاقم معاناة المواطنين واستفحال الفساد وسيطرة السلطة الدينية على ثروات البلاد وتسخيرها للأجندات السياسية الخارجية وحرمان الشعب منها طيلة أربعة عقود.
وبينما تصر طهران على مواصلة برنامجها النووي الذي قيد تعاملها مع النظام المالي العالمي وتسبب في عزوف المستثمرين الأجانب، يتأكد يوما بعد يوم أن التضخم الذي بلغ مستوى هو الأعلى منذ قرابة ثلاثة عقود أنه في صدارة الأزمات المزمنة.
وكان مركز الإحصاء الإيراني الحكومي قد نشر في أغسطس الماضي بيانات تظهر أن متوسط أسعار الاستهلاك بلغت قرابة 45 في المئة.
ويؤكد اقتصاديون أن العجز في موازنة 2021 – 2022 التي بدأت في مارس الماضي وأيضا نمو المعروض النقدي سيدفعان التضخم إلى الارتفاع ويتسبب في انخفاض جديد في قيمة العملة وتضاؤل القوة الشرائية للمواطنين.
وقال معهد التمويل في يونيو الماضي إن إيران ستشهد، في حالة إبرام اتفاق نووي جديد يتجاوز مجرد العودة إلى شروط 2015، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.3 في المئة هذا العام، ثم 5.9 في المئة في 2022.
وفي إطار ذلك التصور قد ترتفع الاحتياطيات الرسمية لأكثر من مثليها بنهاية 2023 من 70 مليار دولار في مايو الماضي. وقد يساعد الاستثمار الأجنبي المباشر في خلق الوظائف وستحقق إيران فائضا ماليا بحلول 2023.
صحيفة العرب