الموانئ العالمية تخفي الاستراتيجيات العسكرية للصين

الموانئ العالمية تخفي الاستراتيجيات العسكرية للصين

تراقب القوى العظمى التوسع الاستثماري الهائل الذي حققته الصين عبر استحواذها على موانئ عالمية كبرى بالكثير من الخوف من أن تكون هذه الاستثمارات بوابة لتحقيق الاستراتيجيات والأهداف العسكرية لبكين خاصة في المناطق التي تشهد توترات أمنية، بالإضافة إلى استغلال نفوذها الاقتصادي للتحكم في السياسة المحلية للدول ومواقفها من السجل الحقوقي للنظام الصيني.

وتقول المحللة السياسية جوديث بيرغمان في تقرير لمعهد جيتستون الأميركي إن الصين، من خلال الاستثمارات في الموانئ وملكيتها لها، توسع نطاق انتشارها البحري العالمي، ولا تظهر شهيتها للموانئ أي علامات على التناقص. وحتى يوليو 2020 تردد أن شركات صينية “تملك جزئيا أو تدير نحو خمسة وتسعين ميناء في جميع أنحاء العالم”.

ومن بين الموانئ الـ95 يوجد 22 ميناء في أوروبا و20 ميناء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و18 ميناء في الأميركتين، ومثلهم في جنوب وجنوب شرقي آسيا، و9 موانئ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتمثل ثلاث شركات صينية فقط، من بينها “كوسكو شيبينغ بورتس” و”تشاينا ميرشانتس بورت”، وهما شركتان مركزيتان مملوكتان للدولة 81 في المئة من عمليات تلك الموانئ.

وتتركز غالبية استثمارات وعمليات الموانئ الصينية في الخارج في يد عدد قليل من بعض الشركات المملوكة للدولة في الصين، وخاصة كوسكو، ثالث أكبر شركة نقل حاويات في العالم وخامس أكبر مشغل لمحطات الموانئ، والتي وقعت في مايو الماضي اتفاقا لبناء ميناء جديد في بيرو بالقرب من عاصمتها ليما.

وتقول بيرغمان إنه في يونيو، رفعت كوسكو حصتها في هيئة ميناء بيرايوس في اليونان إلى 67 في المئة. وكانت كوسكو قد استحوذت بالفعل على محطتي الحاويات الرئيسيتين في بيرايوس بعقد إيجار لمدة 35 عاما في عام 2008، ومحطة ثالثة في عام 2016.

وأعلنت الشركة التي تمتلك بالفعل محطات في إسبانيا أنها ستفتتح من خلال فرعها الإسباني خدمة سكك حديدية جديدة للشحن بين فالنسيا وسرقسطة، كما استحوذت في سبتمبر على حصة 35 في المئة في محطة الحاويات في ميناء هامبورغ، أكبر ميناء بحري في ألمانيا وثاني أكبر ميناء حاويات في أوروبا.

جوديث بيرغمان: الاستثمارات في الموانئ توفر نفوذا سياسيا لبكين

ووُصفت كوسكو بأنها “المورّد الرئيسي لبحرية الجيش الصيني، حيث تقدم لبكين دعما ساحليا مدمجا لبحرية الجيش من خلال مؤسسة تجارية مصممة لتتماشى مع الاستراتيجية البحرية الصينية إلى حد يدفع بعض المحللين البحريين إلى الإشارة إلى كوسكو كذراع خامسة للبحرية”.

وتضيف بيرغمان أنه في سبتمبر أيضا، بدأت مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ، وهي شركة صينية أخرى مملوكة للدولة، تشغيل محطة الميناء الإسرائيلية الجديدة في حيفا، أكبر محطة حاويات في إسرائيل. وكجزء من الاتفاق، ستقوم المجموعة بذلك على مدى السنوات الـ25 المقبلة.

وفي حين أن استحواذ الصين على الموانئ يبدو في ظاهره مجرد معاملات تجارية تستند إلى أجندة مدفوعة اقتصاديا، وفقا للخطاب الذي تستخدمه الصين، فقد أشار العديد من المحللين إلى أن المخاوف الجيوسياسية تبدو وكأنها ما يدفع بالفعل استثمارات الصين في الموانئ. وفي حين أن استحواذ الصين على الموانئ يضمن خطوط إمداداتها الاستراتيجية، لنقل النفط والغاز من الشرق الأوسط، أشار المحللون إلى أن ثمة وظيفة عسكرية مدمجة في الاستراتيجية أيضا، فقد تسعى بكين إلى عسكرة الموانئ وفق ما تمليه عليها سياستها الخارجية.

وجاء في تقرير صدر عام 2020 عن معهد سياسات المجتمع الآسيوي “يبدو أن ثمة وظيفة عسكرية واستراتيجية متعمدة راسخة بوضوح في المبادرة”.

وقال إيزاك كاردون أستاذ مساعد في الكلية الحربية البحرية الأميركية خلال شهادته في جلسة استماع لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين حول قدرات استعراض القوة العالمية للجيش الصيني في فبراير 2020 “تعتمد بحرية الجيش الصيني على الموانئ التجارية لدعم عملياتها المتنامية في الخارج”.

لكنه يرى أن الجانب “المميز لجهود البحرية الرامية إلى دعم الوجود المتنامي في الخارج هو وصولها إلى عدد كبير ومتزايد من الموانئ التي تملكها (جزئيا) وتديرها شركات جمهورية الصين الشعبية. ويروّج ضباط جيش التحرير الشعبي والمحللون الصينيون لمجموعة متنوعة من الوظائف مزدوجة الاستخدام المحتملة في هذه الموانئ، والتي يطلق عليها في بعض الحالات نقاط القوة الاستراتيجية للصين في الخارج”.

وقد تعزز القلق من أن استحواذ الصين على الموانئ التجارية في جميع أنحاء العالم قد يستخدم لأغراض استراتيجية، بمؤشرات على أن بعض عمليات الاستحواذ على شركة كوسكو قد جاءت بأسعار مرتفعة لدرجة أن “الحصول على تلك الأصول هو مسألة تحقيق أهداف الأمن القومي الاستراتيجية وليس استثمارا ماليا يلزم لتحقيق عائدات قائمة على السوق”.

ولهذا السبب، حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من أن إدارة الصين لمحطة ميناء حيفا الجديدة قد تضر بالتعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب، لأنها قد تؤدي إلى امتناع سفن البحرية الأميركية عن الرسوّ هناك.

وتقول بيرغان إن من بين المخاوف الخطيرة الأخرى أن استثمارات الصين في الموانئ يمكن أن توفر نفوذا اقتصاديا وسياسيا للحزب الشيوعي الصيني يمكن أن يؤثر على السياسة المحلية وصنع القرار. واليونان مثال على ذلك، فبعد أن استثمرت الصين في ميناء بيرايوس واستحوذت على جانب كبير منه، منعت اليونان بيانا للاتحاد الأوروبي ينتقد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

صحيفة عرب