طهران – تقف العقوبات الأميركية عائقا أمام علاقات إيران الاقتصادية بعدد من الدول وتدفعها تدريجيا نحو عزلة متفاقمة تمثّل للمجتمع الدولي ورقة ضغط رابحة على طهران للعودة إلى الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 والتوقف عن أنشطتها النووية المستفزة التي تتحدى بها العالم.
ومؤخرا تضرّرت العلاقات بين إيران وكوريا الجنوبية على خلفية تجميد الأخيرة أرصدة مالية للجمهورية الإسلامية تقدّر بمليارات الدولارات بسبب العقوبات الأميركية، لتبلغ مرحلة لوّحت فيها طهران بمقاضاة سيول ومنعت إدخال البعض من منتجاتها.
وظلت إيران طوال سنوات رابع أكبر مورد للنفط الخام لكوريا الجنوبية. وتشير البيانات الحكومية إلى أن إجمالي حجم التجارة المتبادلة بين البلدين بلغ نحو 12 مليار دولار في عام 2017، صدرت منه كوريا الجنوبية إلى إيران منتجات بقيمة 4 مليارات دولار.
وكانت إيران تحتل المركز الثالث بين الشركاء التجاريين لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط، قبل انسحاب الولايات المتحدة أحاديا من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في عام 2018، وإعادة فرض عقوبات صارمة على طهران طالت قطاعات عدة من أبرزها صادرات النفط.
ومنذ ذلك الحين انسحبت مئات الشركات الأجنبية من الاستثمار في طهران وجُمِّدت أصول إيرانية بملايين الدولارات مما دفع إيران إلى أزمة اقتصادية حادة تسببت في تدهور القطاعات الحيوية، وتفاقمت بعد تفشي فايروس كورونا وانحسار عائدات النفط المورد الأساسي للموازنة، وهو ما أجج موجة من الاحتجاجات الشعبية ضدّ النظام طوال العامين الماضيين.
طهران لم تعد ثالث أكبر شريك لسيول في الشرق الأوسط والتبادل التجاري بينهما انخفض بشكل حاد بعد العقوبات الأميركية
وشهدت العلاقات بين طهران وسيول في الآونة الأخيرة توتراً بعدما صعّدت إيران هجومها على كوريا الجنوبية بسبب التزامها بالعقوبات الأميركية، حيث جمّدت في مصارفها، بضغط أميركي، نحو ثمانية مليارات دولار هي بدل صادرات نفطية إيرانية تعود إلى حقبة ما قبل العقوبات.
ويقول عضو مجلس الشورى الإيراني علي رضا سليمي إن “إجمالي أموالنا المجمّدة في البنوك الكورية الجنوبية يصل إلى 7.8 مليار دولار”.
ويضيف “تسلّمت سيول الصادرات النفطية. كان عليها أن تسدد ثمنها لكنها لم تفعل. كوريا الجنوبية ليست شريكا تجاريا أهلا للثقة، وتستحق أن تعاقب، ويجب أن تدفع الفوائد على هذه الأموال”.
وارتكز التبادل التجاري بين البلدين على تصدير إيران نفطها إلى كوريا الجنوبية، واستيرادها منتجات صناعية وأجهزة كهربائية وقطع غيار للسيارات.
وتقول السفارة الإيرانية في سيول إن التبادل التجاري بين البلدين انخفض بشكل حاد بعد العقوبات إلى نحو النصف (6 مليارات دولار) في 2018، وإلى 2.4 مليار دولار في 2019.
وتفاقم توتر العلاقات بين البلدين في الأشهر الماضية، خصوصا بعد احتجاز البحرية الإيرانية ناقلة نفط كورية جنوبية في يناير، قبل الإفراج عنها في أبريل.
وذكّر مسؤولون إيرانيون بعد احتجاز الناقلة بمسألة الأرصدة المجمّدة، مع تأكيدهم عدم وجود رابط بين الملفين، وأن السفينة أوقفت على خلفية تسببها بـ”تلوث بحري”.
وبعد مطالبات واتصالات بشأن الأرصدة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، وفق مسؤولين إيرانيين، بدأت طهران في الآونة الأخيرة التلويح بإجراءات قضائية للمطالبة بأموالها المجمّدة، وهي جزء من مبالغ كبيرة تقول الجمهورية الإسلامية إنها محتجزة بفعل العقوبات في دول عدة.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان هذا الشهر “الضغوط الأميركية (على سيول) هي واقع، لكن لا يمكننا أن نستمر في صرف النظر عن هذه المسألة”.
وأشار إلى أنه ما لم تتخذ سيول إجراءات سريعة ستجيز حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي للمصرف المركزي الإيراني الشروع في إجراءات قضائية للمطالبة بالأرصدة المجمّدة.
وأكد أمير عبداللهيان أنه طلب من نظيره الكوري الجنوبي تشونغ إوي – يونغ في اتصال هاتفي السماح باستخدام الأرصدة “في أقرب وقت”، لأنه “من غير المقبول أن ينتظر شعبنا منذ ثلاثة أعوام ونصف عام”.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الكورية الجنوبية في سيول أنه “لا يمكن تسليم الأرصدة إلى إيران بسبب العقوبات الأميركية التي تحول دون التعاملات المالية مع طهران”.
وأضاف “نقلنا المبلغ المستحق لطهران عن صادرات النفط إلى حساب بالوون العملة الكورية لصالح المصرف المركزي الإيراني. وعندما تقوم شركة كورية جنوبية بالتصدير إلى إيران، تتلقى لقاء ذلك مبالغ من هذا الحساب بالوون”.
كما دُفع نحو 16 مليون دولار من هذا الحساب في يونيو الماضي، لتسديد مستحقات على إيران إلى الأمم المتحدة، وفق ما أكده مسؤولون كوريون جنوبيون. إلا أن خطوات كهذه تبقى غير كافية من وجهة نظر إيران.
ويقول سليمي “أعطى الأميركيون الضوء الأخضر للكوريين الجنوبيين ليقوموا بتزويد إيران بالبضائع بدلا من الأموال المجمّدة”.
لكن المسؤول في الخارجية الكورية يشدّد على أن ذلك “غير دقيق”، مضيفا “في الوقت الراهن يمكن فقط سداد ثمن المستلزمات الإنسانية -مثل الأدوية- من هذه الأرصدة المجمّدة”.
وفي أواخر سبتمبر طلب رئيسي من وزارتي المال والتجارة الإيرانيتين ضمان منع استيراد الأجهزة المنزلية المنتجة من شركتين كوريتين (يرجح أنهما أل – جي وسامسونغ)، بناء على رسالة بهذا الشأن من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الذي أعطى أولوية لمسألة تعزيز الإنتاج المحلي.
وأوضح رئيسي “استفدنا من هذه الفرصة المتاحة (غياب المنتجات الكورية الجنوبية) خلال الأعوام الماضية لتحقيق تقدم نوعي في الإنتاج المحلي للأجهزة المنزلية”.
ورغم العقوبات الاقتصادية تتوافر في الأسواق الإيرانية منتجات أجنبية عديدة، من بينها التجهيزات المنزلية الكورية الجنوبية التي لا يزال بعض الإيرانيين يفضّلون شراءها خصوصا لجهة جودتها ذائعة الصيت عالميا.
وفي متجر في حي أمين حضور بطهران، الذي يضم إحدى أبرز أسواق الأدوات المنزلية، تقول مريم “أفضّل شراء منتجات أجنبية؛ نوعيتها أفضل وأسعارها لا تختلف كثيرا عن تلك المصنّعة هنا”.
ويؤكد البائع الشاب سجاد نزاريان أن “أكثر من 80 في المئة من الزبائن يرغبون في شراء منتجات أجنبية”.
العرب