مرة جديدة، تتحول مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية المساندة للنظام السوري في ريف حمص الشرقي إلى هدف لطيران مجهول، يُعتقد أنه إسرائيلي، في ما تبدو رسالة جديدة إلى طهران. وقالت وزارة الدفاع التابعة للنظام إن جندياً سورياً قُتل وأُصيب ثلاثة آخرون في هجوم جوي إسرائيلي استهدف منطقة تدمر مساء أول من أمس الأربعاء. وأضافت الوزارة، في بيان مقتضب، أن الهجوم وقع في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، بحسب التوقيت المحلي (الساعة الثامنة والنصف مساء بتوقيت غرينتش)، واستهدف برجاً للاتصالات وبعض النقاط المحيطة به، موقعاً بعض الخسائر المادية. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه تأكد مقتل 4 أشخاص جراء الغارات ليل الأربعاء – الخميس على ريف حمص الشرقي، مشيراً إلى أن القتلى هم من الجنسية السورية، ويعملون لصالح “حزب الله” اللبناني والمليشيات التابعة لإيران، وقد سقطوا خلال القصف الذي استهدف مواقع ومراكز تابعة للمليشيات الإيرانية، من ضمنها مركز للتدريب وبرج للاتصالات يقعان على بعد كيلومترات عدة جنوب غربي مدينة تدمر، وشرق مطار “تيفور” العسكري. وأسفر القصف أيضاً، بحسب المرصد، عن إصابة 7 أشخاص آخرين، حالات بعضهم خطرة.
حذّرت ما تسمى بـ”غرفة عمليات حلفاء سورية” المدعومة من إيران، من ردّ قاسٍ على الضربة
وأمس، الخميس، أصدرت ما تسمى بـ”غرفة عمليات حلفاء سورية” المدعومة من إيران، بياناً قالت فيه إن الرد على الضربة سيكون “قاسياً جدا”، مضيفة أن الخسائر كانت ستكون أكبر بكثير لو لم تكن قواتها تنتشر بشكل جيد في المنطقة الصحراوية. وذكر البيان أنه “نتيجة هذا الاعتداء، سقط عدد من الشهداء والجرحى من الإخوة المجاهدين”، مضيفاً “اتخذنا قراراً بالرد على هذا الاعتداء انتقاماً لأرواح الشهداء ودماء الجرحى”.
سورية تركيا
تقارير عربية
تصاعد التوتر شمالي سورية: أنقرة تهدد بخطوات رادعة
وكانت طائرات من المرجح أنها إسرائيلية قد أغارت، مساء يوم الجمعة الماضي، على مطار “تيفور” أيضاً، ما أدى إلى مقتل عنصرين من المليشيات الموالية لإيران، وفق مصادر متقاطعة. وتشير الوقائع الميدانية إلى أن مطار “تيفور” العسكري، والذي يُعرف أيضاً باسم قاعدة “التياس” الجوية العسكرية، أو مطار طياس العسكري، ويقع قرب قرية التياس، تحوّل إلى قاعدة إيرانية في قلب البادية السورية مترامية الأطراف. ويقع هذا المطار، والذي يتمتع بأهمية استراتيجية عالية كونه أكبر المطارات السورية، على بعد 85 كيلومتراً شرق مدينة حمص في وسط البادية السورية، قرب مدينة تدمر الأثرية.
ولطالما كان مطار “تيفور”، الذي يضم 54 حظيرة ومدرجاً رئيسياً، بالإضافة إلى مدرجين ثانويين طول كل منهما نحو ثلاثة كيلومترات، هدفاً للطيران الإسرائيلي على مدى السنوات الماضية، الذي قصفه أكثر من مرة في عام 2018. كما تعرّض المطار، في سبتمبر/ أيلول 2020، لقصف إسرائيلي تسبب في أضرار كبيرة لمدرجه وساحته. وكانت مصادر متقاطعة قد ذكرت أن الجانب الروسي انسحب من هذا المطار في فبراير/ شباط الماضي، بعد رفض المليشيات الإيرانية الخروج منه، وهو ما يجعله هدفاً دائماً للطيران الإسرائيلي.
وأشار الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى “أن المعلومات التي لدينا تؤكد أن القصف الذي استهدف مطار تيفور (أول من أمس) الأربعاء، ويوم الجمعة الماضي، هو أميركي وليس إسرائيلياً”، معتبراً أن “تأكيد الإعلام الروسي أنه إسرائيلي، يتناسب مع رواية النظام لأسباب سياسية”. وبيّن علوان أن القصف “يستهدف شحنات نقل صواريخ يتم رصدها مع دخولها من الحدود العراقية”، مضيفاً أن “القصف عنوانه الضغط، بضربات مؤلمة، حيث تستهدف مواقع نوعية، وليس النفوذ الأمني والعسكري”. وحول جدوى هذه الضربات الجوية، سواء من قبل الطيران الإسرائيلي أو الأميركي، رأى علوان أنها “رسائل للضغط، أكثر من كونها ذات أهداف للحد من الانتشار أو ضبط القوة”.
علوان: معلوماتنا تؤكد أن القصف أميركي وليس إسرائيلياً
وتحوّلت البادية السورية إلى منطقة نفوذ للمليشيات الإيرانية، وخصوصاً مدينة تدمر، التي كما تؤكد مصادر محلية باتت معقلاً للمليشيات الأفغانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، خصوصاً مليشيا “فاطميون” التي تنشط في المنطقة. وعلى الرغم من القصف المتكرر على مطار “تيفور”، إلا أن المليشيات الإيرانية لا تزال مصرة على البقاء فيه وتعزيز مواقعها، كونه يقع في منتصف المسافة ما بين محافظة دير الزور، شرقي سورية، وحمص في منتصف البلاد، ومنها إلى دمشق، وهو ما يشكل أهمية لدى طهران الحريصة على ترسيخ الممر البري الذي يربطها بسورية مروراً بالعراق. وتعد البادية السورية محطة رئيسية في هذا الطريق الذي يعتمد عليه الحرس الثوري الإيراني في إمداد مليشياته المنتشرة في عموم سورية بالعناصر والأسلحة والذخيرة.
وأشار النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية، متحدثاً لـ”العربي الجديد”، إلى أن “مطار تيفور له أهمية كبيرة من حيث موقعه الجغرافي في المشروع الإيراني، لذلك اتخذته إيران مقراً لمليشياتها”. وأوضح عبد الرزاق أن هذا المطار “هو الثكنة الأكبر للحرس الثوري، فهو في موقع متوسط لسورية”، لافتاً إلى أن “المليشيات تنطلق منه في مهامها، وفيه تتم صناعة المسيّرات الإيرانية الانتحارية، ويتم إمداد حزب الله بالعتاد والسلاح، لذلك تتم مراقبته من قبل الإسرائيليين والأميركيين، واستهدافه عند أي تطور أو وصول أي شحنة مواد أو سلاح أو عتاد”.
وطوال سنوات الثورة السورية، اعتمد النظام على مطارات عدة لإقلاع طائراته الحربية والمروحيات لقصف المناطق الخارجة عن سيطرته، منها: “تيفور”، “السين” و”الضمير” و”المزة” في ريف دمشق ومطار حماة العسكري. ويعد مطار “الضمير” العسكري، والذي يقع على بعد نحو 40 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة السورية دمشق، ثاني أكبر المطارات العسكرية في سورية بعد مطار “تيفور”. وللنظام العديد من المطارات الأخرى الأقل أهمية بالنسبة له، منها مطارا كويرس والنيرب العسكريان في ريف حلب، ومطار أبو الظهور في ريف إدلب، الذي استعادت قوات النظام السيطرة عليه في مطلع 2018، ومطارا الثعلة وخلخة العسكريان في ريف السويداء، جنوبي البلاد. ويستخدم النظام وحلفاؤه الإيرانيون مطارات مدنية لأغراض عسكرية تتعلق بالإمداد والتموين، منها مطار دمشق الدولي ومطار حلب الدولي ومطار القامشلي في محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية. وخسر النظام مطارات عدة على مدى سنوات الثورة، منها مطار “تفتناز” في ريف إدلب الشمالي الشرقي، والذي بات اليوم قاعدة تركية، ومطار “منغ” في ريف حلب الشمالي، الذي تسيطر عليه الوحدات الكردية منذ مطلع 2016، والتي تسيطر أيضاً على مطار الطبقة العسكري في شرقي البلاد بعد طرد تنظيم “داعش” منه في مطلع عام 2017.
العربي الجديد