مع استمرار ترقب النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في العراق التي أجريت في العاشر من الشهر الجاري تتزايد التساؤلات بشأن مآلات الانقسام بين القوى الشيعية والمفاجآت التي أحدثتها تلك القوى في الاستحقاق المذكور وما إذا كانت ستقود البلاد إلى حالة من الانسداد السياسي.
وتشهد الساحة السياسية العراقية زخما كبيرا، ومساعي من مختلف الأطياف السياسية لتشكيل الكتلة الأكبر والتحكم في إدارة دفة الأمور بالبلاد، وسط قناعات بأن النتائج الرسمية لن تختلف كثيرا عن تلك الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات غداة يوم الاقتراع.
وتبعث مختلف القوى السياسية رسائل وإشارات في إطار ما يعرف بتربيطات ما بعد الانتخابات، ولا يخلو الأمر بطبيعة الحال من رسائل قوية في اتجاهات خارجية أيضا.
ففي ظل ما تمخض عنه هذا الاستحقاق من نتائج لم تكن مفاجئة بصورة كبيرة على الساحتين السنية والكردية، إلا أنها كانت بمثابة زلزال في المعسكر الشيعي، فالتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر حصد 73 مقعدا مقابل 54 في البرلمان السابق، في حين تراجع تحالف “الفتح” الذي كان يعد المنافس الأقوى للتيار الصدري بصورة كبيرة ليحصل على 14 مقعدا، بعدما كان يشغل نحو 50 مقعدا بعد انتخابات 2018، والشيء نفسه بالنسبة إلى تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة كل من رئيس تيار “الحكمة” عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الذي لم يحصد سوى 4 مقاعد بواقع مقعدين لكل منهما، علما بأن تيار “الحكمة” كان له 16 مقعدا وكان للعبادي مثلها تقريبا.
من خلال النتائج الأولية المعلنة هناك 3 تحالفات أو كتل سياسية شيعية سيكون دورها محوريا في تحديد المسارات المقبلة
من خلال النتائج الأولية المعلنة هناك 3 تحالفات أو كتل سياسية شيعية سيكون دورها محوريا في تحديد المسارات المقبلة
وخلف التيار الصدري يأتي ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي رفع عدد مقاعده في البرلمان في هذه الانتخابات من 25 إلى 37 مقعدا، وهو ما يعني أن الصدر والمالكي هما من ظفرا بقصبة السبق على الساحة الشيعية. ومن هنا يكتسب الحديث عن شكل الحكومة المقبلة، التي جرى العرف أن يكون رئيسها شيعيا، زخما يوما بعد يوم.
ثلاثة تحالفات
من خلال النتائج الأولية المعلنة هناك 3 تحالفات أو كتل سياسية شيعية سيكون دورها محوريا في تحديد المسارات المقبلة، وهي التيار الصدري وائتلاف “دولة القانون” وتحالف “الفتح”.
ويرى مراقبون أن حصول التيار الصدري على المركز الأول لا يعني أن الطريق أمامه ستكون ممهدة، فهو يحتاج إلى التوصل إلى توافقات مع شركائه في المكون الشيعي قبل أن ينخرط في مشاوراته مع المعسكرين السني والكردي.
وعلى الرغم من تشكيل التيار الصدري للجنة بدأت عملية تفاوضية مع النخب والكتل السياسية بهدف تشكيل الحكومة المقبلة، فإن بعض التصريحات التي تخرج بين الحين والآخر من هنا وهناك وردود الفعل اللاحقة بشأن شكل الحكومة ربما تلقي الضوء على صعوبة المهمة.
ويرجح محللون أن يتسبب تراكم الاحتقانات والخلافات بين الصدر والمالكي على مدار 15 عاما، وحالة الاستقطاب الحادة التي تغذيها بعض القوى الخارجية صاحبة النفوذ في العراق على غرار إيران التي لها ميليشيات موالية لها، فضلا عن تشتت جزء من الحصة الشيعية في البرلمان المقبل بين كتل صغيرة ونواب مستقلين، في أن تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات الكثير من الارتباك في البيت الشيعي، ومن ثم ستواجه عملية حسم المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة صعوبات جمة.
إيران الخاسر الأكبر
الكثيرون متخوفون من أن تترجم الميليشيات الموالية لإيران تصريحات الصدر على طريقتها، وأن يكون العراق على موعد مع جولة جديدة من العنف
الكثيرون متخوفون من أن تترجم الميليشيات الموالية لإيران تصريحات الصدر على طريقتها، وأن يكون العراق على موعد مع جولة جديدة من العنف
يحذر مراقبون من خطورة الانقسام الشيعي – الشيعي في ضوء التدخلات الخارجية، لاسيما إيران التي تخشى على نفوذها في العراق وسط تلويح من الجماعات الموالية لها باللجوء إلى العنف إذا لزم الأمر.
ووصفت مجلة فورين بوليسي الأميركية طهران والجماعات الموالية لها بأنها الخاسر الأكبر في الانتخابات العراقية.
ويأتي هنا تلويح الجماعات الموالية لإيران برفض نتائج الانتخابات، بل وتهديدها باللجوء إلى العنف، بحسب فورين بوليسي.
وقالت المجلة الأميركية “لا تزال الأجواء في العراق مضطربة، إذ دعمت أخبار وصول إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني الشائعات التي تفيد بأن إيران ووكلاءها سوف يتلاعبون بالنتيجة”.
وبصفته رئيس الحزب صاحب غالبية المقاعد، يفترض أن يختار الصدر من يقوم بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن في حال غياب الأغلبية، سيتعين عليه تشكيل ائتلاف ربما رسم خطوطه العريضة أو الأسس التي سيقوم على أساسها، وذلك في خطاب تلفزيوني بعد إعلان النتائج الأولية.
رغم تشكيل التيار الصدري للجنة بدأت عملية تفاوضية مع النخب والكتل السياسية لتشكيل الحكومة، فإن بعض التصريحات وردود الفعل تلقي الضوء على صعوبة المهمة
ووضع الصدر مكافحة الفساد وتفكيك الميليشيات على رأس أولوياته، قائلا “من الآن فصاعدا، ستقتصر الأسلحة على سيطرة الدولة وحدها”.
كما وجه إشارة إلى الولايات المتحدة والقوى الأخرى، بقوله إن السفارات الأجنبية ستكون مرحبا بها في العراق “طالما لا تتدخل في شؤون البلاد الداخلية”.
ويتخوف كثيرون من أن تترجم الميليشيات المسلحة الموالية لإيران تصريحات الصدر على طريقتها، وأن يكون العراق على موعد مع جولة عنف جديدة ربما تطيح بأي آمال في بلد ينعم ولو بقسط يسير من الاستقرار.
صحيفة العرب