أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أول من أمس الإثنين، استقالة المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، من منصبه، وهو ما أكده خليل زاد، أمس الثلاثاء، بنفسه، بعدما تعهد بالاستفاضة حول تجربته وما رافقها من أحداث أوصلت إلى الانسحاب الأميركي الفوضوي والدموي من أفغانستان، نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ويعتبر زلماي خليل زاد، من المسؤولين الكبار القلائل من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذين أبقتهم إدارة الرئيس جو بايدن في مناصبهم بعد وصولها إلى السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أمس، أنه من غير الواضح ما إذا كان الرجل قد طُلب منه الاستقالة، أم أنه استقال بقرار منه. لكن شبكة “سي أن أن” نقلت عن مصدر مطلع، قوله إن خليل زاد كان يعتزم الاستقالة من المنصب في مايو/أيار الماضي، لكنه وافق على البقاء لفترة أطول، بناء على طلب الإدارة الديمقراطية. ومايو الماضي، كان الموعد الذي سبق أن حدّدته إدارة ترامب للانسحاب الأميركي من أفغانستان، بناء على اتفاق وصفته بـ”التاريخي”، أبرمته مع حركة “طالبان”، في فبراير/شباط 2020، بعد مفاوضات أجرتها مع الحركة في الدوحة. وفي كل الأحوال، سيبقى خليل زاد، الذي تنقل بين مناصب دبلوماسية عدة في عهود أميركية سابقة، تدور معظمها في فلك أفغانستان التي ولد وترعرع فيها، ويجيد أبرز لغاتها الإثنية، الوجه الدبلوماسي الأميركي لأبرز الإخفاقات الأميركية منذ عقود، ومنذ حرب فيتنام، وسيُحمّله الكثيرون وزر الإخفاق العسكري الأميركي والأطلسي، في أطول حروبه، علماً أن هذا الإخفاق هو ثمرة سوء الإدارة الأميركية لعقدين من الحرب، وإلحاح ترامب على اقتناص “صفقة” خارجية، مهما كانت في عهده، من بوابة أفغانستان.
عيّن بايدن توماس ويست خلفاً لخليل زاد
وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أول من أمس، استقالة زلماي خليل زاد من منصبه، الذي كان عيّنه فيه ترامب في سبتمبر/أيلول 2018. وأوضح بلينكن، في بيان، أن نائب خليل زاد، توماس ويست، الذي كان مستشاراً للبيت الأبيض حين كان بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، سيتسلّم المنصب. وويست قاد أيضاً صياغة الاستراتيجية الأفغانية لفريق بايدن الرئاسي الانتقالي، وعمل مع خليل زاد لأشهر. وبحسب ما أكد المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، في سبتمبر الماضي، فإن خليل زاد قد عاد من الدوحة إلى الولايات المتحدة، مضيفاً أن “هناك اليوم في العاصمة القطرية مهمة دبلوماسية أميركية بقيادة دبلوماسي كبير آخر”. وكان ويست قد رافق نائب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية “سي آي إيه”، ديفيد كوهين، إلى الدوحة في وقت سابق خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، للقاء وفد من “طالبان”، هو الأول من نوعه بينها وبين واشنطن بعد سيطرتها على الحكم، وإعلان حكومتها لتصريف الأعمال. كما زار ويست كابول نهاية أغسطس الماضي، مع مدير الوكالة ويليام بيرنز، حيث عُقد لقاء سرّي مع “طالبان”.
أخبار
الولايات المتحدة تقرّ بأنها خاضت “حرباً خاسرة” في أفغانستان
وفي كتاب الاستقالة الذي أرسله إلى بلينكن، دافع خليل زاد عن الجهود التي بذلها للسلام الأفغاني، مقراً في الوقت نفسه بفشلها، ومؤكداً أنه يريد التنحي خلال هذه “المرحلة الجديدة” من السياسة الأميركية إزاء أفغانستان. وقال الدبلوماسي الأميركي في كتاب استقالته، إن “الاتفاق السياسي بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان لم يسِر كما كان مخططاً له”، مضيفاً أن “أسباب ذلك معقدة للغاية، وسوف أتشاطر وإياكم أفكاري في الأيام والأسابيع المقبلة”. وكانت الحكومة الأفغانية السابقة، في عهد الرئيس أشرف غني، الذي فرّ من البلاد مع اقتراب “طالبان” من السيطرة على كابول، في أغسطس الماضي، قد اتهمت خليل زاد مراراً بالتحيّز لمصلحة “طالبان”، منذ أن بدأت مفاوضات واشنطن معها في 2019. لكن وسائل إعلام أميركية نقلت عنه قوله في وقت سابق، إن تلكؤ حكومة كابول (السابقة) وغني، في عملية الحوار مع الحركة، هو ما أوصل إلى تسلم “طالبان” الحكم. ونقلت “واشنطن بوست”، أمس، عن مصادر مطلعة على أفكار خليل زاد، اعتباره أن الاتفاق مع الحركة، ليس هو ما أوصلها إلى السيطرة على أفغانستان، بل قرار واشنطن في عهد ترامب وبايدن، المضي قدماً في الانسحاب، على الرغم من إخفاق “طالبان” في الالتزام بمعظم بنود الاتفاق. وكتب خليل زاد في رسالة الاستقالة، أن “طالبان التزمت بعدم السماح للمجموعات الإرهابية، بما فيها القاعدة، بالتخطيط أو القيام بهجمات تعرض أمن الولايات المتحدة وحلفائها للخطر”، مضيفاً “أنهم وافقوا على عدم السماح للإرهابيين بالتجنيد أو التدريب أو التمويل في المناطق التي يسيطرون عليها، والتفاوض المباشر مع الحكومة الأفغانية لتقاسم السلطة”. وقال إنه “بناء على هذه الرزمة، وافقنا على انسحاب قواتنا على مراحل تمتد لفترة 14 شهراً”.
لكن المعارضين للانسحاب، والمنتقدين للاتفاق، خصوصاً في الولايات المتحدة، ينظرون إلى الاتفاق على أنه ليس سوى رزمة تنازلات أميركية لـ”طالبان”. وبرأيهم، فإن الحركة تمكنت من خداع واشنطن، ودليل ذلك تقدمها المتسارع داخل الأراضي الأفغانية بعد انتزاع الاتفاق.
وحتى في بيان الاستقالة، ناقض خليل زاد نفسه، بعدما كان قد قدّم حتى آخر لحظة، تقييمات مغلوطة، لمدى قوة “طالبان”. وفي جلسة استماع أمام الكونغرس، في مايو الماضي، وصف خليل زاد التقديرات الاستخبارية وأنباء هجمات “طالبان” والخشية من تقدمها، بأنها “مبالغ فيها”. وحين كانت “طالبان” تقترب من كابول، حاول خليل زاد التفاوض مع الدول المجاورة، لا سيما باكستان، لانتزاع انسحاب أميركي مشرّف، وهو ما فشل فيه. وبعد جولة مباحثات له منفصلة مع الحركة والحكومة الأفغانية السابقة، كتب قبل أيام من سيطرة “طالبان” على الحكم، إن “هناك الكثير مما يوحد الطرفين أكثر مما يقسّمهما”.
دافع خليل زاد في كتاب الاستقالة عن اتفاق السلام مع طالبان
ويؤخذ على خليل زاد، إدارته للمفاوضات بـ”استقلالية” قد تعود إلى أصوله الأفغانية. فهذا الدبلوماسي الأميركي المخضرم، وُلد قبل 70 عاماً في أفغانستان، وهو يتحدّر من مزار الشريف (شمال أفغانستان) ويجيد لغتي الباشتو والداري. وكان خليل زاد، قد ارتاد في أفغانستان المدرسة ذاتها التي درس فيها غني، وتوجه الاثنان إلى الدراسة لاحقاً في الولايات المتحدة. وعمل خليل زاد، حين كان أستاذاً في جامعة كولومبيا، مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، في بداية الدعم الأميركي للمجاهدين الأفغان ضد الحكم السوفييتي في أفغانستان. وانضم الرجل إلى الخارجية الأميركية في عهد رونالد ريغان، لتقديم استشارات حول السياسة الأفغانية. تقلّد مناصب رفيعة في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، إذ عيّن سفيراً للولايات المتحدة في كابول ثم في بغداد ثم في الأمم المتحدة. وأمضى عهد أوباما بعيداً عن المناصب الحكومية. وأكد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون لوكالة “رويترز”، في وقت سابق، إن زلماي خليل زاد أصبح خلال السنوات الثلاث التي قضاها في منصبه الأخير، وجهاً لواحد من أكبر الإخفاقات الدبلوماسية الأميركية في الذاكرة الحديثة.
(العربي الجديد)