قوى تشرين.. معارضة وليدة في مواجهة إغراءات المحاصصة

قوى تشرين.. معارضة وليدة في مواجهة إغراءات المحاصصة

منحت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من الشهر الجاري العراقيين فرصة لبناء نواة معارضة برلمانية حقيقية في البلاد مع نجاح عدد من قوى تشرين ومستقلين في حصد عدد مقبول من المقاعد، لكن الاستفادة من هذه الفرصة لا تخلو من رهانات وتحديات.

بغداد – اتخذت مفاوضات ما بعد الانتخابات التشريعية في العراق نسقا تصاعديا في ظل أجواء مشحونة جراء رفض القوى الموالية لإيران الإقرار بهزيمتها. وتبدو المفاوضات صعبة وشاقة نتيجة ما أفرزته نتائج هذا الاستحقاق من تحولات في ميزان القوى الداخلي للبلاد، وسط تكهنات بأن تأخذ هذه المحادثات حيزا زمنيا أكبر قبل أن تتضح معالم خارطة طريق البرلمان المقبل.

ولئن تركز الاهتمام حول ما ستسفر عنه المحادثات التي تجريها القوى التقليدية الكبرى، ولاسيما التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومنافسه ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فإن المحادثات التي بدأتها قوى تشرين لا تقل أهمية خاصة وأن العديد من العراقيين يراهنون على هذه القوى الشبابية لتشكيل اللبنة الأولى لمعارضة برلمانية حقيقية لطالما افتقدها العراق.

وفتحت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من الشهر الجاري المجال أمام القوى التي برزت في حراك تشرين 2019 لفرض حضورها على صعيد العمل السياسي وتشكيل نواة معارضة برلمانية قادرة على مواجهة المنظومة الحالية التي انتهت بتحويل العراق وثرواته وموارده إلى مجرد غنيمة تتنافس القوى التقليدية على اقتطاع الحصة الأكبر منها.

حركة امتداد ترفض المشاركة في حكومة محاصصة وتتجه لتشكيل معارضة برلمانية

ويعبر جزء كبير من الشارع العراقي عن أمله في أن تنجح قوى تشرين وتلك التي تتقارب معها فكريا وسياسيّا في التأثير على المشهد البرلماني المقبل، بالرغم من أن هذه القوى لم تحقق نتائج كبيرة في الاستحقاق الانتخابي جراء تأثير المال والنفوذ السياسي والطائفي للأحزاب الكبرى، فضلا عن سطوة السلاح وتبني جزء كبير من الشباب المنتفضين خيار المقاطعة.

وتدرك قوى تشرين مدى صعوبة المهمة التي تقع على عاتقها، لكنها تسعى جاهدة اليوم إلى لملمة شتاتها وبناء تحالفات مع قوى صغيرة ومستقلين لتشكيل جبهة قوية قادرة على أن يكون لها صوت داخل البرلمان، والدفاع عن المطالب التي رفعت خلال الاحتجاجات التي اندلعت في أواخر أكتوبر من عام 2019 وأهمها تحقيق التنمية والتصدي للفساد المستشري في البلاد والمحسوبية.

ويقول علاء الركابي، رئيس حركة “امتداد” التي تمثل حراك تشرين، إن حركته أمام خيارين، أحدهما استقطاب المستقلين من الفائزين في الانتخابات وتشكيل كتلة كبيرة قد تستطيع تشكيل الحكومة، والخيار الآخر هو اللجوء إلى المعارضة.

وتكاد تكون فرص “امتداد” لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر المؤهلة لتأليف حكومة منعدمة في ظل الماكينة الكبرى للقوى التقليدية المتصدرة لنتائج الانتخابات والتي تتداخل حتما مع حسابات الخارج المؤثر بشكل مباشر على المشهد العراقي. بيد أن الحركة الشبابية التي نجحت في حصد تسعة مقاعد نيابية عن أربع محافظات، وهي ذي قار بواقع خمسة مقاعد، وبابل بمقعدين، والنجف والقادسية بمقعد عن كل منهما، مازالت تتمسك بحظوظها وترفض رمي المنديل.

وفي حال لم يتحقق هذا الهدف الصعب يفضّل رئيس حركة “امتداد“ خيار المعارضة على الاشتراك في حكومة محاصصة كما في السابق. وقد وصف الطريق أمام حركته بـ“الوعر والصعب جدا“، مستدركا “لكن ليس أمامنا خيار آخر، حيث نعلم أن هذه الأحزاب لا تسمح لنا بشق طريقنا بسهولة”.وأكد الركابي في تصريحات لشبكة “رووداو“ الثلاثاء على أن حركة “امتداد“ لن تشترك في أي “حكومة محاصصة” مقبلة، لافتا إلى أنهم إذا نجحوا في استقطاب كل المستقلين الفائزين في الانتخابات -والبالغ عددهم 45 عضوا- والتحالف مع بعض الكتل فقد يستطيعون تشكيل الحكومة.

ويرى مراقبون أن رهان حركة “امتداد” على إقناع كل المستقلين بالانضمام إليها أو التحالف معها أمر في غاية الصعوبة، لاسيما في ظل ما يمكن أن تعرضه الأحزاب الكبرى من إغراءات على هؤلاء كي ينضموا إليها بغية تحسين تموقعها وأوراق تفاوضها في مواجهة القوى المقابلة.

ويشير المراقبون إلى أن ذلك لا يلغي واقع أن هناك مستقلين وطنيين يبدون اهتماما بأن يكونوا في الخندق المقابل ويرفضون الانغماس في “وحل” المنظومة الحالية، وعلى هذا الأساس من غير المستبعد أن تنجح “امتداد” في تشكيل تحالف وازن، قادر على التأثير في المعادلة البرلمانية المقبلة وإحراج القوى السياسية المهيمنة.

ويقول الركابي في هذا الإطار إن الحديث عن أرقام بشأن القوى والشخصيات الراغبة في التحالف معهم لا يزال “مبكرا“، وأي جهة تشترك “معنا بالرؤى” قد يتم التحالف معها، مشيرا إلى وجود توقعات “طيبة” في هذا الصدد.

ولا يخفي البعض من العراقيين توجسهم من إمكانية أن تقع قوى تشرين نفسها في شراك المنظومة الحالية، في ظل الإغراءات التي يمكن أن تعرض عليها، كما حصل مع العديد من القوى الأخرى التي سبق أن رفعت شعارات كبيرة تنبذ الفساد وتؤمن بالدولة الوطنية الجامعة لكنها تحولت هي نفسها إلى راعية لنظام المحاصصة ليس فقط السياسية بل الحكومية.

من غير المستبعد أن يحاول الأقطاب الحاليون تقديم استرضاءات وإغراءات لقوى تشرين أو تلك التي تشترك معهم في نفس الرؤية، بيد أن نجاحهم في ذلك ليس أكيدا

وكان عهد الاسترضاءات انطلق مع نوري المالكي الذي تولى رئاسة الوزراء في العراق لدورتين (2006 – 2010). وذهب المالكي إلى حد استحداث منصب جديد لمنافسه على رئاسة الوزراء إياد علاوي مقابل حصوله على ولاية ثانية في عام 2010، لينتعش بازار المساومات والاسترضاءات بين القوى التقليدية من خلال محاصصات لم تقتصر على الوزارات بل طالت كل مفاصل الدولة.

ورغم ادعاء التيار الصدري، الفائز الحالي في الانتخابات البرلمانية بواقع 73 مقعدا، تعففه عن المحاصصة وحرصه على أن يؤسس لعهد جديد يقطع معها إلا أن هذا التيار كان على مدى عدة سنوات أحد أبرز المستفيدين منها والأكثر قدرة على التلاعب بالمنظومة القائمة وتعزيز مكاسبه على امتداد الحكومات المتعاقبة.

ويرى محللون أنه من غير المستبعد أن يحاول الأقطاب الحاليون تقديم استرضاءات وإغراءات لقوى تشرين أو تلك التي تشترك معهم في نفس الرؤية، بيد أن نجاحهم في ذلك ليس أكيدا، حيث تدرك هذه القوى الشبابية أن الانخراط في هذا المسار يعني نهايتها حتما، ويعني أيضا توجيه ضربة مميتة لحراك راغب في رؤية عراق ديمقراطي ينتصر لجميع أبنائه.

وأكدت حركة “امتداد” الاثنين أنها ستتجه لتشكيل معارضة برلمانية في حال “لم نوفق في تكوين الكتلة الأكبر” التي تؤهلها لتشكيل الحكومة الجديدة. وقالت الحركة في بيان إن لديها “تفاهمات مع مجموعة من المستقلين الوطنيين بالإضافة إلى بعض القوائم الجديدة“، لبناء جبهة وازنة.

العرب