“الكتلة الأكبر”: لغم قانوني أم توافق سياسي عراقي؟

“الكتلة الأكبر”: لغم قانوني أم توافق سياسي عراقي؟

دخل العراق بُعيد إجراء الانتخابات البرلمانية في نفق تشكيل الحكومة الاتحادية التي تخضع لمعايير المحاصصة السياسية (غير الدستورية)، والتي أضحت عرفاً ترفضه أغلبية الشعب لما خلفته من ترشيحات إدارات تسببت في إنتاج دولة توصف بالفاشلة، تعتمد نظام المكونات الثلاثة إضافة إلى تمثيل شكلي للأقليات يخضع له النظام السياسي البرلماني الحالي.

“الكتلة الأكبر”؟

تحديد “الكتلة الأكبر” واحد من الأنفاق التي دخلتها الحياة السياسية العراقية بعد 2003، والتي على أساسها يكلف الرابح في الانتخابات من قبل رئيس الجمهورية المنتخب بأكثرية الأصوات من يراه مؤهلاً لتشكيل الحكومة، ونصت المادة 76 من الدستور العراقي الصادر عام 2005 على ما يلي: “يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”، وهذا النص القانوني استغل لفرض وضع استثنائي في مهمة تكليف تشكيل الحكومة لا يحدده العدد الأكثر من الفائزين، لأن المشرع كما يقول الخبير القانوني الدكتور عدنان الشريفي، “أن الدستور لم يقل الكتلة الانتخابية بل الكتلة النيابية لأن الفائز في الانتخابات لا يعتبر نائباً، والكتلة الانتخابية لا تعتبر كتلة نيابية إلا بتحقق ثلاث مراحل تتمثل في الفوز بالانتخابات، ومصادقة المحكمة الاتحادية، وأداء اليمين الدستورية، لذلك جاء التعبير الدستوري واضحاً بقوله مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، ولم يقل مرشح الكتلة الفائزة بالانتخابات”.

وهذا التفسير الذي أقصي على أساسه تكليف الدكتور إياد علاوي، زعيم “القائمة العراقية” عام 2010 على الرغم من فوز كتلته وحصوله على أعلى الأصوات، ونيله 92 مقعداً نيابياً تلته قائمة نوري المالكي بـ89 صوتاً، وضع الجمهور العام في ارتباك من ذلك التفسير المضلل بالنسبة له، وفرض تساؤلاً: كيف يُقصى الأكثر عدداً من النواب ويرشح من هو دونه؟!

الكتلة الأكبر لا تزال إشكالية

ويتكرر الإشكال لهذه الدورة الخامسة أيضاً حيث يبقى الباب مفتوحاً لترشيح كتلة أخرى لم تحصل على أعلى الأصوات الانتخابية لربما من غير الصدريين الفائزين بـ72 نائباً، في حال بروز تحالف مرجح آخر يتمكن من تشكيل كتلة نيابية أكثر عدداً تفرض مرشحها لرئاسة الوزراء! في تلك الحالة، سيرتبك الرأي العام ويتعقد المشهد العراقي الذي يروم فيه نوري المالكي رئيس كتلة “دولة القانون”، التحالف مع كتل من كل المكونات مقابل وعود ومغريات لجمع الكتلة الأكبر مدعوماً بقرار المحكمة الاتحادية التي أصدرت قرارها المؤرخ في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2020 المستند على قرارها السابق المرقم 25 لسنة 2010 بأن “الكتلة الأكثر عدداً تعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية ودخلت مجلس النواب، وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس، وحلف أعضاؤها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى الأكثر عدداً من بقية الكتل”.

اقرأ المزيد

معركة الحكومة العراقية بين التظاهرات وسيناريوهات التحالفات

عقبات أمام بارزاني لتوحيد المواقف الكردية في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية

ما الذي يتحكم في المشهد السياسي العراقي: السلاح أم مقاعد البرلمان؟
ويؤكد الشريفي أن “هذا القرار تضمن أمراً مهماً، وهو أن الائتلافات لتشكيل الكتلة الأكثر عدداً لا تُحتسب بعد أداء اليمين الدستورية حينما تكون الكتل تحت قبة البرلمان لأن القرار قال، التي تكونت من القوائم الانتخابية، ولم يقل القوائم البرلمانية، وبالتالي، فإن أي ائتلاف بين الكتل بعد أداء اليمين الدستورية لا قيمة له”.

غير أن محاولة جذب النواب وانتقالهم إلى كتل أخرى كما جرت في الدورات الأربع السابقة، وحولت البرلمان إلى مزاد علني للبيع والشراء لأصوات البرلمانية وانتقالهم للكتل القوية وشراء أصواتهم كما تفعل فرق محترفي كرة القدم، سعت المحكمة العليا إلى وقف تشريع القانون رقم (9) لسنة 2020 في المادة 45 التي نصت على أنه “لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة”.

تعقيد

هذا التعقيد والإشكالية في النص القانوني، كما يرجح العديد من القانونيين بأن ذلك صيغة لضمان مصالح الأحزاب والكتل الكبرى، الذي أجاز الائتلاف بين القوائم، يمكن الكتلة الأكثر عدداً من إضافة أصوات القائمة المؤتلفة وفوزها على الكتلة الفائزة في الانتخابات، لكونه قيد انتقال الأعضاء إلا بعد تشكيل الحكومة، وعدم السماح بانتقال البرلمانين قبيل تشكيل الحكومة الذي أوقف مزاد بيع الأصوات، لكنه ضمن فوز الائتلافات في وقت يجوز انتقال الأعضاء ما بعد تشكيل الحكومة، ما يظهر حجم ونوع التعقيد الذي أثبت أن الشيطان يكمن في التفاصيل، أمام هذه الإشكالية التي يختلط فيها ما هو قانوني مع السياسي، العملية السياسية الحالية تشهد حواراً مكثفاً يجرى في السر أكثر من العلن لترتيب طاولة التفاوض والائتلافات التي تعمل ما بوسعها لترجيح كفة الأحزاب لا سيما التي شعرت بالحرج أمام تفوق “الصدريين” الذين يسعون للخروج من ائتلاف شيعي يطالب به “الولائيون” للبقاء في سدة الحكم والتحكم في إدارة البلاد، وتنفيذ مشاريع لم تكتمل بعد، أبرزها تمكين “الحشد الشعبي” بصيغة تحاكي قيمة وهيمنة الحرس الثوري في إيران، في وقت يدعو مقتدى الصدر إلى أن تكون الدولة صاحبة القرار في المقاومة، والسلاح بيد الدولة، ويرجح بأن تكون الحكومة صدرية لكونها فازت في انتخابات نزيهة، كما أن قوى اللادولة لا ترغب بالتغيير المحتمل أن يأتي من حكومة غير مسيطر عليها بالكامل، من أولوياتها بناء العراق وجعل القرار السياسي والاقتصادي عراقياً بحتاً.

اندبندت عربي