بدأت التساؤلات حول مصير الانتخابات النيابية المقبلة مع رد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على قانون الانتخابات، ولم تنتهِ بالمشهد الأمني المتوتر في أنحاء البلاد كافة، وكذلك الخطاب السياسي التحريضي بين الأطراف السياسية الذي أعاد إحياء ذاكرة الحرب الأهلية. فعلى غرار كل القضايا في لبنان، صغيرها وكبيرها، لم يمر إجراء رد رئيس الجمهورية مرور الكرام، بل أعاد إنتاج الانقسام السياسي بين الفرقاء، وظهرت عملية الفرز واضحة هذه المرة، إذ بدا “التيار الوطني الحر” (التابع لرئيس الجمهورية) وحيداً في مواجهة المجموعات السياسية الأخرى، لناحية الإصرار على إبقاء الدائرة 16 والمقاعد الستة لتمثيل المغتربين حصراً.
تباينت القراءات للموقفين الرئاسي والدستوري، ولكنها اتفقت على مصيرية الانتخابات المقبلة، التي لا يُنتظر منها انقلاب شامل في ظل التقسيمات القائمة، وتأجيج الخطاب الطائفي – الغرائزي. ولكن مما لا شك فيه، أنها تشكل خطوة ضرورية في المسار الذي يمهّد الطريق لانتخابات رئاسية جديدة في خريف 2022، ورسم هوية من يخلف عون.
الرئيس في مواجهة المجلس
رد رئيس الجمهورية القانون الصادر عن مجلس النواب، الذي تضمن مجموعة من التعديلات على قانون الانتخابات، وحدّد 27 مارس (آذار) 2022 موعداً للانتخابات النيابية المقبلة، ومنح المغتربين المسجلين في الخارج حق الاقتراع لـ 128 نائباً. رئاسة الجمهورية أكدت موقفها الرافض للتعديلات، وأشارت إلى أنها “تجاوزت مجرد التوصية، وتم فرضها بصورة استثنائية ولمرة واحدة على الانتخابات المقبلة”. كما كررت الرئاسة الحجة التي قدّمها النائب جبران باسيل في مجلس النواب لناحية التحذير من العواصف والوضع المناخي وإحجام الناخبين. كما رأت أن “إجراء الانتخابات في مارس المقبل يقصّر مهلة تسجيل الناخبين غير المقيمين، ويحول دون تمكّنهم من ممارسة حقهم السياسي بالاقتراع لممثلين مباشرين لهم”. ولفتت الرئاسة إلى أن التعديلات تحرم 10685 مواطناً ومواطنة من جميع الطوائف حقّ الانتخاب لكونهم لن يبلغوا عمر الـ 21 سنة مع حلول مارس 2022.
الرد والصلاحية الدستورية
ومنذ تسلّمه منصب رئاسة الجمهورية، يُصرّ عون على ممارسة صلاحياته إلى أقصى حدود التأويل والتفسير، من رد القوانين، إلى توجيه رسائل للبرلمان، وترؤس جلسات الحكومة. فهو من وجهة نظر أنصاره، يرسخ ما تبقى من صلاحياته الدستورية التي أقرّها اتفاق الطائف، فيما يرى خصومه أنه يعرقل سير عجلة البلاد ويجنح نحو تقليص صلاحيات الحكومة لصالح موقع الرئيس. وبعيداً من الاختلافات والاجتهادات السياسية، تستمر المؤسسات الدستورية هيكلاً صورياً، يمارس ما تبقى من سلطة في ظل الديمقراطية التوافقية.
وفي معرض رد التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على قانون الانتخابات، يؤكد عصام سليمان، رئيس المجلس الدستوري السابق، أن “رئيس الجمهورية مارس صلاحياته الدستورية، لأن الدستور أعطاه حق رد القوانين إلى البرلمان، إذا وجد أن القانون يتعارض مع الدستور، أو يتعارض مع المصلحة العامة”. وعليه، فإن رد قانون التعديلات هو في صلب الصلاحيات الدستورية.
ويتحدث سليمان عن خطوات هي التالية: يجب على مجلس النواب إعادة درس القانون وطرحه على التصويت. وفي حال صوّت عليه المجلس، وأعاد التأكيد عليه بالأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه أي 65 نائباً، عندها يصبح رئيس الجمهورية ملزماً التوقيع عليه. أما في حال أصرّ على عدم التوقيع، يصبح القانون نافذاً ويُنشر في الجريدة الرسمية. وفي هذه الحالة، أي تأكيد الكتل النيابية على موقفها من التعديلات، يبقى لرئيس الجمهورية خيار إضافي أي حق اللجوء إلى المجلس الدستوري من أجل الطعن بدستورية القانون، وذلك خلال مهلة 15 يوماً من نشره في الجريدة الرسمية.
ويطرح رد التعديلات تساؤلات عدة على مصير الانتخابات، ومن ثم إعادة درس القانون في البرلمان، والانتظار حتى إقراره مجدداً ونشره، وربما الطعن به مجدداً في المجلس الدستوري. يجيب عصام سليمان، قائلاً: “هذه الإجراءات لا تهدد حصول الانتخابات، لأنه في حال الطعن في التعديلات لدى المجلس الدستوري، يجب إصدار قرار خلال مهلة شهر. وفي حال إبطال المجلس التعديلات، تجري الانتخابات في ظل القانون القائم أي وفق الصيغة السابقة على إقرار التعديلات في مجلس النواب”.
وتباينت مواقف الكتل السياسية حيال القرار الذي اتخذته رئاسة الجمهورية اللبنانية. فمن جهة أولى، رحب “التيار الوطني الحر” بمبادرة عون وممارسة حقه الدستوري في رد التعديلات التي أدخلتها الأكثرية النيابية على قانون الانتخاب. وانتقدت الهيئة السياسية للتيار إلغاء الكوتا الاغترابية أي المقاعد الستة المخصصة للمنتشرين في الدائرة 16، بالتالي حرمانهم من حقهم الاستراتيجي، بحسب توصيف التيار. كما اعتبر التيار أن الصيغة التي أقرّتها الأكثرية النيابية لإلغاء حق المنتشرين فضيحة قائمة بذاتها. كذلك رأى أن إلغاء البطاقة الممغنطة يعكس رغبة غير إصلاحية، أما حذف الميغاسنتر فيؤدي حكماً إلى تراجع نسبة الاقتراع. كما صوّب التيار على إسقاط الكوتا النسائية في متن القانون كحافز للتمكين.
في المقابل، ينتقد النائب بلال عبدلله، عضو “اللقاء الديمقراطي” موقف عون، وهو يرى أن “رئاسة الجمهورية أعلنت تبنّي موقف التيار الوطني الحر لا غير”. ويؤكد إصرار الفرقاء الذين يمثلهم على تسجيل موقفهم السابق الذي يشدد على ضرورة السير بتلك التعديلات.
لا ينفي بلال عبدالله ممارسة رئيس الجمهورية لحقه الدستوري في رد القوانين الصادرة عن مجلس النواب، ولكنه يلفت في المقابل إلى أن تحديد نهاية مارس موعداً لإجراء الانتخابات النيابية، يقع ضمن المهل الدستورية التي تمتد إلى شهر مايو (أيار). ورداً على فرضية حصول عاصفة مناخية تعرقل الانتخابات وتخفض من إقبال الناخبين، يفضل بلال عبدالله عدم التعليق على هذه الحجة، مضيفاً “جاءنا الأستاذ جبران بدراسة مناخية إلى المجلس”.
خفض سن الاقتراع
ويرد عبدالله، المقرّب من النائب السابق وليد جنبلاط، على فرضية حرمان حوالى 11 ألف شاب لبناني من حقهم في الاقتراع للمرة الأولى، بالقول “إذا كان لديهم حرص على تمثيل الشباب، فليتفضلوا ويشاركونا في تعديل الدستور لتخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة”، بالتالي تأييد اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلته وحلفاؤها لخفض سن الاقتراع، والانضمام إلى اقتراح القانون الذي يتطلب تواقيع عشرة نواب، وعندها يمنح حق الانتخاب لحوالى 70 ألف شاب.
ويصف النائب بلال عبدالله تخصيص كوتا وعدد محدد من المقاعد النيابية للمغتربين بالسقطة غير المدروسة في القانون، لأنها غير منطقية وصعبة التحقيق، ولذلك يفضل إعطاءهم الحق بانتخاب كامل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 128 نائباً، وبحسب عبدالله “هذا رأي غالبية الكتل الممثلة في مجلس النواب، وتفرّد التيار الوطني الحر بالاعتراض”.
اندبندت عربي