استخدم جورج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني، خبراته الإعلامية المعتبرة، في محاولة منه لصد تداعيات الأزمة السياسية التي أثارتها تصريحاته في برنامج «برلمان الشعب» على قناة «الجزيرة» غير أن مقدّم البرامج السابق، الذي اشتهر بتقديم النسخة العربية من برنامج المسابقات «من يربح المليون؟» لم يكن موفقا وزاد، بتصريحاته اللاحقة «الطين بلّة» بحيث رفع من منسوب الأسئلة ليس حول انحيازاته السياسية فحسب، بل حول منصبه، والحكومة التي يمثلها، والمآلات التي آلت إليها البلاد.
أعادت القضية المستجدة التذكير بحادثة لم تندمل آثارها بعد، حين قام وزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة، المحسوب على تيار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، في أيار/مايو الماضي، في حوار تلفزيوني أيضا، بإهانة خصمه المحلل السياسي السعودي سليمان الأنصاري، بالتساؤل: «أنا بلبنان ويهينني واحد من أهل البدو؟».
الإعلامي اللبناني حاول أن يمارس التمويه أكثر من زميله وزير الخارجية السابق في آرائه التي تضمّنت الدفاع عن رئيس النظام السوري بشار الأسد (الذي كان رشحه عام 2018 ليكون «رجل العام») بالحديث عن أن المعارضين السوريين من «أكلة الأكباد» لم يكونوا ملائكة، وعن تصدّيه لـ«مؤامرة كونية».
يستطيع قرداحي «مطّ» و«تدوير» تصريحاته واستخدام قدراته الإعلامية والدبلوماسية لتشمل مديح الأسد بالقول إنه «آخر زعيم عربي يقف بوجه إسرائيل» واعتبار «سلاح حزب الله لمصلحة لبنان» وتمنيه حدوث «انقلاب عسكري» في البلد «لتنظيم الأمور والدفاع عن حقوق الناس» واعتباره الحوثيين في اليمن «حركة مقاومة» ضد «الاعتداء السعودي الإماراتي على اليمن» من دون الإحساس بالتناقض بإشادته بالتطبيع مع إسرائيل ومديح ولي عهد الإمارات محمد بن زايد قائلا إن «التطبيع شأن سيادي» وكذلك قوله إن لبنان يحتاج إلى شخصية مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
من غير الصعب، رغم هذه التصريحات المتناقضة، الكشف عن حقيقة آراء قرداحي التي تضيف إلى عنصرية نظيره وهبة «الفهلوة» التي هي من مستلزمات العمل في برامج التسلية والترفيه في قنوات سعودية تبث من الإمارات، ومن ذلك تفسيره لتصريحاته عن حرب اليمن بأنه لم يكن طرفا بل قاله «كصديق» وأنه يعتبر السعودية والإمارات بلده الثاني.
معلوم أن توزير قرداحي كان في الحقيقة نتيجة موقفه المعلن والواضح في تأييد القوى المحلية والإقليمية النافذة في لبنان، من نظام بشار الأسد إلى «حزب الله» وتيار ميشال عون (وليس لمجاملته للسعودية ودول الخليج) ولذلك فإن التصريح الأكثر وضوحا وواقعية لقرداحي ظهر في غضبه الرافض للضغوط عليه للاستقالة والاعتذار، وذلك على حد قوله لأنه من بلد «سيادي» و«جزء من حكومة متراصة» وبالتالي فإنه «لم يخطئ كي يعتذر».
تمثل آراء قرداحي استمرارا لتيّار شعبوي لبناني نشأ مع بدايات لبنان الحديث، وغذّته آراء تختزن كرها عنصريا للعرب «الذين جاؤوا من الجزيرة العربية» لمزاحمة أصحاب البلد «الفينيقيين» وقد أصبحت تلك الآراء (مع الحالة السياسية والاقتصادية الصعبة التي آلت إليها البلاد وتآكل سيادتها لصالح سيطرة دول إقليمية مثل إيران) مزيجا كاريكاتوريا متناقضا يجمع بين عبادة القوة (الأمنيات بالانقلاب العسكري) والاستبداد (تأييد نظام الأسد) ورفع شعارات المقاومة والممانعة ودعم الحوثيين وتأييد إيران، مع التأييد المفتعل، أو الحقيقي لتطبيع أبو ظبي مع إسرائيل، أو للدعوة لوجود «حاكم قوي» للبنان مثل ولي العهد السعودي.
القدس العربي