بعد أن دعا رئيس وزراء لبنان الملياردير نجيب ميقاتي، وزير إعلامه جورج قرداحي “ليقوم بالخطوة الصحيحة”، دون أن يوضح بكلمات صريحة أنه يقصد استقالته – تجند ثلاثة رؤساء وزراء سابقون في بيروت، هم: سعد الحريري، وتمام سلام، وفؤاد السنيورة، وانضموا إلى دعوة قرداحي بوضع المفاتيح (في صالح لبنان). بل إن الزعيم الدرزي القديم وليد جنبلاط، سار خطوة أخرى إلى الأمام، إلى جانب مجموعة كبيرة من المحامين والقانونيين من بيروت، وطالب باعتقال وزير الإعلام وتقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة.
قرداحي، حالياً، لا يحلم بالاستقالة. فلديه إسناد قوي من الرئيس الأسد في سوريا، ومن الحرس الثوري الإيراني، ومن حزب الله في لبنان، وثمة شائعة قوية تصر على أنه عين أصلاً وزيراً بفضل التدخل المباشر والضغوط الشديدة التي مارسها الأسد. والآن، بعد أن أعلنت السعودية، والكويت، والبحرين والإمارات في الخليج عن طرد سفراء لبنان وإعادة سفرائها من بيروت “للتشاور”، فإن الوضع في دولة الأرز عالق. يدرك الرئيس ورئيس الوزراء بأن “حزب الله” مصمم على إبقاء قرداحي، وهكذا أيضاً سوريا وإيران. إذا اتخذوا خطوة حادة أكثر، فإن المعادلة المترنحة على أي حال والتي بالكاد تمسك بلبنان، من شأنها أن تنهار بين أيديهم، بضربة هائلة.
الشائق أن أقوال قرداحي، التي أثارت السعودية، كان قرداحي قالها حين كان مقدماً تلفزيونياً شعبياً في الصيغة المحلية لـ “من يربح المليون”؛ ففي حينه، قال إن السعودية والإمارات “تخوضان حرباً غير مبررة ضد الحوثيين – شيعة اليمن”. والآن يدعي بأن هذا القول يعبر عن رأيه الخاص كمواطن، ولا يعكس موقف حكومة بيروت، لكن هذا لا يجدي نفعاً. فالأسرة المالكة السعودية- ووراءها الكويت، والبحرين والإمارات – تريد على الأقل رأس قرداحي إن لم يكن استقالة حكومة لبنان كلها. أما قرداحي، من جهته، فقد أوضح أمس بأنه يرفض الاعتذار، لن يوافق على الإعلان عن استقالته، ولكن يتراجع عن أقواله.
من يتصفح الشبكات الاجتماعية الآن يكتشف عالماً عربياً منقسماً. هناك من يؤيدون قرداحي ولكنهم يدعونه لأن “يعرب عن الندم” كي يوقف الضرر الاقتصادي الشديد بلبنان، وثمة من يسمونه انتهازياً مستعدون للقسم بأنه تلقى الملايين من إيران ويعدون بقرب نهايته. شخصية كبيرة في لبنان لا تتردد في تسميته بأنه “عبوة ناسفة” وهناك من يضيفونه إلى مثلث الإرهاب خامينئي والأسد ونصر الله. والآن يتبقى أن نرى ما إذا كانت السعودية والإمارات ستتخذان خطوة أليمة فتطرد من أراضيها مئات آلاف العمال اللبنانيين – إذا ما حصل هذا، فلن يكون لحكومة بيروت مفر غير الإعلان عن استقالة كل الوزراء ورئيس الوزراء.
ونحن أيضاً في داخل القصة: قرداحي لذع ولي العهد السعودي وحكام الإمارات حين أعلن بأن الرئيس الأسد هو الزعيم الوحيد في العالم العربي الذي يخوض حرباً حقيقية ضد إسرائيل. فقد أراد أن يمتدح الرئيس السوري وحزب الله على إصرارهما، على حد قوله، على الحفاظ على جمرة النار “في الوقت الذي ينحني فيه زعماء آخرون في العالم العربي، وعلى رأسهم حكام دول الخليج، أمام الإسرائيليين”، ولكنه أضاف بعد ذلك تعديلاً صغيراً: إذا ما وصلت القضية الفلسطينية إلى حل متفق عليه، لا يهمه أن تنضم بيروت إلى خطط السلام العربي مع إسرائيل.
القدس العربي