بالنسبة للولايات المتحدة، يمثل الانقلاب الذي وقع في السودان الأسبوع الماضي تحديًا مباشرًا. فقد جاء بعد يومين فقط من زيارة قام بها المبعوث الخاص لإدارة بايدن للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إلى الخرطوم لتحذير القادة العسكريين من أنهم يخاطرون بفقدان المساعدة والشرعية الدبلوماسية التي استعادها السودان من خلال الشروع في التغيير الديمقراطي و-بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير- دفع تعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين والانضمام إلى الدول العربية الأخرى في الاعتراف بإسرائيل.
* * *
يأتي الانقلاب العسكري الناجح على ما يبدو، الذي وقع يوم الاثنين من الأسبوع الماضي في السودان، بعد أسابيع من التوتر السياسي المتصاعد -وظهور علامات متزايدة على انهيار محتمل للتحول الديمقراطي في ذلك البلد. وكانت انتفاضة شعبية قد أطاحت بديكتاتورية الرئيس عمر حسن البشير في نيسان (أبريل) 2019، وهو ما اتفق بعده القادة العسكريون والمدنيون في البلاد رسميًا على تقاسم السلطة حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد في العام 2023. ومع ذلك، فإن مجموعة من الضباط وقادة الميليشيات الذين يحتفظون بعلاقات غامضة مع النظام المخلوع، عملوا على تقويض عملية الانتقال الديمقراطي بشكل مطرد. وقد فشلت محاولة الانقلاب التي جرت في 21 أيلول (سبتمبر)، لكن زعزعة الاستقرار في السودان استمرت، من خلال الاحتجاجات المنظمة التي تُقام في العاصمة الخرطوم وفي مدينة بورت سودان الاستراتيجية الواقعة على البحر الأحمر-وصولاً إلى الانقلاب الذي قاده قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، يوم الاثنين الماضي.
قام الجيش باعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومجلس وزرائه؛ وإغلاق شبكة الإنترنت -والأسوأ من ذلك، إطلاق النار على بعض من آلاف المدنيين الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجًا على الانقلاب. وتم الإبلاغ عن أربع وفيات و80 إصابة في تلك الأحداث. حدث كل هذا قبل أسابيع قليلة من الموعد النهائي المقرر في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) لتسليم الجيش السيطرة على الحكومة المؤقتة المدنية والعسكرية إلى السيد حمدوك. ويصعب استبعاد المزيد من إراقة الدماء بالنظر إلى سجل الجيش السوداني، وسجل الميليشيات المتحالفة، والذي يشمل قتل 100 متظاهر خلال انتفاضة العام 2019. وربما يكون احتمال نشوب حرب أهلية هو الخطر الأكبر. وتشمل المشكلات الأخرى تعميق الصعوبات الاقتصادية؛ وبطبيعة الحال، احتمال عودة دائمة للديكتاتورية، على الرغم من وعد الجنرال برهان بأن انتخابات العام 2023 سوف تقام كما هو مقرر.
بالنسبة للولايات المتحدة، يمثل الانقلاب في السودان تحديًا مباشرًا. فقد جاء بعد يومين فقط من زيارة المبعوث الخاص لإدارة بايدن للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إلى الخرطوم لتحذير القادة العسكريين من أنهم يخاطرون بفقدان المساعدة والشرعية الدبلوماسية التي استعادها السودان من خلال الشروع في التغيير الديمقراطي و-بعد الإطاحة بالرئيس عمر- دفع تعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين والانضمام إلى الدول العربية الأخرى في الاعتراف بإسرائيل. وقد أزالت إدارة الرئيس ترامب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مزيلة بذلك عقبة رئيسية أمام المساعدات والقروض الدولية.
كما قبلت السلطات الانتقالية في السودان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي تتهم السيد البشير بارتكاب إبادة جماعية في دارفور، حيث قتلت القوات الموالية للحكومة 300 ألف شخص بين العامين 2003 و2008، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. وكان الجيش السوداني مترددًا في تسليم البشير إلى المحكمة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ما قد تكشفه المحاكمة حول المسؤولية الأوسع نطاقًا للضباط الآخرين في تلك الحلقة المروعة. وربما كانت هذه القضية هي الدافع وراء الانقلاب الذي وقع يوم الاثنين.
وهذا سبب إضافي للتفكير بأن الولايات المتحدة كانت على حق في الاستجابة إلى تحذيرات السيد فيلتمان بتعليق ما تبلغ قيمته 700 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية. وفي إدانتها للانقلاب، وجدت إدارة بايدن نفسها متناغمة مع كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش. وهذا أمر مشجع، لكن الولايات المتحدة في حاجة إلى الاستمرار في الرفض الدولي القاطع للانقلاب -بما في ذلك من قبل أصدقاء الخرطوم والداعمين السابقين في المملكة العربية السعودية. وبخلاف ذلك، قد يتم محو نقطة مضيئة ديمقراطية أخرى من الخريطة.
الغد