“التضخم”.. أكبر تحدٍ يواجه أردوغان مع اشتداد التجاذبات وقرب الانتخابات

“التضخم”.. أكبر تحدٍ يواجه أردوغان مع اشتداد التجاذبات وقرب الانتخابات

يتواصل ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في تركيا مع الإعلان عن ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات قياسية بالتزامن مع الانخفاض التاريخي في قيمة العملية المحلية مقابل الدولار واليورو، الأمر الذي تسبب في متاعب ومصاعب حياتية كبيرة للمواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وبات يشكل أكبر تحدٍ يواجه حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان مع اشتداد التجاذبات السياسية الداخلية وضغط المعارضة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة منتصف عام 2023 بشكل مبكر.

والأربعاء، أعلنت هيئة الإحصاء التركية، بأن معدل التضخم ارتفع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة 19.89%على أساس سنوي، وأوضحت الهيئة أن معدل التضخم السنوي ارتفع بنسبة 0.31% عن المعدل المسجل في الشهر السابق عند 19.58%.

وكان التضخم في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي قد بلغ 11.89%، لكن المعارضة تقول إن أرقام التضخم الحقيقية في البلاد وصلت إلى الضعف، وبلغت ما لا يقل عن 40 في المئة.

وبحسب هيئة الإحصاء الرسمية، تم تسجيل أعلى زيادة في الأسعار على أساس سنوي في قطاع الأغذية والمشروبات غير الكحولية، حيث ارتفعت بنسبة 27.41%، والفنادق والمقاهي والمطاعم بنسبة 25.53%، والمفروشات والمعدات المنزلية بنسبة 23.03%.

وقبل أيام، عدل البنك المركزي التركي توقعاته الخاصة بالتضخم لنهاية العام الجاري، حيث قال إنه من المتوقع أن يصل معدل التضخم السنوي إلى 18.4% بنهاية عام 2021، مقابل 14.1% في التوقعات السابقة، وقال رئيس البنك المركزي شهاب قاوجي أوغلو عقب اجتماع للبنك في أنقرة، إنهم يتوقعون أن يصل التضخم في البلاد بنهاية العام الجاري إلى 18.4 في المئة، و11.8 في المئة في 2022، و7 في المئة عام 2023.

وقدم رئيس البنك تطمينات حول السياسات المالية في البلاد، قائلاً: “تماشيا مع التوقعات قصيرة المدى، وفي ظل استمرار السياسة النقدية الصارمة، فإن التضخم يتوقع بلوغه تدريجيا للمستويات المستهدفة”، لافتاً إلى أن احتياطات البنك وصلت إلى 126 مليار دولار اعتبارا من 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مؤكدا مواصلة تراكم الاحتياطي لتعزيز السياسة النقدية.

وبسبب عوامل مختلفة أبرزها انتشار جائحة كورونا، يشهد الاقتصاد العالمي صعوبات كبيرة كان التضخم أبرز مؤشراتها، حيث قالت تقارير رسمية إن التضخم سيتجاوز 4 في المئة في منطقة اليورو لأول مرة منذ 13 عاماً، وسيصل إلى 4.5 في المئة في ألمانيا لأول مرة منذ 27 عاماً، في حين توقع البنك المركزي أن يصل التضخم في الشرق الأوسط إلى 17 في المئة.

كما تفجرت أزمات اقتصادية مختلفة منها أزمة التوريد التي أدت إلى نقص كبير في المواد الغذائية في دول مختلفة أبرزها بريطانيا، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار الوقود والغاز، وتقول تركيا إن ما تمر به جزء من الأزمة العالمية، وأنها نجحت بالفعل في تأمين كافة الاحتياجات لمواطنيها، حيث لم تشهد البلاد أي مشاكل أو نقص في التوريد، لكنها لا تنفي حصول ارتفاع كبير في الأسعار انعكس على كافة مناحي الحياة وتسبب في متاعب كبيرة جداً للمواطنين.

وفي الأشهر الماضية ونتيجة للتراجع الجديد في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وللصعوبات الاقتصادية التي مرت بها البلاد عقب انتشار جائحة كورونا وارتفاع معدلات التضخم لمستويات عالية، شهدت البلاد زيادة تدريجية في الأسعار في معظم القطاعات تسببت في متاعب اقتصادية عميقة للمواطنين. لكن الأسابيع الأخيرة شهدت موجة أعنف من غلاء الأسعار الفاحش وهو ما تحول إلى الهم الأول للمواطنين الذين يشتكون من غلاء استثنائي طال كافة مناحي الحياة لا سيما في أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه إلى جانب أسعار العقارات وإيجارات المنازل.

وشهدت أسعار إيجار الشقق السكنية ارتفاعا في المحافظات الكبرى لا سيما إسطنبول التي ارتفع فيها الطلب بشكل كبير جداً إلى مستويات غير مسبوقة، حيث ارتفعت الإيجارات بمستويات مختلفة من منطقة إلى أخرى، وتفاوت الارتفاع بين 50 إلى 100 في المئة وسط ارتفاع كبير على الطلب وتراجع في الشقق المعروضة والمتاحة للتأجير.

وإلى جانب العقارات، شهدت الأسواق ارتفاعاً كبيراً في أسعار الخضار والفواكه إلى جانب الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية والكمالية، حيث يعزو التجار ارتفاع الأسعار إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وبالتالي ارتفاع تكلفة المواد الخام والطاقة المستوردة من الخارج، وبالتالي ارتفاع تكلفة الإنتاج، لكن الحكومة تقول إن هناك استغلالا ورفعا غير عادل للأسعار وتوعدت رافعي الأسعار.

والشهر الماضي، أقر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يعلم بحجم الغلاء في الأسعار الذي تمر به البلاد، ووعد بأن حكومته تعمل على خفض معدلات التضخم في أقرب وقت من أجل خفض الارتفاع الذي أكد أنه “فاحش” في الأسعار، وتوعد بمحاربة “المستغلين” من التجار الذي “يستغلون الظروف لرفع الأسعار بشكل كبير على المواطنين”.

والأربعاء، قالت وكالة رويترز إن الحكومة التركية تستعد لزيادة الأجور وخفض بعض الضرائب لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض التي تعاني من ارتفاع التضخم، موضحةً أن الدعم المالي سيهدف إلى تخفيف الضغط على الأسر الأكثر ضعفا بسبب التضخم الذي يقترب من 20 في المئة. وقال مسؤولان لرويترز إن من بين الخيارات التي يجري دراستها رفع الحد الأدنى للأجور بأكثر من معدل التضخم، فضلا عن التخفيف من ارتفاع تكلفة الطاقة ورفع رواتب بعض موظفي الخدمة المدنية.

من جهتها، قالت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية دريا يانيك، إنه سيتم تقديم 2.5 مليار ليرة من المساعدات لتخفيف نفقات الوقود والكهرباء للمواطنين الأشد احتياجا أثناء فصل الشتاء.

وسبق ذلك، إعلان الحكومة عن إجراءات مكثفة للرقابة على رافعي الأسعار في قطاعات مختلفة منها الأسواق وكبار تجار المواد الغذائية والخضروات والأسواق الشعبية وصولاً إلى أسعار السيارات وسلاسل الماركت، وجرى الحديث عن مقترحات يجري بحثها لآلية رقابة على أسعار بيع وتأجير العقارات، كما يصر أردوغان على الاستمرار في خفض معدلات الفائدة بشكل أسرع حيث جرى خفضها بواقع 100 و200 نقطة أساس على التوالي لتصل إلى 16 في المئة انطلاقاً من رؤية أردوغان الاقتصادية بأن خفض الفائدة سيساهم في خفض التضخم الذي يعتبره نتيجة وليس سببا.

لكن المعارضة تشكك في جدوى هذه الإشعارات، وتعتبر أن الارتفاع الفاحش في الأسعار ناتج عن تراجع الأوضاع الاقتصادية وسوء الإدارة الاقتصادية للبلاد، مشيرة إلى تراجع قيمة احتياطات البنك المركزي وارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملية المحلية، محملة الحكومة مسؤولية ارتفاع الأسعار ومشككة في جدوى إجراءاتها الأخيرة.

ومن خلال الرقابة وتقديم حزم الدعم الحكومي، تحاول الحكومة تخفيف تداخل ورقة الاقتصاد بالسياسة الداخلية وتأثير ذلك على توجهات الناخبين الأتراك، لكن هذه المهمة تبدو صعبة للغاية في ظل محدودية هذه الخطوات في التخفيف عن الأعباء التي خلفها ارتفاع الأسعار على المواطنين الذين يتوقع أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات المقبلة بناء على الرؤية الاقتصادية للأحزاب وهو ما يشكل تحدياً هو الأكبر للعدالة والتنمية الذي احتفل الأربعاء بالذكرى الـ18 لوصوله للسلطة لأول مرة في الثالث من أكتوبر/تشرين الثاني عام 2003.

القدس العربي