الاحتلال الأرمني يخرج من الباب لتدخل “بذور” الاحتلال التركي إلى أذربيجان من الشباك

الاحتلال الأرمني يخرج من الباب لتدخل “بذور” الاحتلال التركي إلى أذربيجان من الشباك

سارعت الشركات التركية بالتوغّل في الأراضي التي استعادتها أذربيجان منذ العام الماضي بعد حرب استمرت لأكثر من شهر ضدّ أرمينيا، وهي تقدّم الدعم الزراعي لتطوير المناطق الفلاحية المتضررة من الحرب، تحت راية الشراكة الاقتصادية بين البلدين التي تخفي نوايا الرئيس التركي التوسعية في دول المنطقة الناطقة باللغة التركية (المجلس التركي) ومنها إلى آسيا الوسطى وثرواتها الكبرى.

أنقرة – تكثّف تركيا تحركاتها على أكثر من صعيد لضمان توغلها في آسيا الوسطى، باستغلال علاقاتها مع الدول الناطقة بالتركية وفي مقدمتها أذربيجان كي تحكم قبضتها على الموارد الطبيعية الغنية في تلك المنطقة.

ويعدّ الاستثمار الفلاحي في مناطق زراعية كانت خاضعة “للاحتلال الأرمني” أحد أوجه “الاحتلال التركي” الحديث الذي يروج لعالم تركي مبني على القومية.

ومؤخرا، أرسلت شركة بذور تعمل في محافظة تكيرداغ التركية (شمال غرب)، ألف طن من البذور إلى أذربيجان، في إطار تنفيذ الأنشطة الزراعية بتقنيات حديثة في منطقة ناغورني قرة باغ وبقية الأراضي التي سيطرت عليها أذربيجان العام الماضي بعد حربها ضدّ أرمينيا.

وجمعت شركة “أكمن” للزراعة، ومقرها منطقة “هايرابولو” الصناعية بمحافظة تكيرداغ، ألف طن من البذور المختلفة، من مزارعي محافظات تكيرداغ وأدرنة وقرقلار إيلي (شمال غرب)، بغرض إرسالها إلى أذربيجان. وهذه أول شركة تركية تقوم بتصدير بذور إلى أذربيجان سوف تتم زراعتها في تلك الأراضي.

الاستثمار في مناطق زراعية كانت خاضعة “للاحتلال الأرمني” أحد أوجه “الاحتلال” الحديث الذي يروج لعالم تركي

وبعد إجراء التحاليل المخبرية اللازمة على البذور والتأكد من صلاحيتها، تم إرسال 600 طن من القمح و300 طن من الشعير و50 طنا من الشوفان و50 طنا من بذور البازلاء العلفية إلى أذربيجان بواسطة قطارات الشحن.

وقال مالك الشركة عرفان أكمن إن شركته تعمل في مجال إكثار البذور منذ 11 عاما، وقد حققت نجاحات يشار إليها بالبنان في مناطق مختلفة حول العالم.

وذكر أكمن أن شركته التي تدار من قبل 5 مهندسين زراعيين، تعتبر واحدة من الشركات الرائدة في مجال إكثار البذور في تركيا، وأنها صدرت كميات كبيرة من البذور إلى أذربيجان خلال العام الجاري.

ولفت إلى أن الشركة تنتج مختلف أنواع البذور، لاسيما البذور التي تعتبر زراعتها مناسبة للأراضي التي حررتها القوات المسلحة الأذرية من الاحتلال الأرمني.

وأضاف “بدأنا بأنشطتنا التصديرية واضعين نصب أعيننا ضرورة المساهمة في رفد قيمة مضافة للاقتصاد. وخلال العام الجاري أرسلنا شحنات كبيرة من مختلف أنواع البذور إلى أذربيجان، وخاصة تلك المحررة من الاحتلال الأرمني. بعد ذلك واظبنا على تقديم الخدمات الزراعية للأشقاء في أذربيجان، من خلال انتداب مستثمرين ومهندسين زراعيين من تركيا”.

ونوه أكمن بأن شركته صدّرت كميات من البذور إلى الأراضي المحررة في أذربيجان، في إطار مشروع القرى الذكية التي تعمل على تنفيذه الحكومة الأذرية بالتعاون مع تركيا.

وأشار إلى أن شركته التي تتخذ من تكيرداغ مقرا لها، تعمل على إنتاج مختلف أنواع البذور، وقد أرسلت إلى أذربيجان أنواعا مختلفة من البذور عالية الجودة. كما ذكر أن البذور التي تم إرسالها إلى أذربيجان جرت زراعتها على مساحة 30 ألف دونم.

وتابع “في الأيام المقبلة سوف يتم إعداد 30 ألف دونم أخرى من الأراضي في أذربيجان لزراعتها. لدينا خطة لإرسال حوالي ألف طن أخرى من البذور في وقت قريب، وزراعتها في الأراضي الأذرية”.

وكثّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال السنوات الماضية من خطواته الرامية إلى جمع الدول الناطقة باللغة التركية تحت راية أنقرة ما يضمن توسعها في آسيا الوسطى واكتسابها المزيد من النفوذ في هذه المنطقة الحيوية.

وهو يراهن على أذربيجان لتكون مدخلا لتنفيذ خططه. ويستغل علاقاته الجيدة مع نظيره الأذري إلهام علييف لعقد شراكات تدعم اقتصاد أنقرة المأزوم، حيث يبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين 3.3 مليار دولار، ويستهدف الطرفان رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وبدأت الحكومة الأذرية مجموعة من المشاريع التنموية واسعة النطاق من أجل زيادة الإنتاج الزراعي في المناطق التي خسرتها القوات من أصل أرمني داخل إقليم ناغورني قرة باغ وحوله لصالح قوات أذربيجان في صراع العام الماضي الذي أودى بحياة الآلاف.

وتشارك شركات تركية في مشروع بناء أولى “القرى الذكية” في محافظة زنكيلان (جنوب غرب أذربيجان). وتقول السلطات إنه في إطار المشروع المذكور، سيتم تعزيز قدرة الأراضي على الإنتاج الزراعي وإعادة بناء قطاع تربية المواشي في إطار مشروع “الحديقة الزراعية” التي يتم بناؤها في الأراضي المستعادة من أرمينيا بغرض المساهمة في إحياء الحياة في المنطقة وتحقيق إنتاج زراعي أكثر كفاءة.

وفي العام الماضي خاض الجيش الأذري بدعم من تركيا حربا ضدّ أرمينيا، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في العاشر من نوفمبر 2020 توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.

وأفادت تقارير آنذاك أن أنقرة نقلت مرتزقة سوريين موالين لها لدعم الجيش الأذري وقد أرسلت معدات عسكرية ومدربين آخرين إلى البلاد، ودعمت باكو بطائرات دون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار تي.بي 2 وهو ما أسهم في تغيير قواعد اللعبة في الحرب لصالح أذربيجان.

ورأى محللون أن تلك الخطوة كانت مدفوعة بمخاوف أنقرة على مصالحها الاقتصادية في المنطقة.

ويلفت توجه الشركات التركية إلى تعزيز استثماراتها مع المناطق التي أصبحت خاضعة لأذربيجان إلى أن هذه المشاريع الاستراتيجية قد تمثل نقاطا محورية في مشروع تركيا 2023، لما توفره من نفوذ تجاري واقتصادي لتركيا، وما تتيحه لها من فرص لتعزيز مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يعطي تركيا مساحة أكبر في الساحة الدولية، وعليه فإن الشراكة الاقتصادية مع أذربيجان تعتبر مسألة محورية لتركيا وخططها المستقبلية.

ومن جانب آخر، تعلق تركيا آمالها على قطاع الطاقة والحصول على الغاز الرخيص الذي يثقل استيراده الميزانية التركية.

وترتبط تركيا مع أذربيجان بمشروع أنبوب الغاز الطبيعي العابر للأناضول والذي تبلغ كلفته 8.5 مليار دولار. وهو يرتبط بأنبوب جنوب القوقاز الذي يضخ الغاز من حقل شاه دنيز 2 الأذري في بحر قزوين عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا.

ويحاول الرئيس التركي أردوغان حماية مصالح بلاده الطاقية من النفوذ الروسي كما أن استثمار الدعم الذي قدمته بلاده إلى أذربيجان من أجل خلق واقع جديد في المنطقة يفتح الطريق أمام تعاظم الدور التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، فتركيا تراهن منذ سنوات على حليفتها أذربيجان لتكون نقطة عبور رئيسية نحو الجمهوريات الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى.

ويرى كبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية والأستاذ المساعد في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف أن “أنقرة تريد أن تسود العالم التركي عن قناعة بأن أكثر القوميين الأتراك بالجمهوريات المستقلة المجاورة (دول ما بعد الاتحاد السوفيتي)، يجب أن يتحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية”.

وتثير التحركات التركية ومحاولاتها اختراق المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى قلق قوى عدة بينها روسيا التي تحاول الحفاظ على نفوذها هناك، وغالبا ما تتنافس مع أنقرة أو تتواجه معها على أكثر من مسرح في هذه الرقعة المخترقة بالنزاعات وخاصة ما يتصل بجوار تركيا القريب في شمال سوريا، والحديقة الخلفية لروسيا في ناغورني قرة باغ.

العرب