انتخابات العراق أعادت حضور خطاب القوى المعارضة لـ”العملية السياسية”

انتخابات العراق أعادت حضور خطاب القوى المعارضة لـ”العملية السياسية”

لطالما ظلت المشاركة في الانتخابات العراقية محور جدل حول شرعيتها وجدواها، خصوصا بين العرب السنة في العراق، منهم من ارتأى مقاطعتها مثل الشيخ الراحل حارث الضاري، الذي كان حينها أبرز مرجعية سنية في العراق، ومنهم من برر المشاركة بضرورة عدم ترك الساحة فارغة، لكن هؤلاء تعرضوا في النهاية للإقصاء من العملية السياسية برمتها، بل الطرد من العراق، كما حصل مع طارق الهاشمي ورافع العيساوي، أما من بقي كصالح المطلك فقد وصف نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، بأنه ديكتاتور، أي أن العملية الديمقراطية، التي شارك فيها المطلك كنائب لرئيس الوزراء انتهت بـ”ديكتاتور” جديد في العراق.
وهكذا ظل الموقف ملتبسا حول الانتخابات منذ 2003، البعض كان يهمس بأن الانتخابات ليست في مصلحة العرب السنة، كون الشيعة والكرد متحالفين ضدهم بعد إسقاط النظام في 2003، وبالتالي فإن سقف طموحات السنة في السلطة مقيد بهذا الواقع السكاني الجديد، وهنا انطلق البعض للتفكير في مسألة الإقليم السني، وقد أدى هذا الشعور السني الحانق إلى إحجام عدد كبير من السنة عن المشاركة في انتخابات يناير 2005، وهذا ما لاحظته خلال مراقبتي لانتخابات بعقوبة، حيث شاركت الأحياء والقرى الشيعية بكثافة، مقابل عزوف سني كبير مدفوع بأن الانتخابات تحصيل حاصل للقوى الحزبية الكردية والشيعية، في عراق ما بعد 2003، لخصه أحد سكان حي التحرير، في حديثه لقائد شرطة ديالى قائلا: من ننتخب القائمة الإيرانية، أم القائمة الأمريكية؟ لذلك لم يكن السنة بحاجة لمحرض على المقاطعة، بل ان موقف حارث الضاري آنذاك كان استجابة للشعور السني العام، على الرغم من انه لم يطلق فتوى، أو أمراً بالمقاطعة كما يشاع، بل قال رأيه متبوعا بفتح الباب لمن يود المشاركة.

كل محاولات القوى السنية بالتعويل على اختراق انتخابي من قوى شيعية علمانية فشلت، فغالب الأصوات الشيعية ذهبت للقوى ذات المرجعية الدينية

إذن منذ 2003 استمر الجدل لدى العرب السنة في مسألة المشاركة السياسية في الحكومة والانتخابات والجدوى منها، حتى وصلنا لانتخابات هذا العام، وفيها ظهر، أن كل محاولات القوى السنية بالتعويل على اختراق انتخابي من قوى شيعية علمانية فشلت، فالنتائج تظهر بشكل واضح أن غالب الأصوات الشيعية ذهبت للقوى الحزبية التقليدية ذات المرجعية الدينية، وإن كانت أصوات الحشد الشعبي تحديدا قد تراجعت، لكن قوائم مقتدى الصدر ونوري المالكي وعمار الحكيم حصدت باقي الأصوات، وكلها قوى شيعية تحتفظ بعلاقات مع النظام الإسلامي الشيعي في طهران والمراجع الشيعية في قم، مثل كاظم الحائري، لذلك التركيز على تراجع أصوات الحشد، كان اجتزاء مسيساً هدف لتصوير القوى الفائزة وكأنها معادية لطهران، وهو ما لاحظه الدكتور مثنى الضاري نجل الشيخ حارث ومسؤول المكتب السياسي في هيئة علماء المسلمين، واعتبره دعامة جديدة لموقف قديم من هيئة علماء المسلمين، حول الانتخابات والعملية السياسية، إذ صرح مثنى الضاري في مؤتمره الصحافي الأخير في إسطنبول قائلا، “إن محاولة كثير من الجهات الداخلية والخارجية الإيهام بأن الجناح الإيراني قد خسر الانتخابات! هو أمر لا صحة له، فكل القوى التي تحظى بالدعم الإيراني وتتمتع بفوائد النفوذ والهيمنة الإيرانية في العراق؛ قد حصلت على ما تريد؛ بل زادت من نفوذها وقبضتها على مقاليد الحكم، وأغلبها لديها ميليشيات ومجموعات مسلحة”، و”أن الفارق الرئيس في نتائج الانتخابات هو تغيّر النسب والحصص في ما بينها، وتراجع حظوظ تيار الحشد الشعبي بسبب جرائمه الكبيرة ضد العراقيين جميعا. وهو تراجع ليس لصالح قوى وطنية مناهضة للمشروع الإيراني؛ بل لحساب جناح إيراني آخر، وفصائل ميليشياوية أخرى لا تقل إجراما عن الحشد الشعبي” وفق تعبير الضاري. وهذا التوصيف ليس الأول، بل إن عدة باحثين نبهوا مبكرا إلى صعوبة دق إسفين بين القوى الشيعية في العراق وإيران، أحدهم هو والي نصر الأمريكي من أصل إيراني، الذي تحدث في كتابه “صعود الشيعة” عن إخفاق الإدارة الأمريكية في فهم هذه المعادلة قائلا، “فشلت واشنطن في توقع نفوذ إيران في العراق إلى حد كبير، لأنها أساءت لفترة طويلة فهم تعقيد العلاقات بين البلدين، ولاسيما إرث الحرب التي خاضاها خلال معظم الثمانينيات”. ويضيف نصر معارضا الفهم الذي كان سائدا في واشنطن قبل الحرب: “أنه بمجرد تحرير العراق، كانت النجف تنافس مدينة قم وتتحدى آيات الله الإيرانيين. منذ عام 2003، تعاونت المدينتان. لا يوجد خلاف عقائدي واضح بين رجال الدين، أو أي نزوح جماعي للمعارضين من مدينة إلى أخرى. يقع المقر الرئيسي لموقع آية الله العظمى علي السيستاني على شبكة الإنترنت في قم، ومعظم الضرائب الدينية التي يجمعها ممثلوه محفوظة في إيران”.

وائل عصام

القدس العربي